القاهرة- لم يكن للمدرسة أي دور في تفوق الطالبة المصرية ملك عبد الفتاح وحصولها على المرتبة الأولى في نتائج المرحلة الثانوية (الشعبة العلمية) على مستوى الجمهورية، إذ إنها اعتمدت على نحو كامل على الدروس الخصوصية، ولم تذهب مطلقا إلى المدرسة طيلة العام الدراسي.

فقد أحجمت ملك عن الذهاب للمدرسة مع زملائها في الصف الدراسي نفسه “تجنبا للإرهاق وإضاعة الوقت”، حسب ما أكدته في تصريحات متلفزة حول دور المدرسة في تفوقها.

حال الطالبة المتفوقة ليس فريدا، بل يمتد إلى أوائل آخرين؛ فأكدت الطالبة الحاصلة على المركز الأول (الشعبة الأدبية) زينب أكرم عدم التزامها بالذهاب للمدرسة واعتمادها أساسا على الدروس الخصوصية.

والأمر نفسه حدث مع الطالبة الحاصلة على المركز السادس أروى عبد المحسن، التي قالت إنها لم تذهب إلى المدرسة طوال العام الدراسي، واكتفت بالمذاكرة في المنزل ومجموعات التقوية في المراكز التعليمية الخاصة.

وحسب بيان وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، تقدم لأداء امتحانات الثانوية العامة لعام 2021-2022 نحو 690 ألف طالب، ووصلت نسبة النجاح إلى نحو 75.04%.

أوائل سابقون

وتراجعُ دور المدرسة في المسار التعليمي لطلاب الثانوية العامة ليس وليد العام الدراسي الحالي، فقد أصبح ظاهرة في السنوات الأخيرة؛ وهو ما عبّر عنه بعض أوائل الثانوية العامة السابقين، مثل إسراء إبراهيم الأولى على الشعبة العلمية للعام الدراسي 2015-2016، ويوسف عبد المجيد الحاصل على المركز الأول للعام الدراسي 2017-2018، وهو ما أكدته شيماء أحمد الحاصلة على المركز الثالث مكرر للعام الدراسي 2018-2019، وزميلتها في العام نفسه والترتيب ذاته دعاء أحمد.

عقوبة المتغيبين

ووفق قانون التعليم المصري، فإن مدة الغياب عن المدرسة المسموح بها للطالب تبلغ 15 يوما متصلة أو 30 يوما منفصلة، مع إثبات العذر القهري للغياب.

وأصدرت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني قرارا وزاريا رقم 119 لعام 2021 بتوقيع غرامة في حال تخلف الطالب أو في حال انقطاعه عن المدرسة من دون تقديم عذر مقبول لفترة 10 أيام متواصلة أو منفصلة، إضافة إلى دفع رسوم إعادة قيد الطالب المفصول بالثانوية العامة والفنية في المدارس.

وحددت الوزارة قيمة الغرامة الموقعة على الطالب المتغيب بـ10 جنيهات (الدولار يساوي 19.15 جنيها)، ويتم دفع الغرامة أكثر من مرة في حال تخلف الطالب عن الحضور كل 10 أيام من دون عذر، وفي حال فصل الطالب حددت الوزارة قيمة إعادة قيده بـ25 جنيها.

وفي فبراير/شباط الماضي، رفض مجلس النواب مشروع قانون مقدم من الحكومة يتضمن زيادة غرامة غياب الطلاب عن المدارس من 10 جنيهات إلى ألف جنيه، مع تعليق بعض الخدمات التي يستفيد منها ولي الأمر من القطاعات الحكومية.

وأشار عدد من أعضاء البرلمان -خلال مناقشة مشروع القانون- إلى العجز الكبير في أعداد المدرسين، إلى جانب كثافة التلاميذ في الفصول التي تصل أحيانا لأكثر من 100 طالب في الفصل الواحد.

ويصل عجز الفصول الدراسية بمصر إلى 250 ألف فصل، فضلا عن وصول العجز في أعداد المعلمين لنحو 320 ألف معلم، حسب تصريحات نائب وزير التعليم.

مؤسسة لأداء الامتحانات

تفاعل رواد منصات التواصل الاجتماعي على نحو واسع مع تصريحات أوائل الثانوية العامة حول دور المدرسة في تفوقهم، وعدها البعض بمثابة إعلان لفشل سياسات تطوير التعليم التي تكلفت مليارات الجنيهات وتروج لنجاحها الحكومة.

وانتقد عدد من رواد الإعلام الاجتماعي دور وزارة التربية والتعليم في تحويل المدارس لمجرد مؤسسات رسمية تضمن أداء الطلبة الامتحانات فقط، بسبب العجز الشديد في أعداد المدرسين والكثافة الطلابية داخل الفصول.

جرس إنذار

في هذا السياق، حذرت دراسة حديثة أعدها المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية من ظاهرة تغيب طلاب الصف الثالث الثانوي عن المدارس، التي امتدت لطلاب المرحلة الإعدادية، إذ باتوا يعتمدون في الأساس على الدروس الخصوصية.

وأرجعت الدراسة التي حملت عنوان “جرس إنذار: تداعيات تمدد ظاهرة غياب الطلاب” أسباب تلك الظاهرة إلى عدة عوامل، ومنها تراجع ثقة أولياء الأمور في المدرسة بوصفها مصدرا لتقديم خدمة تعليمية جيدة للأبناء، وارتفاع الكثافة داخل الفصول، والعجز في أعداد المدرسين، فضلا عن ضعف الرقابة على المدارس من قبل الجهات المختصة.

وأوضحت الدراسة أن بعض مديري المدارس يرون أن العجز في الفصول والمدرسين مبرر للتساهل مع غياب الطلاب، خاصة في الصفين الثالث الإعدادي والثالث الثانوي، لاستخدام الفصول في استيعاب طلاب الصفوف الدنيا.

وكشفت الدراسة عن التأثير السلبي للتعلم في المنزل، مثل الإضرار بشخصية الطالب، إذ تتأثر مقدرته على بناء العلاقات الاجتماعية إلى حد يصل إلى العزلة الاجتماعية، فضلا عن التكلفة المادية العالية في حال الاعتماد على الدروس الخصوصية.

وأوصت الدراسة بضرورة مراجعة قانون التعليم في ما يتعلق بعقوبة الانقطاع عن المدرسة، وإعادة النظر في وضع مراكز الدروس الخصوصية وتوقيت عملها، بالإضافة إلى “رقمنة” تسجيل الحضور والغياب للطلاب والمعلمين، وتفعيل الرقابة على المدارس وأدوات المساءلة للمديرين للحد من تلك الظاهرة.

تلاقي المصالح

وتعقيبا على ذلك، أكدت الكاتبة الصحفية تهاني تركي تراجع مستوى التعليم داخل المدارس الحكومية لأقصى حد.

وفي مقال بعنوان” التفوق بالغش”، أضافت تهاني تركي أن المدرس يركن إلى تلقي الطالب درسا خصوصيا خارج المؤسسة الرسمية للتعليم، ثم أن المدرس نفسه يعطي دروسا خصوصيا ويحصل على مبالغ كبيرة؛ وبالتالي تتلاقى المصالح وينعدم دور المدرسة.

أما في المدارس الخاصة فالطلاب في الصف الثالث الثانوي يعزفون عن الدوام المدرسي، حسب تأكيد تهاني تركي التي أوضحت أن تلك المدارس -وإن كانت مصروفاتها كبيرة- لا تخصص فصولا لطلاب الصف الثالث الثانوي، وتكتفي بقيد الطالب في المدرسة وتقديم الاستمارة للامتحانات.

وأشارت الكاتبة الصحفية إلى محاولة وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني غلق مراكز الدروس الخصوصية قبل 4 أعوام وإلزام الطلاب بالحضور للمدارس.

واستطردت “وقتها ذهب الطلاب بالفعل، ولكنهم لم يجدوا فصلا أو حصصا وقضوا أيام الأسبوع في فناء المدرسة، حتى أعلنت مراكز الدروس الخصوصية عودة العمل وعاد كل شيء إلى أصله”.

غياب التربية

من جهته، قال الخبير بالمركز القومي للامتحانات والتقويم التربوي محمد فتح الله إن نسب الحضور تدنت للغاية في مرحلة الثانوية العامة منذ اليوم الدراسي الأول، مبينا أن الحديث الحكومي حول تطوير منظومة التعليم متناقض مع واقع غياب الطالب عن المدرسة.

وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح فتح الله أن النظام التعليمي انصرف للتحصيل الدراسي الذي يؤهل للجامعة، مع انصراف تام عن التربية كدور يفترض أن تتولى المدارس القيام به.

وأكد أن فلسفة التعليم في مصر باتت تنحصر في الامتحانات وكيفية اجتيازها، وبالتالي غابت كل أهداف المنظومة التعليمية.

ورأى الخبير التربوي أن الطالب الذي يعتمد على بدائل تعليمية غير المدرسة سيفتقر إلى القيم والانتماء للمجتمع، مضيفا أن إعداد الفرد الفاعل داخل المجتمع لن يتم عبر مراكز الدروس الخصوصية.

وحذر من تمدد أثر غياب دور المدرسة إلى الأسرة، إذ يصيبها التفكك جراء عدم قيام المؤسسة التعليمية بدورها المنوط في التربية.

المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي


المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.