بعد قرابة شهر ونصف الشهر على تشكيل الحكومة العراقية التي يترأسها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، أقرت الحكومة في جلسة استثنائية لمجلس الوزراء الأسبوع الماضي البرنامج الحكومي.

وأكد السوداني أن البرنامج الحكومي يمثل الرؤية المستقبلية للحكومة، ويترجم خطط وبرامج الوزارات التي تنوي تنفيذها للمرحلة المقبلة، لافتا إلى أنه سيتم تقييم عمل الحكومة في ضوء برنامجها الحكومي المقر، وسيشمل التقييم الوزراء والوكلاء والمحافظين والمستشارين والمديرين العامين وفق توقيتات محددة.

أهم بنوده

وعلى الرغم من أن الحكومة العراقية لم تفصل في مواد المنهاج الوزاري الذي صوتت عليه، فإن الموقع الرسمي للحكومة أوضح أن السوداني أمهل المديرين العامين مدة 3 أشهر ابتداءً من 13 ديسمبر/كانون الأول الجاري ليجري بعدها تقييم أدائهم وفق ما تم تنفيذه على أساس البرنامج الحكومي، في حين سيمنح الوزراء والوكلاء والمحافظون والمستشارون مهلة 6 أشهر ليتمَّ بعدها تقييم عملهم في ضوء التزامهم به.

كما أقر المجلس بأن تلتزم وزارة التخطيط والهيئات المستقلة والجهات غير المرتبطة بالوزارة والمحافظات غير المنتظمة بإقليم بتنفيذ المشاريع والبرنامج وفقا لأولويات الحكومة الواردة في المنهاج الوزاري النافذ وبحسب الاختصاص، كما تلتزم وزارة التخطيط ووزارة المالية وبقية الوزارات بتوفير التخصيص والتمويل لتنفيذ متطلبات البرنامج الحكومي وللموازنتين التشغيلية والاستثمارية.

وأضاف الموقع الرسمي للحكومة أن مجلس الوزراء أقر التطبيق الفوري للبرنامج فيما يتعلق بالإجراءات التنفيذية التي لا تحتاج تخصيصا ماليا، في حين بين أن تلك التي تحتاج لتخصيص مالي سيتم احتساب توقيت البدء بها من تاريخ صدور قانون الموازنة العامة الاتحادية لعام 2023.

سبق أن صوت البرلمان العراقي على المنهاج الوزاري لحكومة السوداني يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي (وكالة الأنباء العراقية)

سبق إقراره

وكان مجلس النواب العراقي قد أقر يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي المنهاج الوزاري لحكومة السوداني قبيل تسلمه مهامه، وتضمن ورقة عمل تتكون من محورين، الأول تنفيذي والثاني يتعلق بالتشريعات، حيث ضم المحور التنفيذي عدة خطوات تضمنت إعادة النظر في جميع قرارات حكومة تصريف الأعمال اليومية، وصرف مستحقات البترودولار للمحافظات المنتجة للنفط والغاز بنسبة 5%.

كما أقر توحيد السياسة الجمركية في جميع المنافذ الحدودية وغلق المنافذ غير الرسمية، مع التأكيد على إجراء انتخابات مجالس المحافظات وبناء أدوات فعالة لمحاربة الفساد خلال مدة أقصاها 90 يوما من تاريخ تشكيل الحكومة، فضلا عن إعادة النازحين إلى مناطق سكناهم خلال 6 أشهر من تاريخ تشكيل الحكومة، مع إلغاء العمل بالتصريح الأمني للمواطنين في المناطق المحررة المستعادة من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، والعمل على الكشف عن مصير المفقودين وإطلاق حملة وطنية لمكافحة المخدرات.

أما المحور التشريعي فتضمن تشريع قانون المحكمة الاتحادية خلال 6 أشهر، وتعديل قانون الانتخابات النيابية خلال 3 أشهر، وإجراء انتخابات مبكرة خلال عام، إضافة لتشريع قانون مجلس الأمن الوطني واعتماده مرجعا للقرارات الإستراتيجية.

يرى غيث التميمي أن التصويت على المنهاج الوزاري محاولة لرص صفوف تحالف إدارة الدولة (الجزيرة)

خلافات سياسية

من جهته يرى الخبير السياسي ورئيس مشروع “مواطنة” غيث التميمي أنه من الغريب أن يصوت مجلس الوزراء على المنهاج الوزاري، إذ إنه من المفترض أن حكومة السوداني شكّلت على أساسه بعد أن أقره مجلس النواب في جلسة منح الثقة لحكومة السوداني.

وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح التميمي أن ما حصل ينم عن وجود انقسامات بين الكتل السياسية، وأن هناك محاولة من رئيس الوزراء للاحتماء بالتصويت الوزاري حتى يتحمل الجميع مسؤولية تنفيذه، لاسيما في ظل وجود أزمة بتنفيذ بعض فقرات المنهاج الوزاري.

وأضاف “بعض فقرات المنهاج الوزاري أقرب للأحلام من الواقع، لاسيما مع طبيعة تشكيل الحكومة التي تتناقض مع بعض فقرات المنهاج، إضافة إلى العديد من المعوقات التي تحول دون تطبيق فقراته لاسيما تلك التي تتعلق ببنية كتلة الإطار التنسيقي”.

ويعد السوداني مكبلا بتوافقات سياسية يفرضها الكبار، وفق ما يؤكده الباحث السياسي رعد هاشم الذي أضاف “نحن أمام دوامة في عقدة التوافقات السياسية التي لا تتطابق من حيث المصالح والرؤى مع أهداف السوداني، وبالتالي سنشاهد عرقلة تنفيذ البرنامج، هناك عقبات تضعها الأحزاب وفق مصالحها، وستعمد العديد من الأطراف لتعطيل كل ما لا يصب بصالحها”.

وفي حديثه للجزيرة نت، تابع هاشم أنه لا يراد للسوداني أن ينفذ جميع ما وعد به، لاسيما من قبل بعض الأطراف السياسية ضمن التحالف الداعم له، وأن كثيرا من الإصلاحات التي وعد بها ستعرض هذه الأطراف لخسائر كبيرة من حيث النفوذ والموارد الاقتصادية وغيرها، معتقدا أن حكومة السوداني لا تقوى على تنفيذ 25% مما وعدت به حتى لو استمرت الحكومة أكثر من عام، بحسبه.

عدنان السراج يؤكد أن آليات وفقرات المنهاج الوزاري تجعله قابلا للتطبيق (مواقع التواصل الاجتماعي)

فرص النجاح

من جانبه، يقول الخبير في الشأن السياسي نبيل جبار التميمي -في حديثه للجزيرة نت- “إن ما تم طرحه في المنهاج الوزاري لحكومة السوداني ممكن التنفيذ وليس مستحيلا، وإن لم تحدد مدة إنجازه بفترة معينة، إلا إذا افترضنا أن الحكومة تنوي إكمال ما تبقى من عمرها قبيل الانتخابات التشريعية بمعنى 3 سنوات كاملة”.

ويذهب في هذا المنحى رئيس المركز العراقي للتنمية الإعلامية عدنان السراج الذي أوضح أن المنهاج الوزاري وضع الأولويات الخمسة لحكومة السوداني المتعلقة بالصحة والتربية والطرق والجسور والإسكان والفساد.

وفي تصريح للجزيرة نت، يضيف السراج أن المنهاج أوضح مسؤوليات كل وزارة والأهداف بحسب ما هو متفق عليه، حيث تم تشكيل 13 فريقا فنيا من مستشاري رئيس الوزراء بعد أن قدمت الدراسات والتعديلات الخاصة بالمنهاج الوزاري، بما يجعل المنهاج قابلا للتطبيق.

وتابع السراج -المقرب من الإطار التنسيقي- أن المنهاج سينفذ خلال 3 سنوات، وأن كم الخدمات التي تضمنها البرنامج كان واضحا وفق التوقيتات التي أقرت، لافتا إلى أن محاربة الفساد كانت ضمن البرنامج، وأن أي نوع من الفساد سيشهد مواجهة فورية من رئيس مجلس الوزراء.

رعد هاشم. - للاستخدام الداخلي فقط
رعد هاشم: السوداني مكبل ومقيد بتوافقات سياسية يفرضها الكبار (مواقع التواصل الاجتماعي)

عراقيل عديدة

لا يبدو الطريق سالكا أمام السوداني لتنفيذ برنامجه الحكومي، وهو ما يؤكده الباحث السياسي الكردي عماد باجلان، حيث يعتقد أن الأحزاب السياسية لن تعطي المجال لحكومة السوداني للمضي بتنفيذه، خاصة أن هناك العديد من الإشكاليات في محافظات الوسط والجنوب بالعراق، ومحاولات استبدال المحافظين.

وتابع، في حديثه للجزيرة نت، أن هناك العديد من التساؤلات عن إمكانية تطبيق السوداني للمادة 140 من الدستور، وتفعيل المواد الفدرالية في الدستور، مشيرا إلى أن الضغوط السياسية والفساد سيقفان عائقا أمام تنفيذه، وأن مدة 90 يوما القادمة ستكشف مدى إمكانية تنفيذه من عدمه.

واختتم باجلان حديثه بأن “الخلافات داخل الإطار التنسيقي ستعيق تنفيذ الكثير من المنهاج الوزاري”، وأن “حكومة السوداني قد تلاقي المشكلات نفسها التي واجهتها حكومة رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي”.

ويتسق كلام باجلان مع طرح رعد هاشم، الذي أضاف أن المشكلات والتقاطعات بين الأحزاب السياسية المشكلة للإطار التنسيقي لا تزال قائمة، وبالتالي كيف سيمكن لهذه الأطراف تنفيذ تعهداتها للسنة والأكراد، مبديا تشاؤمه من إمكانية قدرة حكومة السوداني على إقرار قوانين عديدة مثل النفط والغاز وإعادة النازحين وهيئة المساءلة والعدالة والانتخابات.

ليس هذا فحسب، إذ يرى أن جميع رؤساء الحكومات العراقية السابقين خرجوا بما وصفها بـ”نسخ” مشابهة لما أقرته حكومة السوداني، وبالتالي انتهت الفترة الزمنية لهذه الحكومات دون تطبيق عشر ما وعدت به من برنامجها، مشيرا إلى أن السوداني سبق أن أقر بوجود تحديات لتطبيق منهاجه فيما يتعلق بمحاربة الفساد وتحسين الاقتصاد وإعادة النازحين، وفق تعبيره.

من جهته، يرى نبيل التميمي أن ما يمكن أن يعيق برنامج حكومة السوداني يرتبط بالتخصيصات المالية والموازنات العمومية للبلاد، فضلا عن الإصلاحات التي ترتبط بمؤسسات أخرى، خاصة ما يرتبط بتشريع القوانيين أو تعديلها التي تتطلب اتفاقا سياسيا.

عماد باجلان القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني
عماد باجلان يرى أن الخلافات داخل الإطار التنسيقي ستعيق تنفيذ المنهاج الوزاري (الجزيرة)

الحفاظ على التحالف

أما غيث التميمي فيعتقد أن الشركاء الآخرين في الحكومة سيواجهون مشكلات أخرى، من ضمنها كيفية تطبيق المادة 140 من الدستور للمناطق المتنازع عليها، وكيفية تشريع قانون الانتخابات ومجلس الاتحاد وغيرهما، مستدركا بوجود تحديات تؤكد أن المنهاج الوزاري يناقض نفسه.

وتابع أن الحكومة متعثرة في تنفيذه، وأن التصويت عليه لا يعدو ما وصفها بـ”محاولة رص الصفوف” لتحالف إدارة الدولة بعد تصريحات رئيس البرلمان محمد الحلبوسي حول المغيبين، مختتما حديثه بالقول إن المشهد لا يدعو للتفاؤل ولا يشجع على شيء.

ولا يتفق السراج مع غيث التميمي في طرحه، إذ يرى أن البرنامج قد يواجه بعض الإخفاقات لكنها لن تقارن بالنجاحات التي سيحققها، مضيفا أن أهم المعوقات تتعلق بالترهل الوظيفي ومحاربة الفساد وفق سقف زمني محدد، فضلا عن طبيعة المواجهة التي سيطبقها رئيس الوزراء بحق المقصرين، مختتما بالإشارة لوجود بعض الجهات التي لا تريد للسوداني النجاح.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.