شهد العراق عام 2022 أكبر أزمة سياسية منذ الغزو الأميركي عام 2003، إذ إن إفرازات الانتخابات التشريعية في أكتوبر/تشرين الأول 2021 امتدت آثارها حتى الأشهر الأخيرة من العام، والتي تكللت باختيار محمد شياع السوداني رئيسا لمجلس الوزراء في أكتوبر/تشرين الثاني الماضي.

الأسطر التالية تسلط الضوء على أوضاع العراق السياسية والأمنية والاقتصادية في إطار حصاد العام 2022، مع نظرة استشرافية لأهم ما قد تشهده البلاد في 2023.

السوداني تولى رئاسة الحكومة بعد تحالف سياسي لمختلف مكونات العراق (مواقع التواصل)

صراع تحالفات

بدأ عام 2022 بانعقاد أول جلسة برلمانية في يناير/كانون الثاني ليتم اختيار محمد الحلبوسي رئيسا لمجلس النواب للمرة الثانية، إلا أن هذه الخطوة كانت ضمن 3 خطوات لازمة لتشكيل الحكومة، وهو ما لم يفلح فيه الساسة العراقيون إلا بعد 10 أشهر.

وفي فبراير/شباط السابق، جاء قرار المحكمة الاتحادية في البلاد بوجوب تصويت ثلثي أعضاء مجلس النواب (220 من مجموع 329) كشرط لانتخاب رئيس الجمهورية قبل تكليف رئيس للحكومة، تلا ذلك إعلان تشكيل تحالف “إنقاذ وطن” من التيار الصدري والسيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني.

ولم يتمكن التحالف من انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل الحكومة، وهو ما دفع التيار للانسحاب من البرلمان وتقديم جميع نوابه الاستقالة (73 نائبا) مشكّلا صدمة سياسية.

إثر ذلك رشح الإطار التنسيقي -يضم جميع القوى الشيعية باستثناء التيار الصدري- محمد شياع السوداني لمنصب رئيس الوزراء، وهو ما دفع أنصار التيار الصدري لاقتحام المنطقة الخضراء والبرلمان في نهاية يوليو/تموز 2022، بما أدى لتعليق عمل مجلس النواب.

حانب من اعتصام أنصار التيار الصدري داخل المنطقة الخضراء (الجزيرة)

اعتصام التيار الصدري

استمر اعتصام أنصار التيار حتى 29 أغسطس/آب الماضي عندما اندلعت اشتباكات مسلحة داخل المنطقة الخضراء بين فصائل مسلحة كادت أن تؤدي لحرب أهلية، لولا دعوة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أنصاره للانسحاب من البرلمان.

وبعد اعتزال الصدر العمل السياسي، أُعلن في 28 سبتمبر/أيلول السابق عن تشكيل تحالف إدارة الدولة، الذي ضم غالبية الكتل السياسية، ليتم تنصيب السوداني رئيسا للوزراء بعد التصويت على حكومته يوم 28 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

كيف سيكون الوضع في 2023؟

وعن مستقبل الوضع السياسي في البلاد عام 2023، يقول رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري إنه من الصعب توقع ما سيحدث، إذ لا ثوابت تسير عليها العملية السياسية بالعراق، لافتا إلى أن الفرضيات تشي بأن البلد قد يشهد أزمة سياسية كبيرة جدا ما بين القوى داخل تحالف إدارة الدولة، بحسب تعبيره.

وأضاف الشمري للجزيرة نت أن هذا التحالف شُكّل على أساس تكتيكي مرحلي من أجل تشكيل الحكومة، وبالتالي من المتوقع أن ينهار خلال العام الجديد، إضافة إلى أن العراق قد يكون أمام مشهد جديد من خلال تغيير كبير داخل مجلس النواب.

وعن حكومة السوداني، يعلق “قد تكون هناك معارضة سياسية لحكومة السوداني من قبل إحدى الجهات الداعمة له، وهو ما قد يحدث في النصف الأول من عام 2023، بما قد يفضي لوضع سياسي مرتبك”، لافتا إلى أن “2023 سيكون عام اضطراب سياسي”.

الصورة مرسلة من قبله- رئيس مركز التفكير السياسي - د.احسان الشمري
إحسان الشمري: من الصعب توقع ما سيحدث ولا ثوابت تسير عليها العملية السياسية في العراق (الجزيرة نت)

ماذا عن الانتخابات المبكرة؟

ويعتقد الشمري أن الكتل السياسية لن تمضي مع الانتخابات التشريعية المبكرة كما وعدت الحكومة عند انطلاقتها، غير أنه رجح إجراء انتخابات محلية لمجالس المحافظات.

وتوقع أن تجري الانتخابات التشريعية في 2024 لاعتبارات كثيرة، لعل أهمها الجدل حول قانون الانتخابات، وخوف الكتل السياسية من إجرائها.

ماذا عن المظاهرات؟

وكان عام 2022 شهد عشرات المظاهرات في مختلف مدن وسط وجنوب البلاد، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن بعضها كان مناديا بتحسين الوضع المعشي، لاسيما في مدينة الناصرية (جنوب)، إلا أن الوضع في عام 2023 قد يكون أكثر سخونة، حيث يتوقع الشمري أن ينظم التيار الصدري مظاهرات كبيرة لإثبات فشل الحكومة ولتغيبه سياسيا، وأن التيار قد يصعّد من مواقفه تجاه الحكومة بعد مرور 100 يوم على تشكيلها، أو عند محاولة إقرار قانون للانتخابات لا يرضي التيار.

كما توقع الشمري أن تخرج قوى تشرين والأحزاب المدنيّة في مظاهرات تطالب بالإصلاح، قد تصل لاحتكاك مع قوى الأمن، مشيرا إلى أن عام 2023 لن يذهب باتجاه استقرار البلاد.

*** للاستخدام الداخلي فقط - لا تصلح رئيسية *** مصطفى حنتوش يؤيد فكرة الاستثمار الخاص لثروة الجاموس العراقي (الجزيرة نت).jpg
حنتوش: سيكون إقرار الموازنة المالية عام 2023 نقلة نوعية للاقتصاد (الجزيرة نت)

ماذا عن الوضع الاقتصادي؟

سجل العراق وضعا اقتصاديا معتدلا عام 2022 مدعوما بارتفاع أسعار النفط، رغم عدم إقرار موازنة مالية للبلاد بسبب الخلافات السياسية، وعدم تكليف حكومة كاملة الصلاحيات حتى الشهرين الأخيرين من العام، لكن ذلك لم يسعف نسب الفقر المرتفعة التي قفزت إلى 25% وفقا لوزارة التخطيط العراقية، مع تلقي قرابة 3 ملايين عراقي منحا مالية شهرية من الحكومة.

ولا يقف الوضع عند ذلك، إذ شهد العراق في أكتوبر/تشرين الأول الماضي الكشف عن أكبر عملية سرقة (سرقة القرن) من خلال اختلاس 2.5 مليار دولار من أموال أمانات الضرائب المودعة لدى مصرف الرافدين الحكومي.

في السياق، يقول الخبير الاقتصادي مصطفى أكرم حنتوش إن الوضع الاقتصادي للبلاد عام 2023 قد لا يختلف كثيرا عن سابقه، لاسيما مع توقعات استمرار ارتفاع أسعار النفط فوق 70 دولارا للبرميل في الأشهر الستة الأولى من العام.

وفي حديثه للجزيرة نت، يعلق “سيكون إقرار الموازنة المالية عام 2023 نقلة نوعية للاقتصاد، لاسيما إن استُحدِث صندوق للتنمية في البلاد، فضلا عن إمكانية وضع الفائض المالي في صندوق استثماري”، مشيرا إلى أنه إذا طبقت الحكومة نظرية وزارة التخطيط في ضخ الأموال الفائضة في مشاريع جديدة، فإن ذلك سيؤدي لمشكلة كبيرة في السنوات القادمة في حال تسجيل عجز مالي كبير.

ماذا عن التضخم؟

لم تنته قصة الوضع الاقتصادي في العراق عند هذا الحد، إذ يشير الخبير المالي محمد الحمداني إلى أنه رغم أن البنك الدولي صنف العراق على أنه أكثر الدول العربية تحقيقا للنمو الاقتصادي بفعل ارتفاع أسعار النفط، فإن ذلك لم يسعف الاقتصاد.

وأوضح للجزيرة نت أن العراقيين منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2022 يعانون من ارتفاع سعر صرف الدولار مع وصول سعر الصرف إلى 1550 دينارا لكل دولار في السوق الموازية، رغم أن البنك المركزي العراقي يبيعه بـ1470، وهو ما أدى لموجة غلاء كبيرة وسط تخوف مما هو أسوأ.

The bodies of Iraq's federal police members who were killed in suspected IS attack, are repatriated from Kirkuk airport in northern Iraq on December 18, 2022. - Gunmen in northern Iraq where remnants of the Islamic State group are active blew up a vehicle carrying policeman before opening fire killing nine, police sources said. No group immediately claimed responsibility for the attack, one of the deadliest in Iraq in recent months. (Photo by Marwan IBRAHIM / AFP)
جثامين جنود الشرطة الاتحادية الذين قتلوا خلال هجوم بمحافظة كركوك (الفرنسية)

ماذا عن الوضع الأمني؟

مع احتفال البلاد بالذكرى الخامسة للنصر على تنظيم الدولة الإسلامية، سجل العراق العديد من الخروفات الأمنية، رغم شنّ الأخيرة عشرات العمليات العسكرية والضربات الجوية في مناطق مختلفة ضد تجمعات التنظيم.

كان آخر هذه الخروقات الهجوم الذي استهدف قوات الشرطة الاتحادية بمحافظة كركوك (شمالا) يوم 18 ديسمبر/كانون الأول الماضي وأسفر عن مصرع 7 جنود وجرح آخرين، ويقول الباحث الأمني حسن العبيدي إن العراق تمكّن خلال السنوات الماضية من الحد من تحركات خلايا التنظيم، إلا أنه لم يفلح في القضاء عليها بصورة تامة، وهو ما يضع العديد من علامات الاستفهام على الجهد الاستخباري.

أما عن عام 2023، فيتوقع العبيدي أن يستمر الحال على ما هو عليه، وأن تشن القوات الأمنية مزيدا من الضربات ضد تنظيم الدولة، منبها إلى ضرورة إعادة تقييم الجهد الاستخباري والعمل على إنهاء التنظيم نهائيا، خاصة أنه بات يلجأ لعمليات نوعية، وهو ما يتطلب تحركا ذكيا بالمقابل.

وعن الوضع الأمني العام، أوضح للجزيرة نت أن العراق شهد العديد من الصعوبات الأمنية التي تمثلت في استهداف البعثات الدبلوماسية والمنطقة الخضراء بالصواريخ، قائلا إن “استهداف المنطقة الخضراء والبعثات توقف مع تشكيل حكومة السوداني، وهو ما يعطي دليلا واضحا على أن موجة الاستهدافات السابقة كانت مرتبطة بالوضع السياسي”.

ويرى أن الوضع في العام 2023 سيعتمد على مدى استقرار المجال السياسي، والذي قد يؤدي تراجعه لعودة استهداف السفارة الأميركية والمنطقة الخضراء مرة أخرى، وهو ما قد يضع حكومة السوداني في موقف صعب شبيه بما حصل مع حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.