يقول عميد كلية سابق بجامعة حكومية معروفة إن طلبات عديدة وصلتهم خلال فترة عمله بالرغبة في التوقف عن الدراسة لدواعي السفر، مؤكدا عدم وجود إحصاءات لعدد الطلاب الذين غادروا للدراسة في الخارج، لكنه يشير إلى أن العدد كبير وبينهم نوابغ وطلاب مميزون.

الخرطوم- تحت ظل شجرة ضخمة بالقرب من النيل كان الشاب عمرو يحظى باحتفاء زملائه الذين تنادوا لوداعه بعد أن حزم أمره للسفر إلى تركيا لمواصلة دراسته الجامعية بعد ضياع عام كامل منه بسبب عدم الاستقرار في السودان، والإغلاق المستمر للجامعة تأثرا بالأوضاع السياسية تارة وبالمشكلات الإدارية تارة أخرى.

إغلاق يتلوه آخر

وبدأت معاناة آلاف الطلاب السودانيين مع إغلاق الجامعات قبل نحو 4 سنوات إثر تزايد الاحتجاجات المناهضة لنظام الرئيس المعزول عمر البشير، حيث قررت الحكومة وقتها إغلاق كل مؤسسات التعليم العالي لمنع اتساع رقعة الاحتجاجات.

لكن الإغلاق استمر حتى بعد سقوط النظام بأشهر عدة، وأعقبه تفشّي وباء كورونا الذي أجبر السلطات على الإغلاق الشامل ضمن سلسلة تدابير احترازية، ولم تستأنف الدراسة في الجامعات إلا في خواتيم عام 2020.

ولاحقا، وجد الطلاب أنفسهم أمام سلسلة إضرابات أعلنتها نقابات الأساتذة والعاملين للاحتجاج على تدني الرواتب والمخصصات المالية.

ثم تجاوب أغلب أساتذة الجامعات مع دعوات العصيان التي دعت إليها أجسام مهنية وسياسية رفضا للإجراءات التي نفذها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 حين أطاح بالحكومة المدنية، لتتوقف الدراسة في معظم الجامعات، قبل ان تُستأنف على نحو متفاوت مع تراكم دُفعات الطلبة وضياع أكثر من سنة دراسية كاملة على أغلبهم.

يقول عمرو للجزيرة نت إنه أنفق شهورا طويلة في البحث عن فرصة دراسية خارج السودان، إلى أن قرر مخالفة رغبته في دراسة الصيدلة والاتجاه لتخصص آخر ذي علاقة بنظم المعلومات، معترفا بصعوبة الوضع الذي ينتظره في بلد بعيد يتوجب فيه البدء من الصفر لتعلم لغته والتأقلم مع شتائه قارس البرودة.

طلاب وخريجون في واقع طارد

ويصل عدد مؤسسات التعليم العالي في السودان إلى 155، منها 39 جامعة حكومية، توجد 8 منها بالعاصمة الخرطوم، بالإضافة إلى 116 مؤسسة تعليم عال خاصة، منها 17 جامعة خاصة و65 كلية خاصة بالخرطوم أهلية وأجنبية.

ويصل عدد طلاب وطالبات هذه المؤسسات -حسب إحصاءات سابقة- إلى 575 ألفا و719 طالبا، ويدرس في الجامعات الحكومية الثماني نحو 300 ألف طالب، والبقية (273 ألفا و713 طالبا) هم طلاب الجامعات والكليات الخاصة والأجنبية، وتحتضن بقية الولايات الـ17 جامعة واحدة على الأقل.

ويزيد عدد الطلاب المتخرجين سنويا من هذه الجامعات، لكن 90% منهم لا يجد فرص عمل في مجال دراستهم، فيضطرون للهجرة أو العمل في مهن هامشية.

وهذا بالضبط ما حدث لدفعة الطالب أحمد عمر الذي درس الهندسة المعمارية وتخرّج قبل أكثر من 3 أعوام، لكنه يجد نفسه اليوم عاملا في مجال التسويق بأحد معارض الأثاث، من دون أن يتمكن من تغطية نفقاته اليومية فيبدأ التفكير جديا في السفر.

ويتحدث الشاب بأسى بالغ عن استغلال بعض الشركات المعمارية للخريجين بقبولهم العمل تحت لافتة التدريب 3 أشهر من دون مقابل مجزٍ، ثم الاستغناء عنهم بعد أن يكون الخريج أنجز أعمالا كبيرة منفقا ساعات طويلة من الجهد والمال الخاص.

ويروي عمر للجزيرة نت معاناة زملائه في دفعته بسبب عدم الحصول على وظائف، قائلا إن رفيقه الأقرب غادر للبحث عن عمل في مصر، والآخر قرر الهجرة إلى أوروبا عن طريق التهريب، واستقر به المقام في إحدى المدن الليبية، في حين توجه صديقه الثالث لامتهان حرفة الزراعة.

الدراسة بالجامعات السودانية تعطلت بسبب الاحتجاجات وإغلاقات كورونا والإضرابات المتواصلة للمعلمين (الأناضول)

وحسب عميد كلية سابق بجامعة حكومية معروفة، فإن طلبات عديدة وصلتهم خلال فترة عمله بالرغبة في التوقف عن الدراسة لدواعي السفر، مؤكدا للجزيرة نت عدم وجود إحصاءات لعدد الطلاب الذين غادروا للدراسة في الخارج، لكنه يشير إلى أن العدد كبير، وبينهم نوابغ وطلاب مميزون.

ويشير العميد السابق إلى أن الإغلاق المستمر راكم دفعات الطلاب على نحو فاق القدرة الاستيعابية للجامعات الحكومية على وجه خاص، حيث افتقرت كذلك لترتيبات تتيح للطلاب الدراسة عبر الإنترنت؛ نظرا لقلة الإمكانات ورداءة شبكات الاتصال مع ارتفاع الكلفة.

ويتحدث طالب السنة الثانية بكلية البيطرة في جامعة الخرطوم حسين يحيى عن أن طلاب السنة الخامسة هم الدفعة التي تم قبولها عام 2015، بينما السنة الرابعة ضمت دفعتين 2017 و2016، والسنة الثالثة بها دفعة 2018، أما الثانية ففيها دفعتي 2019 و2021، وسيلحق الطلاب المقبولون في عام 2023 بالسنة الأولى التي تضم طلاب عام 2022 أيضا.

ويقول يحيى للجزيرة نت إنه لحل هذه المشكلة أدمجت بعض الكليات دفعتين معا لتصير دفعة واحدة، وتسبب هذا في تكدس الطلبة بالقاعات والمعامل.

ويشير إلى أن تنامي ظاهرة هجرة الطلاب تفاقمت خلال هذه الفترة بسبب تعطل الدراسة وتراكم الدفعات، ويضيف أن “أغلب المهاجرين يقصدون تركيا ومصر، بينما ينتقل آخرون لجامعات خاصة داخل السودان”.

ويتابع “هاجر طلاب في كلية الهندسة إلى مصر وقبرص حيث يستطيعون الانتقال للصف الجامعي نفسه الذي انتهوا إليه”.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.