قرار الخليفة العباسي عزل الأزجي من منصبه سبب صدمة نفسية له، فاعتزل الناس وأقام في بيته خاملا فقيرا يعيش على صدقات الناس

يعد الفقيه العراقي إسماعيل الأزجي الملقب بـ”فخر الدين” أحد المفكرين والفلاسفة، وذاع صيته بحسن المناظرة وبراعة الخطاب عندما كانت مدينة بغداد في العصر العباسي حافلة بالعلماء والمفكرين والفلاسفة والأدباء من سائر الأجناس ومن مختلف النظريات والاتجاهات والمدارس الفكرية، لكن تجربة الأزجي في السياسة وتولي أمور الرعية لم تكن كذلك، وانتهت حياته بشكل مأساوي في العاشر من أبريل/نيسان 1223.

ولد فخر الدين إسماعيل بن علي بن الحسين الشيباني الأزجي البغدادي الحنبلي في بغداد بشهر صفر سنة 549 هجريا، ونشأ وترعرع فيها، حسب الأكاديمية والباحثة في التاريخ الإسلامي الدكتورة سهام جميل جاسم.

وتضيف الأكاديمية العراقية -للجزيرة نت- أن فخر الدين الأزجي لقب بـ”غلام ابن المني” تحببا لأستاذه الذي تعلم على يديه، وعرف الأزجي بعلمه وفضله. فبرز في علم الخلاف والأصول والنظر والجدل، وتفقه على شيخه الإمام أبي الفتح نصر بن فتيان بن مطهر النهرواني المعروف بـ”ابن المني”، وأبي عبد الله المعروف بـ”ابن الرقا ابن الماشطة”، وسمع من الفقيه المقرئ لاحق بن كاره.

وتشير الدكتورة سهام إلى أنه تولى التدريس بعد شيخه في مسجده بالمأمونية، وكانت له حلقة بجامع القصر يجتمع فيها الفقهاء للمناظرة وكان يعطي الدروس في منزله ويحضر عنده الفقهاء.

سهام جميل جاسم: كان الأزجي فصيحا مناظرا متوقد الذكاء ضرب به المثل في المناظرة في عصره (الجزيرة)

الجدل والفلسفة

وتتحدث سهام جاسم عن براعة الأزجي في أصول الفقه، والشعر، إذ كان فصيحا مناظرا متوقد الذكاء ضرب به المثل في المناظرة في عصره، وكان بارعا في المذهب والأصلين والفقه والجدل ومسائل الخلاف.

كما صنف له طريقته الخاصة في المجادلة، وكان فصيحا حسن العبارة، ويتمتع بصوت رفيع وكان مقتدرا على رد الخصوم، وأخذ عنه أئمة منهم العلامة مجد الدين ابن تيمية وغيره.

ويلفت مدرس تاريخ الخلافة العباسية الدكتور سعد عبد الحليم الحيالي إلى أنه رغم التنشئة الدينية والعلمية للأزجي، فإن ولعه بعلم الكلام والجدل قد فتح أفاقا جديدة في حياته حتى مال إلى دراسة المنطق والفلسفة على يد الطبيب النصراني ابن مرقش، الذي لم يكن في زمانه أحد أعلم منه بتلك العلوم.

ويضيف الحيالي -للجزيرة نت- أن الأزجي أصبح يتردد إليه ويتعلم منه في بيعة النصارى، ومن هنا تبلورت لديه أفكار وآراء غريبة لم يحتفظ بها لنفسه بل بدأ بنشر تلك الأفكار والآراء التي تخالف عقيدة المسلمين، فصنف كتابه المشهور “نواميس الأنبياء” الذي ذكر فيه أن الأنبياء -عليهم السلام- ما هم إلا حكماء قد وهبهم الله الحكمة، كما وهب الحكمة لهرمس وأرسطوطاليس.

وينبه إلى أن الأزجي كان يعيب على رجال الحديث ويقع فيهم ويقول: “هم جهال لا يعرفون العلوم العقلية، ولا معاني الحديث الحقيقية؛ بل هم مع اللفظ الظاهر”، وهم بذلك لا يفقهون من المنطق والفلسفة التي يراها أعلى مكانة من رجال الحديث وروايته، وربما كان ذلك اتهاما له، لعلمه وفلسفته التي بلغ فيها شأنا بخلاف معاصريه.

الحيالي لفت إلى أن ولع الأزجي بعلم الكلام والجدل دفعه إلى دراسة المنطق والفلسفة (الجزيرة)

أفكار مثيرة للجدل

وقام الأزجي خلال مسيرته العلمية بتأليف العديد من المصنفات، التي اكتنف بعضها الكثير من الأفكار والآراء الفلسفية المثيرة للجدل.

ويذكر الحيالي أن من أبرز مصنفات الأزجي هي جنة الناظر وجنة المناظر، تعليقة في الخلاف، ونواميس الأنبياء، في حين تذكر الدكتورة المحمدي أن من مؤلفات الأزجي، “نور المصباح في بيان الاصطلاح” في الجدل، وكتاب “الموجز في الفرائض”، وكتاب “الإيجاز في تفسير الإعجاز” وهو تفسير القرآن، وكتاب “صحيح المنقول وصريح المعقول”، كما وله أشعار، منها:

دليلُ على حرصِ ابْن آدمَ أنّه … ترى كفَّه مَضْمُومَة عِنْد وضْعِهِ
ويبسطها عِنْد الْمَمَات إِشَارَة … إِلَى صَفْرها ممّا حَوى بعد جمعهِ
وأيضا له:
لساءني أنّ بَاقِي العُمر أيسره … وَآخر الكأس لَا يَخْلُو من الكدرِ
لَو لم يكن غير أنّ الْمَوْت ينقلنا … عَن طيب دارٍ ألفناها إِلَى الحُفَرِ
حُقّ الْبلَاء لنا قبل الْبلَاء وَأَن … نُجري المدامع من خوفٍ وَمن حذرِ
فليتنا لم تزل أرواحُنا عدماً … وَلم يكن خلقُنا فِي عَالم الصُّوَرِ

بلاط الخليفة

وعن عمله في ديوان الخلافة، يذكر الحيالي أن الأزجي اشتغل ناظرا في ديوان المطبق مدة فلم تحمد سيرته، فعزل واعتقل مدة بالديوان ثم أطلق سراحه.
ويتابع: “ثم ولاه الخليفة الناصر ضياعه الخاص، فظلم الرعية، وجمع الأموال، وكان يؤذي الناس ويفتري”، وعلى ما يبدو أنه لم يكن متمسكا بدينه، فقد تأثر بالمنطق وانحرف عن الإسلام، فعمد الخليفة إلى عزله مجددا.

وأحدث قرار عزل الأزجي من منصبه صدمة نفسية له، فاعتزل الناس وأقام في بيته خاملا فقيرا يعيش على صدقات الناس.

عبيد أكد أن كثرة إيذاء الأزجي للناس وتسلطه أغضب الخليفة من تصرفاته وقرر معاقبته (الجزيرة)

وفاته

ويبدو أن نهاية الأزجي لم تكن مثل بداياتها، إذ تمادى في المجاهرة بالفسوق وازدادت شكاوى الناس منه.
ويفيد أستاذ التاريخ العباسي، الدكتور طه خضر عبيد، بأن كثرة إيذاء الأزجي للناس وافترائه وتسلطه أغضب الخليفة من تصرفاته وقرر معاقبته. ويضيف -للجزيرة نت- أنه عند عودة الأزجي من الشام إلى بغداد قطع الخليفة الناصر لدين الله العباسي لسانه وطوّف به ونفاه إلى واسط وألقاه في مطمورة حتى مات.

ويلفت عبيد إلى أن الفقهاء والمؤرخين كابن النجار، وابن المظفر، وابن الجوزي، والحافظ الضياء، والشيخ شمس الدين، اتفقوا على أن الأزجي كان بعيدا عن المذهب الحنبلي وكان أقرب إلى الفلسفة.

بدوره، يلفت الحيالي إلى اختلاف الروايات حول وفاة الأزجي، فبالإضافة إلى رواية وفاته بالمطمورة، يذكر آخرون أنه بعد عزله لزم بيته خاملا منكسرا متحسرا على المراتب والأموال التي كان يتحصل عليها إلى أن توالت عليه الأمراض وتوفي بداره في درب الجب، ثم نقل إلى مقبرة “باب حرب” التي تعرف بـ”مقبرة الكرخ” ببغداد حيث دفن هناك.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.