القاهرة- بعيدا عن ملاعب الأندية الكبيرة، يحاول آدم ذو السبعة أعوام تعلم أساسيات لعبة كرة القدم على أمل أن يصل إلى النجومية يوما، بعدما عجز أبوه عن ضمه لأحد الأندية الكبيرة في مصر، بسبب قلة الحيلة وضيق ذات اليد.

هذا الطفل ليس وحده الذي لم يعد له باب لممارسة اللعبة غير تلك الساحات الصغيرة الموجودة في شوارع وأزقة بعض المناطق الشعبية المصرية، كثيرون فقدوا الأمل في الانضمام إلى الأندية الكبيرة أو المتوسطة، بسبب ما يقولون إنها سيطرة المحسوبية.

بعد بزوغ نجم اللاعب المصري محمد صلاح ووصوله إلى العالمية ودخوله ساحة المنافسة على لقب أفضل لاعبي العالم أكثر من مرة، أصبح حلم اللعبة يراود كثيرا من الأشبال وعائلاتهم، كما يقولون، لكنهم يواجهون نفس المشكلات التي واجهها صلاح في بداياته.

صلاح خلال بداياته الكروية في نادي المقاولون العرب المصري (الصحافة المصرية)

الساحات الشعبية.. الطريق الوحيد المتاح

يقول والد آدم للجزيرة نت إنه يجري له تدريبين أسبوعيا في إحدى الساحات الشعبية بمحافظة الجيزة مقابل اشتراك شهري لا يتعدى 300 جنيه (10 دولارات) لأنه لا يمكنه الاشتراك في الأندية الكبيرة التي تحتاج نحو 300 ألف جنيه على الأقل كمقدمة ونحو 30 ألفا للتجديد سنويا، والأمر نفسه بالنسبة للأكاديميات الكبرى التي تطلب الكثير من المال.

اللجوء إلى الساحات الشعبية ليس خيارا، كما يقول والد آدم، لكنه الباب الوحيد المتاح للإبقاء على أمله في أن يصبح نجله لاعبا كبيرا.

ويضيف “أتمنى أن يلعب آدم في نادي الزمالك ومنه إلى ريال مدريد الإسباني، كونه متعلقا بهذين الناديين” مؤكدا أن التمارين الأساسية التي يحصل عليها الأشبال في الساحات “لا تختلف كثيرا عن تلك التي يحصلون عليها في الأندية الكبرى، مع فوارق الفرص والإمكانات طبعا”.

الطفل آدم (الجزيرة)
آدم يشجع “الملكي” المصري (الزمالك) ويحلم بالاحتراف في “الملكي” الإسباني (ريال مدريد) (الجزيرة)

أما خالد، فيقول للجزيرة نت إنه لجأ لتدريب ابنه أسامة (14 عاما) في مركز شباب بولاق بمدينة الجيزة، بعدما فشلت كل محاولات ضمه إلى فرق الأشبال في الأندية الكبيرة.

وأضاف أنه بدأ مشوار كرة القدم مع ابنه منذ كان في السادسة من عمره عندما لمح فيه موهبة كبيرة وواضحة، لكنه لم يتمكن من ضمه لأشبال نادي الزمالك على مدار 4 سنوات بسبب المحسوبية.

ووفقا لخالد، فقد تجاوز ابنه الاختبارات الأربعة في المرة الوحيدة التي تمكن من إجراء الاختبارات فيها، لكن المسؤول عن اختبارات الناشئين بنادي الزمالك طالبه بالعودة العام المقبل، أي أنه عاد لنقطة الصفر.

ويضيف “حاولت إيصاله إلى النادي الأهلي والمقاصة وطامية في مدينة الفيوم، لكنهم جميعا لا يختبرون إلا معارفهم أو من له معرفة داخل النادي أو أي طريقة توصله للاختبار. سنويا يختبرون كل الموجودين إلا ابني لأنني لم أعرف من يساعدني”.

وختم بالقول “لا بد من فتح الباب أمام هؤلاء الأشبال الذين يملكون الموهبة ويرغبون في النجاح بدلا من أن يتجهوا إلى طرق غير صحيحة”.

الوساطات تتحكم في الفرص

هناك آلاف الملاعب والساحات الخاصة المنتشرة في أنحاء مصر وكلها تدار بجهود فردية وبها مدربون غير مشهورين، ويتوافد إليها العديد من الأشبال بسبب انخفاض تكاليفها. لكن قلة قليلة جدا التي تتمكن من الوصول إلى أحد الأندية الكبيرة عبر هذه الساحات، كما يقول أحد مسوقي الأشبال للجزيرة نت، مؤكدا أن الواسطة تتحكم في غالبية الفرص.

يضيف مسوق اللاعبين “الالتحاق بالأندية يخضع في مجمله لأمور ليس من بينها المهارة أو الجدارة، وإن كانت بعض الأندية تختار الأشبال بناء على القواعد السليمة مثل النادي الأهلي مثلا الذي يمنح فرصا أكبر من غيره لمن لا يملكون واسطة، ونادي إنبي، ومع ذلك فهما ليسا استثناءً لكنهما الأكثر قبولا للمواهب فعلا”.

ويتابع “الأندية الاستثمارية أيضا مثل إنبي لا تغلب عليها الواسطة أو الطرق الأخرى التي يعرفها الجميع في اختيار الأشبال، إلا في حالات قليلة جدا، وهي تمنح الشبل كافة مستحقاته بمجرد اختياره للانضمام”.

بعض الأندية تشترط الحصول على 300 ألف جنيه لقبول اللاعب الناشئ
بعض الأندية تشترط الحصول على 300 ألف جنيه لقبول اللاعب الناشئ (الجزيرة)

الفرص صعبة لكنها ممكنة

يقول مسوق اللاعبين إن مراكز الشباب أو الساحات الشعبية سواء في المدن أو الأرياف تقوم بتدريب مجموعة من الأشبال لعرضهم على الأندية مواسم الاختبارات التي تكون في يوليو/تموز من كل عام غالبا، أو كل 6 أشهر في بعض الأندية الكبيرة.

ولكن الهدف الأساسي من هذه الاختبارات -بحسب المتحدث- جمع مقابل استمارة الاختبار الذي يتراوح بين 50 و100 جنيه لكل شبل (الدولار يساوي 30 جنيها) بينما آليات الاختيار تخضع لما يقرره مدير الناشئين أو المسؤول عن الاختبارات، بناء على أمور ليست من بينها الموهبة غالبا، وهذا معروف لمن يعملون بهذه السوق.

ويتابع “النادي يقوم ببيع آلاف الاستمارات، وعندما يجد موهبة لافتة يبدأ المسؤولون (المدرب أو مدير القطاع غالبا) بوضع بعض العراقيل أمام ضمه فإذا تمكنت الأسرة من التفاوض مع طرف ثالث غالبا، يتم ضم ابنها.

على الرغم من ذلك، فإن أندية أخرى لا تسلك هذا المسلك إطلاقا وتقوم بالاختيار بناء على الأداء، لكنها قليلة جدا -كما يقول المتحدث- الذي أكد أن واحدا من أشهر أندية مصر لا يقبل شبلا دون مقابل مهما كانت موهبته، ومن يحصلون على هذا المقابل شخصان معروفان بالاسم، لكن لا أحد يمكنه إثبات ذلك، فضلا عن أن الناس تخشى الدخول في مشاكل مع هذا النادي تحديدا، على حد قوله.

ويعاني معظم الأشبال من نقص الإمكانات -كما يقول مسوق اللاعبين- الذي أكد أنه شخصيا يبحث عن المواهب في القرى والمناطق الفقيرة في مختلف المحافظات، ويحاول من خلال علاقاته عرضهم على مدربين في أندية لتجربتهم.

ويضيف “هذه المسألة صعبة لكنها تعتمد على ثقة المدرب في المسوّق ومعرفته بنوعية الأشبال التي يختارها، وهؤلاء المدربون لا يحصلون على أي مقابل لكنهم يشترطون إخضاع الموهبة لفترة معايشة قبل اتخاذ القرار”.

ويتابع “نجحت في إيصال عدد معقول إلى توقيع عقد بعيدا عن موسم الاختبارات، وحصلت على أتعابي بالتراضي بعد التوقيع لأنني من البداية أرهن الأتعاب بالتوقيع، لكنني لا أنكر أنني اعتمدت على الهدايا في الكثير من التعاقدات.. هذه هي الحقيقة وهذا هو الواقع”.

إلى جانب ذلك، يضيف مسوق اللاعبين، فإن بعض المدربين يحصلون على هدية ويضمون شابا لا يملك موهبة ثم يجلسونه على دكة الاحتياط شهرين أو ثلاثة ثم يشطبونه بحجة تراجع مستواه رغم أنه لم يحصل على فرصة اللعب أساسا.

ويشير إلى أنه يتلقى اتصالات من مسوقين في أندية بالدوري الممتاز، لكي يقوم بتدريبهم وتجهيزهم دون استغلال فقرهم، مضيفا “هؤلاء المسوقون يحاولون إيجاد فرص من خلالي أنا وغيري من المسوقين، لمن يجدون فيه موهبة لكنه لم ينجح في الانضمام لأنديتهم بسبب وجود من هو أفضل منه”.

ويختم بقوله “أنا أتحمل تكلفة تجهيزهم وعرضهم مقابل الحصول على أتعاب في حال التوقيع مع أحد الأندية، أما من لديه قدرة على الدفع فأنا اتفق معه على المقابل منذ البداية وأحصل على جزء منه مقدما مقابل تسويقه”.


المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.