رغم أن بعض الأفلام السينمائية قد تجعلنا نعتقد أن العصور الجليدية تحدث بين عشية وضحاها فإن هذا غير صحيح، فهي تستغرق آلاف السنين حتى تتكون، بينما تستمر ملايين السنين على الأرض. وقد مرت الأرض بـ5 عصور جليدية رئيسية، بدأ آخرها منذ 2.6 مليون سنة وما زال مستمرا حتى الآن، حيث تمر الأرض في الوقت الحاضر بفترة دافئة بينية تحدث بين الفترات الجليدية الباردة.

ولكن ما العصور الجليدية؟ وكيف تحدث؟

كيف يحدث العصر الجليدي؟

وفقا لموقع “إيه بي سي نيوز” (abc News)، فإن العصر الجليدي هو الفترة التي يغطي فيها الجليد مساحات شاسعة من سطح الأرض، وتستمر هذه الفترات لملايين السنين حيث تعيد تشكيل ملامح سطح الأرض.

ويحدث العصر الجليدي عندما تنخفض درجة حرارة الأرض ويصبح الجو أكثر برودة ببضع درجات على مدار فترة طويلة من الزمن، وهنا تعجز درجات حرارة الصيف في نصف الكرة الشمالي عن الارتفاع فوق درجة التجمد لسنوات. وهذا يعني أن الثلوج التي تتساقط في فصل الشتاء لا تذوب بل تتراكم بمرور الوقت وتبدأ في الانضغاط أو التجلد في الصفائح الجليدية.

ويحدث انخفاض درجة حرارة كوكب الأرض نتيجة لبعض العوامل الخارجية والداخلية. تشمل العوامل الخارجية أي تغيير في مدار الأرض حول الشمس ومقدار الضوء وأشعة الشمس الواصلة إلى الأرض. ويتأثر مقدار الضوء الواصل إلى الأرض بدرجة ميل الأرض عن محورها وشكل مدار الأرض أثناء دورانها حول الشمس، أما التغيرات الداخلية، فيقصد بها أي تغييرات في تيارات المحيط وتكوين الغلاف الجوي والأنشطة البركانية.

تتكون الصفائح الجليدية الكبيرة في 90 ألف عام وتنهار في 10 آلاف عام (بيكسلز)

ووفقا لدراسة نشرت في مجلة نيتشر nature ونقلها موقع “ساينس ديلي” Science Daily، فإن بداية العصر الجليدي ترتبط بما يعرف بدورات ميلانكوفيتش Milankovitch، وهي آلية التغيرات المناخية التي فسرها العالم ميلانكوفيتش عام 1930 عندما تتحد التغييرات المنتظمة في ميل الأرض ومدارها، لتؤثر على مقدار الإشعاع الشمسي الذي تتعرض له المناطق على الأرض.

وعندما تؤدي هذه العوامل إلى حصول نصف الكرة الشمالي على قدر أقل من الإشعاع الشمسي في الصيف يمكن أن يبدأ عصر جليدي جديد.

كم عدد العصور الجليدية؟

يقدر عدد العصور الجليدية الرئيسية التي مر بها كوكب الأرض بـ5 عصور، حدث الأول منذ حوالي ملياري سنة واستمر حوالي 300 مليون سنة، وبدأ آخرها منذ حوالي 2.6 مليون سنة وما زال مستمرا حتى الآن، وهو ما يفسر سبب وجود أغطية جليدية قطبية للكوكب حتى الآن.

يقول مايكل ساندستروم، طالب دكتوراه في المناخ القديم بجامعة كولومبيا Columbia University في مدينة نيويورك، لموقع لايف ساينس livescience العلمي، إن العصور الجليدية الكبيرة تمثل حوالي 25% من مليارات السنين الماضية على كوكب الأرض. وتشمل العصور الجليدية الخمسة الرئيسية ما يلي:

أولا: فترة العصر الجليدي الهوروني Huronian، الذي استمر خلال الفترة ما بين 2.1 و2.4 مليار سنة تقريبا، وفيه زادت برودة الأرض نتيجة لتشبع الغلاف الجوي والمسطحات المائية بالأكسجين. ورغم زيادة سطوع أشعة الشمس فإن الأكسجين الزائد أدى إلى إزالة غاز الميثان الذي يساهم في إبقاء الأرض ضمن درجة حرارة دافئة، وقد غطى الثلج والجليد أنحاء كبيرة وشاسعة من اليابسة والمحيطات وصلت حتى خط الاستواء. ويعد العصر الهوروني هو الأطول في التاريخ.

ثانيا: فترة العصر البارد/ الكريوجيني Cryogenian، الذي امتد ما بين 720 مليون إلى 635 مليون سنة مضت تقريبا، وقد سيطرت الصحاري الجليدية على الكرة الأرضية في هذا العصر. وتراوحت درجات الحرارة قرب خط الاستواء ما بين -43 و-23 درجة مئوية.

ثالثا: فترة التجلد في جبال الأنديز والصحراء الكبرى Andean-Saharan، التي امتدت خلال الفترة من 420 مليون إلى 450 مليون سنة مضت.

 

خلال العصر الجليدي يقل مستوى سطح البحر بشكل كبير لأنه يتم حبس المياه على اليابسة (بيكسلز)
خلال العصر الجليدي يقل مستوى سطح البحر بشكل كبير لأنه يتم حبس المياه على اليابسة (بيكسلز)

رابعا: العصر الجليدي المتأخر الباليوزوي the Late Paleozoic ice age، والمعروف سابقا بعصر كارو الجليدي Karoo وقد عرف بهذا الاسم لتشكل الصفيحة الجليدية في منطقة كارو في جنوب أفريقيا. وقد استمر خلال الفترة ما بين 335 و260 مليون سنة مضت.

خامسا: فترة العصر الرباعي Quaternary، تمتد هذه الفترة منذ 2.6 مليون سنة وحتى الوقت الحاضر، حيث تتمركز الصفائح الجليدية حاليا في غرينلاند وأنتاركتيكا. وقد حدثت تغييرات متعددة في البيئات والمناخ ومستوى سطح البحر على وجه الأرض خلال هذه الفترة، ويعد هذا العصر الجليدي الأكثر دفئا بين العصور السابقة.

ماذا يحدث خلال العصر الجليدي؟

خلال العصر الجليدي يقل مستوى سطح البحر بشكل كبير، لأنه يتم حبس كمية كبيرة من مياه الأرض على اليابسة في الأنهار الجليدية القارية.

ووفقا لموقع “سبيس” Space، فإنه خلال الفترة الجليدية الباردة الأخيرة، التي بدأت منذ حوالي 115 ألف عام وانتهت قبل حوالي 11 ألف عام كان مستوى سطح البحر أقل بمقدار 120 مترا مما هو عليه اليوم، فقد غطت كتل جليدية هائلة مساحات شاسعة من الأرض.

وكان الكوكب أبرد بكثير مما هو عليه الآن، وكان متوسط درجة الحرارة العالمية حوالي 8 درجات مئوية وهذا أكثر برودة بمقدار 6 درجات مئوية من المتوسط السنوي العالمي اليوم. ورغم أن هذا الاختلاف لا يبدو كبيرا فإنه أدى إلى تغطية معظم أميركا الشمالية وكندا وشمال أوروبا وشمال آسيا بأكملها بصفائح جليدية.

هل عاش البشر في العصر الجليدي؟

وفقا لموقع “سبيس” (SPACE) فقد عاش أناس مثلنا في أثناء العصر الجليدي وتمكنوا من النجاة. فمنذ ظهور الجنس البشري منذ حوالي 300 ألف عام في أفريقيا؛ انتشر البشر في جميع أنحاء العالم. وخلال العصر الجليدي بقي بعض السكان في أفريقيا ولم يتعرضوا للتأثيرات الشديدة للبرد وانتقل آخرون إلى أجزاء أخرى من العالم بما في ذلك البيئات الجليدية الباردة في أوروبا.

وحول كيفية نجاة الجنس البشري خلال العصر الجليدي يعتقد البعض أن الأمر يتعلق بمدى قدرتنا على التكيف وكيفية استخدام المهارات الاجتماعية ومهارات الاتصال وتسخير الأدوات والقدرة على الانتقال من مكان إلى آخر.

هل نحن على وشك الدخول في عصر جليدي آخر؟

ذكر موقع “إيه بي سي”، أن بداية العصر الجليدي ترتبط بالتغيرات في ميل الأرض ومدارها، ومن المقرر أن تشهد الأرض عصرا جليديا آخر الآن، لكن تغير المناخ يجعل ذلك أمرا بعيد الاحتمال.

لا توجد فرصة لدخولنا العصر الجليدي الآن بسبب غازات الدفيئة التي وضعناها في الغلاف الجوي
لا توجد فرصة لدخولنا العصر الجليدي الآن بسبب غازات الدفيئة التي وضعناها في الغلاف الجوي (بيكسلز)

وبشكل أكثر تحديدا، فإنه لا توجد فرصة لدخولنا العصر الجليدي الآن، لأن غازات الدفيئة التي وضعناها في الغلاف الجوي خلال العصر الصناعي أدت إلى تدفئة الأرض. ورغم أن العلماء لا يستطيعون القول إننا منعنا العصر الجليدي التالي فإن البشر قد لعبوا دورا مهما بالتأكيد.

يقول الدكتور ستيفن فيبس، عالم المناخ في جامعة تسمانيا، لموقع “إيه بي سي”، هناك في الواقع فرضية مفادها أنه ليس فقط المجتمع الصناعي الذي تسبب في ذلك، ولكن أيضا انبعاثات غاز الميثان من حقول الأرز منذ أن بدأ البشر في ممارسة الزراعة على نطاق واسع منذ 5 آلاف عام على الأقل.

لذا من المحتمل ألا تكون انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على مدار القرنين الماضيين فقط هي التي منعتنا من الدخول في العصر الجليدي، بل أيضا انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على مدار 5 آلاف عام، والتي ساعدت على توجيهنا بعيدا عن الفترة الجليدية الباردة التالية.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.