لا توجد أشياء كثيرة في الكون تنبعث منها إشارات دورية بدقة، وهذا الاكتشاف يثير التساؤل حول ما الذي يمكن أن تسببه هذه الإشارة الفائقة التي لم نشهدها من قبل، وكيف يمكننا استخدام هذه الإشارة لدراسة الكون

مرة أخرى تتحدى إشارة راديو جديدة قادمة من الفضاء السحيق فهمنا لهذه الظواهر الغامضة، ورغم أنها ليست الأولى فإنها تختلف عن سابقاتها.

ويذكر التقرير الذي نشرته ساينس ألرت (Science Alert) في 13 يوليو/تموز الجاري أن هذه المرة لم يكن التدفق الراديوي السريع الذي أطلق عليه “إف آر بي 20191221 إيه” (FRB 20191221A) مجرد إشارة أخرى نادرة للغاية، ولكنه أيضا ذو سرعة غير معتادة، فومضات الراديو التي تم تلقيها عبر الفضاء بين المجرات امتدت لـ3 ثوانٍ، أي حوالي ألف مرة أطول من المتوسط.

ومع ذلك، حدث تدفق من الإشارات عالية الكثافة كل 0.2 ثانية خلال هذه الفترة الزمنية التي تبلغ مدتها 3 ثوان، وهو شيء لم يسبق له مثيل لتدفق راديوي سريع، وقد تم هذا الاكتشاف بواسطة الراصد “كايم” في ديسمبر/كانون أول 2019، وعرف العلماء على الفور أنهم يواجهون شيئا غريبا للغاية، وقد نشرت نتائج دراسة تلك الإشارات في دورية “نيتشر” (Nature).

النجوم النيوترونية هي النوى المنهارة للنجوم الضخمة التي أنهت حياتها وقذفت معظم موادها في الفضاء (غيتي إيميجز)

نبضات قلب فضائية

يقول عالم الفيزياء الفلكية دانييل ميتشيلي من معهد “إم آي تي كافلي” (MIT Kavli) للفيزياء الفلكية وأبحاث الفضاء في البيان الصحفي المنشور على “يوريك ألرت” (Eurek Alert) “كان ذلك غير معتاد، فلم يكن الأمر طويلا جدا واستمر حوالي 3 ثوانٍ، ولكن كانت هناك فترات ذروة دورية كانت دقيقة بشكل ملحوظ، تنبعث كل جزء من الثانية “بوم بوم بوم” مثل ضربات القلب، هذه هي المرة الأولى التي تكون فيها الإشارة نفسها دورية”.

التدفق الراديوي السريع “فاست راديو بورست” (إف آر بي) Fast Radio Burst) (FRB)) هو واحد من الألغاز الكونية الحالية وأكثرها غرابة، فهو تدفق قوي للغاية من الإشعاع في الأطوال الموجية الراديوية التي تتوهج من الفضاء بين المجرات في فترة زمنية قصيرة جدا، وعادة ما يستغرق أجزاء من الثانية، وفي غضون ذلك الوقت القصير ينبعث من هذا التدفق قدر من الطاقة يعادل 500 مليون شمس.

تتوهج معظم التدفقات الراديوية السريعة مرة واحدة فقط، ولا يسمع عنها أحد بعد ذلك، أي أنه من المستحيل التنبؤ بها، وللكشف عن أحدها علينا فقط أن نأمل أن يحدث ذلك عندما يكون لدينا تلسكوب لاسلكي موجه في الاتجاه الصحيح (على الرغم من أن مشاريع مثل “كايم” ترصد مساحة كبيرة تساعد بشكل كبير في هذا الصدد)، وهذه هي أكثر أنواع الإشارات الراديوية شيوعا.

ونادرا ما يتم استقبال إشارات متكررة من نقطة واحدة في السماء، لكن هذا التدفق الراديوي سريع ومتكرر، لذا يمكن للعلماء توجيه تلسكوب إلى السماء ودراسة الإشارات بتفصيل أكبر.

متطابقان أم مختلفان؟

مع ذلك، فمن غير الواضح ما إذا كانت نفس الآلية مسؤولة عن جميع التدفقات الراديوية السريعة، أم أنها تختلف في الشدة والطول الموجي والاستقطاب والتشتت.

يحمل أحد التدفقات الراديوية السريعة دليلا مهما، ففي عام 2020 تم الكشف عن تدفق راديوي سريع قادم من داخل مجرة درب التبانة لأول مرة، وتم تتبعه إلى نوع من النجوم النيوترونية يسمى النجم المغناطيسي، مما يشير إلى أن هذه الأجسام شديدة المغنطة وعالية الكثافة قد تكون مسؤولة على الأقل عن بعض التدفقات الراديوية السريعة.

وقال ميتشيلي “رصد كايم الآن العديد من الإشارات الراديوية بخصائص مختلفة، وقد رأينا البعض يكمن داخل السحب شديدة الاضطراب، فيما يبدو البعض الآخر في بيئات شديدة الهدوء، ومما يبدو من خصائص هذه الإشارة الجديدة أن هناك سحابة من البلازما يجب أن تكون مضطربة للغاية في مكان قرب مصدر الإشارة”.

وحسب ما يبدو، لا تزال العلامات تشير إلى أن المصدر هو نجم نيوتروني من نوع ما، والنجوم النيوترونية هي النوى المنهارة للنجوم الضخمة التي أنهت حياتها وقذفت معظم موادها في الفضاء، وعندما لا تكون مدعومة بالضغط الخارجي المكون لها ينهار اللب ليصبح جسما كثيفا بشكل لا يصدق يبلغ عرضه حوالي 20 كيلومترا ولكن بكتلة تصل إلى 2.3 ضعف كتلة الشمس.

والنجوم المغناطيسية هي نوع من النجوم النيوترونية ذات المجال المغناطيسي القوي بشكل هائل، وبسبب السحب الخارجية لهذا المجال المغناطيسي الذي ينافس الجاذبية الداخلية تنتج المغناطيسية بشكل دوري على شكل اهتزاز.

والنجوم النابضة أيضا هي نجوم نيوترونية تطلق حزما من الانبعاثات الراديوية من أقطابها، وتدور بسرعات تقاس بمللي ثانية بحيث يبدو أن الشعاع ينبض، وقد قام ميتشيلي وزملاؤه بتحليل التدفقات من “إف آر بي 20191221 إيه” ووجدوا ميزات مشتركة بينها وبين الانبعاثات من النجوم المغناطيسية والنجوم النابضة.

الإشارة الجديدة يمكن أن تكون صادرة عن نجم مغناطيسي أو نجم نابض نشط (غيتي إيميجز)

مصدر غامض

هناك مشكلة واحدة فقط، فعلى الرغم من عدم وضوح المسافة التي قطعها “إف آر بي 20191221 إيه” فمن المحتمل أنه جاء من مجرة أخرى، ويبدو انفجاره أكثر سطوعا بمليون مرة من النجوم المغناطيسية والنجوم النابضة في مجرتنا.

ويوضح ميتشيلي “لا توجد أشياء كثيرة في الكون تنبعث منها إشارات دورية بدقة، من الأمثلة التي نعرفها في مجرتنا النجوم النابضة الراديوية والمغناطيسية التي تدور وتنتج انبعاثا مشابها للمنارة، ونعتقد أن هذه الإشارة الجديدة يمكن أن تكون نجما مغناطيسيا أو نجما نابضا نشطا”.

ويأمل الفريق أن يكتشف المزيد من التدفقات من المصدر الغامض لـ”إف آر بي 20191221 إيه” لتحديد كل من مصدره وما قد يسببه، في المقابل يمكن أن يساعدنا هذا في فهم النجوم النيوترونية بشكل أفضل.

ويقول ميتشيلي “هذا الاكتشاف يثير التساؤل حول ما الذي يمكن أن تسببه هذه الإشارة الفائقة التي لم نشهدها من قبل، وكيف يمكننا استخدام هذه الإشارة لدراسة الكون، وتَعِد التلسكوبات المستقبلية باكتشاف الآلاف من الإشارات الراديوية شهريا، وفي تلك المرحلة قد نجد المزيد من هذه الإشارات الدورية”.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.