شهدت الخرطوم الإثنين غارات جوية وانفجارات ورشقات نارية على الرغم من هدنة جديدة لمدة 72 ساعة وافق عليها الجيش وقوات الدعم السريع، فيما حذّرت الأمم المتحدة من أنّ السودان بات على شفا “كارثة” إنسانية ومئات الآلاف قد يفرّون منه.

وأفاد مراسل الجزيرة في الخرطوم أن الطائرات الحربية عاودت التحليق في الخرطوم بحري، وأن مضادات تابعة للدعم السريع تصدت لها.

وكان دوي انفجارات شديدة قد سُمع، وتصاعدت أعمدة الدخان، شمالي حي كافوري، وحول منطقتي شمبات والصبابي بالخرطوم بحري، وحلة خوجلي، والجانب الشرقي من جزيرة توتي بالخرطوم.

وقال مراسل الجزيرة إن سلاح الجو في الجيش قصف مواقع للدعم السريع في ضاحية الحلفايا، شمالي شمبات بالخرطوم بحري. يأتي ذلك رغم دخول سادس هدنة بين الطرفين المتحاربين حيز التنفيذ. وكان الطرفان قد وافقا أمس على هذه الهدنة الجديدة ومدتها ثلاثة أيام.

في الأثناء أكد الجيش السوداني أنه نجح في حرمان خصومه من نحو نصف قدراتهم القتالية، في المقابل، أكدت قوات الدعم السريع على لسان نائب قائدها أنها لا تزال تسيطر على مواقع في القصر الرئاسي، والإذاعة والتلفزيون، ومطار الخرطوم والأحياء المجاورة له.

وقال الجيش السوداني -في بيان صدر الاثنين- إن الأوضاع مستقرة في جميع ولايات السودان، وإن قواته تمكنت خلال 15 يوما من القتال من تخفيض القدرات القتالية لقوات الدعم السريع بنسبة 45 إلى 55%.

واتهم الجيش قوات الدعم السريع بأنها حشدت قدرات كبيرة “لاختطاف الدولة السودانية ومصادرة قرارها وتدمير قواتها المسلحة”، وفق البيان.

وذكر الجيش أن تلك القدرات بلغت أكثر من 27 ألف مقاتل، وأكثر من 39 ألفا ممن وصفهم بالمستجدين، و1950 مركبة قتالية، و104 من ناقلات الجند المدرعة، و171 من العربات المسلحة بالمدافع الرشاشة. وقال البيان إنه تم إحباط تعزيزات عسكرية لتلك القوات من جهة الغرب، وإيقاف تقدم قوة أخرى من الحدود الشمالية الغربية.

بدوره، اتهم الناطق الرسمي باسم الجيش السوداني، العميد نبيل عبد الله في مقابلة مع الجزيرة قوات الدعم السريع بالتسلل إلى منازل ضباط بالقوات المسلحة واحتجاز عدد من الأسر.

وأدت الاشتباكات الدامية التي دخلت أسبوعها الثالث إلى نزوح عشرات الآلاف من السودانيين إلى دول مجاورة مثل مصر وتشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى.

وحذّر المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الإثنين من أنّ “أكثر من 800 ألف شخص” قد يفرّون من السودان.

وكتب فيليبو غراندي في تغريدة على تويتر “نأمل ألا يحدث ذلك، ولكن إن لم يتوقف العنف، فسنرى المزيد من الناس يُجبرون على الفرار من السودان بحثاً عن الأمان”.

هدنة هشة

وأفاد سكان في الخرطوم أنهم استيقظوا الإثنين على هدير الطائرات المقاتلة، في حين تحدث آخرون عن سماع أصوات انفجارات وإطلاق رصاص في مناطق مختلفة من العاصمة التي يناهز تعدادها خمسة ملايين نسمة.

وأتى ذلك بعد ساعات من إعلان الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الملقب (بحميدتي)، موافقتهما على تمديد وقف لإطلاق النار كان من المقرر أن ينتهي منتصف ليل الأحد-الإثنين (22:00 ليل الأحد بتوقيت غرينتش).

لكنّ الهدنة الأخيرة بقيت هشّة كسابقاتها من محاولات التهدئة التي تمّ التوافق عليها منذ اندلاع النزاع بين الحليفين السابقين في 15 أبريل/ نيسان والذي أغرق السودان في فوضى حصدت مئات القتلى ودفعت عشرات الآلاف للمغادرة أو النزوح.

قوات الدعم السريع تقول إنها ما تزال تسيطر على مواقع في القصر الجمهوري ومطار الخرطوم (الفرنسية)

ويرى خبراء أن اتفاقات وقف النار تهدف خصوصا الى ضمان أمن طرق إجلاء الرعايا الأجانب، والسماح بمواصلة بعض الجهود الدبلوماسية التي تقودها أطراف خارجية في ظل رفض القائدين العسكريين التواصل بشكل مباشر.

ودقّت الأمم المتحدة جرس الانذار من تحوّل الوضع الى مأساة إنسانية.

مساعٍ للتسوية

وبخصوص مساعي التسوية، قال مبعوث الأمم المتحدة إلى السودان فولكر بيرتس -في تصريحات لوكالة أسوشيتد برس- الاثنين إن طرفي النزاع وافقا على إيفاد ممثلين لإجراء مفاوضات قد تعقد في السعودية.

وأوضح بيرتس أن المفاوضات ستركز في البداية على إرساء وقف لإطلاق النار “مستقر وموثوق” يشرف عليه مراقبون “محليون ودوليون”، لكنه نبّه إلى أن ترتيبات عقد هذه المحادثات لا تزال قيد الإنجاز.

وقال “من المهم التواصل مع كلا الطرفين، وجعلهما يلتزمان بوقف إطلاق النار حتى يتضح أن القتال والمضي قدما ومحاولة تحقيق انتصارات على الأرض هي في الواقع انتهاك لوقف إطلاق النار” .

وأضاف أن أحد الاحتمالات هو إنشاء آلية لمراقبة وقف إطلاق النار تضم مراقبين سودانيين وأجانب، لكن يجب التفاوض على ذلك .

وقال إن المحادثات بشأن ترسيخ وقف إطلاق النار يمكن أن تتم في السعودية أو جنوب السودان، مضيفًا أن إجراءها في الرياض قد يكون أسهل من الناحية اللوجستية لأنه تربطها علاقات وثيقة بالجانبين.

لكنه استدرك قائلا “حتى المحادثات في السعودية تنطوي على تحديات، لأن كل جانب يحتاج إلى ممر آمن عبر أراضي الطرف الآخر للوصول إلى مقر المحادثات. وهذا صعب للغاية في حالة انعدام الثقة”.

ولم يصدر أي تعقيب فوري من الجانب السعودي حول احتمال استضافة محادثات بين ممثلين عن البرهان وحميدتي. كما لم يصدر أي إعلان رسمي من جانب الأمم المتحدة.

تدهور سريع

وقال المتحدث باسم الأمين العام للمنظمة الأممية ستيفان دوغاريك إنّ “الأحداث في السودان تحصل بنطاق وسرعة غير مسبوقين”، مبدياً “قلقه الكبير”.

وأضاف أنّ الأمين العام أنطونيو غوتيريش قرّر أن يرسل “فوراً إلى المنطقة” رئيس الوكالة الإنسانية للمنظمة الأممية مارتن غريفيث “في ضوء التدهور السريع للأزمة الإنسانية في السودان”.

غريفيث في اليمن سعيا لإنقاذ اتفاق السويد
الأمم المتحدة قررت إرسال مارتن غريفيث إلى السودان (الجزيرة)

وأكد غريفيث أنه في طريقه إلى المنطقة “لدراسة كيف يمكننا أن نقدّم مساعدة فورية”، معتبراً أنّ “الوضع الانساني يقترب من نقطة اللاعودة”. وحذّر من أن النهب الذي تعرضت له مكاتب المنظمات الانسانية ومستودعاتها “استنزف غالبية مخزوناتنا”.

وفي بلد كان ثلث سكانه يعانون من من الجوع قبل اندلاع الحرب، قرّر برنامج الأغذية العالمي أن يستأنف “أنشطته فورا” بعد تعليقها عقب مقتل ثلاثة من موظفيه خلال الأيام الأولى للنزاع.

“كارثة”

وتحولت الأزمة الصحية التي كان يعانيها السودان قبل اندلاع القتال الى “كارثة بكل معنى الكلمة”، بحسب المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في منطقة شرق المتوسط أحمد المنظري.

وأوضح المنظري أن قبل المعارك الأخيرة “مرّ النظام الصحي في السودان كما هو معروف بسنوات من الأزمات المختلفة مما عرّضه للكثير من الهشاشة والضعف الحقيقي، ضعف بكل ما تعنيه الكلمة من حيث البنى التحتية، أي المستشفيات أو مراكز رعاية صحية أولية بمختلف مستوياتها في عموم السودان”.

وتابع “هناك فعلا نقص حقيقي في الكادر الطبي وخصوصا بعد ظهور هذه الأزمة خلال الأسبوعين الماضيين.. وخصوصا الكادر الطبي المتخصص على سبيل المثال في الجراحة والتخدير”. وأشار الى أن “23% من المستشفيات في الخرطوم تعمل بشكل جزئي في حين تعمل 16% فقط بكامل طاقتها”.

وأسفرت المعارك عن سقوط ما لا يقل عن 528 قتيلًا و4599 جريحا، وفق أرقام أعلنتها وزارة الصحة السودانية السبت، في حصيلة يرجح أن تكون أعلى.

ومع دخول النزاع أسبوعه الثالث، تمكّنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الأحد من إيصال أول شحنة مساعدات إنسانية عن طريق الجو، وذلك الى مدينة بورتسودان الواقعة على مسافة 850 كلم إلى الشرق من الخرطوم.

وأوضحت اللجنة أن الشحنة ضمّت معدات جراحية لدعم مستشفيات السودان ومتطوعي جمعية الهلال الأحمر السوداني الذين يقدمون الرعاية الطبية للجرحى الذين أصيبوا خلال القتال، لكنها قالت إن تلك الشحنة لن تكفي سوى لمعالجة 1500 جريح.

وأدت المعارك الى نزوح داخلي وخارجي. وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، انتقل 75 ألف شخص الى مناطق أخرى في السودان، وعبر 20 ألفا على الأقل نحو تشاد و6 آلاف نحو جمهورية أفريقيا الوسطى وغيرهم إلى إثيوبيا وجنوب السودان.

وتطال الاشتباكات 12 من الولايات الـ18 في السودان الذي يبلغ عدد سكانه 45 مليون نسمة، وفق ما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.

تواصل الإجلاء

وعلى مدى الأيام الماضية، أجلى العديد من الدول الغربية والعربية رعاياها توازياً مع جهود دبلوماسية سعياً للحلّ.

ووصلت سفينتان أميركية وسعودية إلى المملكة الإثنين حاملتين نحو 500 مدني من جنسيات عدّة من السودان الذي يشهد معارك منذ أكثر من أسبوعين، وفق ما أفادت مصادر سعودية.

British nationals walk to board an RAF aircraft during the evacuation to Cyprus, at Wadi Seidna airport, Sudan April 26, 2023. Arron Hoare/UK MOD/Handout via REUTERS THIS IMAGE HAS BEEN SUPPLIED BY A THIRD PARTY
العديد من الدول العربية والغربية أجلت رعايا من السودان عقب اندلاع المعارك (الأناضول)

وقالت وزارة الخارجية الأميركية الاثنين إن الولايات المتحدة أجلت أكثر من 700 شخص من القتال العنيف في السودان خلال الأيام الثلاثة الماضية.

ووصلت ثلاث قوافل أميركية إلى بورتسودان منذ يوم السبت لنقل أكثر من 700 مواطن أميركي وأسرهم ورعايا الدول الحليفة والشريكة إلى أماكن آمنة، حسبما قال متحدث باسم الوزارة في إفادة صحفية.

وأضاف: “لم تكن هذه العملية الناجحة ممكنة بدون تفاني وشجاعة موظفينا المحليين الذين سهلوا التحركات من الخرطوم خلال رحلة برية شاقة إلى بورتسودان”.

ومنذ بداية القتال في منتصف أبريل/نيسان الماضي، نقلت الولايات المتحدة أكثر من ألف مواطن أمريكي من السودان إلى أماكن آمنة، على حد قول المتحدث. وتم إجلاء موظفي السفارة وأسرهم مباشرة من الخرطوم من قبل الجيش الأميركي.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.