“في مدريد، الفوز واجب، ليس غرضا أو هدفا، ولكنه التزام. عندما كنا نفوز، لم أشعر بالبهجة أو السعادة، بل شعرت بالراحة”. (1)

(رامون كالديرون، رئيس ريال مدريد بين عامَيْ 2006-2009)

في وقت الخسارة، يستسلم المشجع رغما عنه للحزن والانتقادات، أما في وقت الفوز، فلا صوت يعلو فوق صوت الاحتفال. وبعد حيرة طويلة، لم نجد أفضل من كلمات رئيس ريال مدريد السابق كي نضعها أمام جماهير الميرينغي حتى لا يصفوننا بمُفسدي الحفلات.

نعم، فاز النادي الملكي بالليغا ودوري الأبطال بمساعدة مَن تبقى من الجيل الذهبي، لكن حقيقة أن هؤلاء العظماء يعيشون آخر فتراتهم لا يمكن تغييرها. ولأن مشجع ريال مدريد يعتنق الفوز كعقيدة وليس هدفا، بات لزاما عليه أن يوقف احتفالاته وينظر إلى المستقبل، لأن رحلة الإحلال والتجديد قد وصلت إلى آخر فصولها.

كلاكيت أول مرة

بدأت الرحلة مع نهاية موسم 2017-2018، عندما أنهى ريال مدريد الموسم فائزا بلقبه الثالث عشر بدوري أبطال أوروبا، والثالث على التوالي. وفي خضم لحظات الاحتفال، أتت الأخبار الصادمة برحيل نجم وهداف الفريق، كريستيانو رونالدو، ومدربه زين الدين زيدان، ليجد النادي والجماهير أنفسهم أمام مرحلة إحلال وتجديد إجبارية ومفاجئة. (2)

قرَّرت إدارة ريال مدريد عدم إبرام صفقات هجومية ضخمة لحمل اللواء من النجم البرتغالي الراحل، حيث اكتفت بضم المراهق “فينيسيوس جونيور” من البرازيل، وإعادة “ماريانو دياز” من ليون ومنحه الرقم (7)، على أمل أن يحصل جاريث بيل على مساحة أكبر، بجانب بنزيما وإيسكو وأسينسيو. أما على صعيد المدرب، فاتجهت الإدارة إلى مدرب منتخب إسبانيا “جولين لوبيتيغي”، الذي فقد منصبه بالمنتخب عقب إعلان تعاقده مع ريال مدريد، قبل أيام من بداية كأس العالم 2018، في مشهد فوضوي نادر. (3)

بالنظر إلى مسيرة “لوبيتيغي” بين فريق الكاستايا ومنتخبات إسبانيا تحت 19 و20 و21 عاما، فإن اختياره كان بهدف زيادة الاعتماد على المواهب الشابة في ريال مدريد، التي كانت تضم في ذلك الوقت كلًّا من: مارتن أوديغارد، وثيو هيرنانديز، ولونين (حارس مرمى)، وماركو أسينسيو، وفيديريكو فالفيردي، وماركوس لورينتي، وداني سيبايوس، وكوفاسيتش، وأودريوزولا، وفاييخو، ورودريغو، وفينيسيوس جونيور، بالإضافة إلى كوبو الملقَّب بميسي اليابان، وفي شتاء 2018-2019 انضم إليهم “إبراهيم دياز” من مانشستر سيتي. (4) (5)

وفقا لتقرير صحيفة “AS” الإسبانية، كان ريال مدريد قد أنفق قرابة 217 مليون يورو لقنص هؤلاء الشباب، فيما يبدو وكأنه تحوُّل جذري في فكر الرئيس “فلورينتينو بيريز” الذي اشتهر بالغلاكتيكوس. ما ظهر على أنه تحوُّل مُخطَّط له، انتهى بنهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول 2018، حين رحل “لوبيتيغي” وتولَّى “سنتياجو سولاري” مهمة القيادة الفنية. (6)

“برشلونة لديه خطة وفكرة، لكن هذا لا يحدث هنا في ريال مدريد. ننتقل من مدرب إلى آخر دون أي معايير، دون التخطيط لأي شيء”. (7)

(رامون كالديرون، الرئيس السابق لريال مدريد)

المحاولة الثانية

لم يصمد “سولاري” طويلا بعد أن قاد ريال مدريد إلى خروج مُذل من دوري أبطال أوروبا على يد فريق أياكس الشاب، ليقرر “بيريز” العودة من حيث أتى والاستعانة مرة أخرى بزين الدين زيدان. كان واضحا أن ريال مدريد لا يستطيع تحمل تكلفة منح المواهب الصغيرة فرصة للتطور، ولم يكن هنالك أي خطة من البداية لجعل الأمر تدريجيا.

“الثمن الذي عليك دفعه لتعليم اللاعبين الصغار هو خسارة النقاط. كنت أدرك أن إشراك مدافع يبلغ من العمر 20 عاما سيكلفني خسارة النقاط، وكان عليّ تقبُّل الأمر. أما إن قمت بإشراك مدافع يبلغ 28 عاما، ربما أقل موهبة، فلن يكلفني نقاطا كسابقه، لكنني هكذا لن أكون قد منحت اللاعب الصغير فرصة”. (8)

(أرسين فينغر، مدرب أرسنال الأسطوري)

لم يستخدم “زيدان” عصاه السحرية منذ البداية، واكتفى فيما تبقى من الموسم بمعدل 1.7 نقطة للمباراة الواحدة في 11 مباراة بالدوري، بينما كان معدل ولايته الأولى 2.3 نقطة للمباراة الواحدة. أنهى الميرينغي الليغا في المركز الثالث، واستغل المدرب تلك الفترة للوقوف على حالة الفريق واللاعبين، استعدادا لبدء محاولة الإحلال الثانية. وقد اتفقت معظم التقارير الصحفية في ذلك الوقت على أن “زيزو” قد تمكَّن من فرض شروطه على “الرئيس”، وسيتحكَّم بسوق الانتقالات كيفما يشاء. (9)

“ما يؤلم في الأمر أن هؤلاء اللاعبين قد حققوا أشياء عظيمة في آخر خمس سنوات، والآن حان وقت التغيير. نَعِد الجماهير بأننا سنعود بطموح كبير، وأن نُقدِّم موسما جيدا”. (10)

(مدرب ريال مدريد “زين الدين زيدان” عقب انتهاء موسم 2018-2019)

ضغط المدرب الفرنسي لجلب أسماء جاهزة، كي ينهض ريال مدريد سريعا، وارتبط الفريق بعدة أسماء كبيرة مثل “إدين هازارد” و”نيمار” و”بول بوجبا”، فيما يبدو وكأن زيدان سيسير في اتجاه مخالف للاتجاه الذي كان يرغب به الرئيس عبر المواهب الشابة. في الأخير، كان حصاد الانتقالات متوازنا بين هذا وذاك، حيث ضم ريال مدريد “هازارد”، بجانب الثلاثي الشاب: “لوكا يوفيتش” (مهاجم آينتراخت فرانكفورت)، و”إيدير ميليتاو” (قلب دفاع بورتو)، و”فيرلان ميندي” (ظهير ليون الأيسر). (11)

هل تتذكر حديث زيدان عن التغيير؟ تناساه المدرب الفرنسي تماما، وظل متمسكا بالحرس القديم لآخر لحظة، وتمكَّن معهم من إنهاء موسم 2019-2020 بالتتويج بلقب الليغا على حساب برشلونة، بفارق 5 نقاط فقط، لتؤجَّل عملية الإحلال والتجديد حتى إشعار آخر.

كلاكيت ثالث مرة

نسينا أن نخبرك أن صيف 2019 قد شهد هجرة جماعية لعدد من اللاعبين الشباب الذين ذكرناهم سلفا في المحاولة الأولى للإحلال والتجديد، حيث غادر أوديغارد وسيرخيو ريغيلون وكوفاسيتش وماركوس لورينتي وثيو هيرنانديز وأدرويزولا وكوبو -ما بين البيع أو الإعارة التي تحولت إلى بيع فيما بعد- وقد سبقهم أشرف حكيمي في الصيف الذي سبقه. (12)

حاول زيدان الصمود رفقة حرسه القديم، مع الاستعانة بخدمات فالفيردي وميندي وميليتاو بدرجات متفاوتة، لكن النهاية المخيبة لموسم 2020-2021 أجبرت زيدان على الرحيل، وأجبرت ريال مدريد على الدخول في محاولة ثالثة للإحلال والتجديد، وقد وقع الاختيار على الخبير “كارلو أنشيلوتي” لقيادة المرحلة.

نتيجة لولاية زيدان الثانية، فقد الميرينغي معظم مواهبه التي حاول الرهان عليها. وفي ظل القيود المالية، بسبب اللعب المالي النظيف وعملية تجديد ملعب سانتياغو برنابيو، كان الحل الآمن بالتعويل على مدرب خبير يجيد تسيير الأعمال، ويستطيع مساعدة مَن تبقى من الصغار، وتجديد حوافز مَن تبقى من الجيل الذهبي.

“بالتأكيد كان أنشيلوتي محظوظا لأنه ورث مجموعة من كبار اللاعبين الدوليين الذين يعرفون بالفعل أدوارهم ومسؤولياتهم. لكن من أكثر الأشياء التي فاجأت أنشيلوتي عندما عاد إلى البرنابيو في فترته الثانية الصيف الماضي -بعد أن دربهم سابقا في الفترة من 2013-2015- كان مدى ضعف لاعبين مثل كروس ومارسيلو وكاسيميرو ولوكا مودريتش، ومدى ضآلة جوعهم”. (13)

(جوناثان ليو، الكاتب الصحفي بالغارديان)

كان أنشيلوتي محظوظا برحيل ثنائي الدفاع سيرخيو راموس ورافائيل فاران في صيف 2021، لتبدأ عملية الإحلال الثالثة والأخيرة بالإكراه. فيما اكتفى الميرينغي بخطف الخبير “دافيد ألابا” في صفقة انتقال حر، وضم لاعب الوسط الفرنسي الموهوب “كامافينغا”، ليبدأ المدرب الإيطالي في العمل بهدوء ودون توقعات، ليُحقِّق المفاجأة بالفوز بالدوري ودوري الأبطال، ويمنح ريال مدريد المزيد من الهدوء لإتمام عملية الإحلال.

الرتوش الأخيرة

في موسم 2021-2022، ظهر ريال مدريد بحُلّة جديدة في خط دفاعه، بعد الاعتماد على ثنائية ميليتاو وألابا -بجانب تثبيت ميندي لأقدامه- وبقي خط وسطه كما هو بالاعتماد على الثلاثي كروس ومودريتش وكاسيميرو. أما في الهجوم، فكانت المفاجأة بتحوُّل بنزيما إلى ميسي، وانفجار فينيسيوس وتطور رودريغو، ليجد النادي الملكي نفسه قد نجح بتجديد خطين من الثلاثة.

بالنسبة إلى خط الوسط، تمت أولى خطوات عملية إعداد “كامافينغا” بنجاح، إذ كان أنشيلوتي صبورا في الدفع به، فاحتاج إلى شهر ليحصل على أول مشاركة في الفريق، ليصل مجموع مشاركاته في موسم 2021-2022 إلى 40 مباراة (جاء بديلا في 24 منها). لا ينسى جمهور النادي الملكي مشاركته بديلا في مباريات العودة أمام باريس سان جيرمان وتشيلسي ومانشستر سيتي، مُظهِرا جودة وسرعة لافتتين (حيث لعب 125 دقيقة، سجَّل خلالها ريال مدريد ثمانية أهداف، وتلقى هدفا وحيدا). (14)

من المتوقع أن يحصل الموهوب الفرنسي على المزيد من الوقت في الموسم التالي، تجهيزا لاستلام الراية من كروس أو مودريتش. أما كاسيميرو، فعلى الأغلب سيكون ضحية لصفقة ريال مدريد الجديدة “أورلين تشواميني”، الذي انضم في صيف 2022.

كان “تشواميني” أكثر لاعبي الدوري الفرنسي قطعا للكرة، في موسم 2021-2022، مُظهِرا جودة دفاعية لافتة، صاحبها جودة مقبولة بالكرة، وتمرير الكرات للأمام. يقول “روبرت مورينو”، مدربه السابق في موناكو، إن “أورلين” كانت لديه فرصة رائعة للتعلم من الخبير “سيسك فابريجاس”، مما ساعده على تحسين قدراته الإدراكية وبالتبعية قدرته على اتخاذ القرارات. (15)

سيتبع “أنشيلوتي” سياسة الصبر مع “تشواميني” كما فعل مع “كامافينغا”، لكن بما أنه يستهدف كاسيميرو وليس كروس ومودريتش، فمن المتوقع أن تقصر مدة الصبر، خاصة في ظل توقع زيادة الاستقرار بعد دعم الخط الخلفي بقلب دفاع تشيلسي، الدولي الألماني “أنطونيو روديجر”.

يبلغ “روديجر” من العمر 29 عاما، ومن المتوقع أن يضيف إلى خط دفاع ريال مدريد الكثير، إذ تصدَّر مدافع روما الأسبق قائمة الأكثر مشاركة في الدوريات الخمسة الكبرى بموسم 2021-2022، بواقع 5,645 دقيقة مع تشيلسي ومنتخب المانشافت. كما يمتلك مزايا أخرى مثل: الروح القتالية، والحِدَّة في رقابة الرجل لرجل والخروج لتغطية الظهير، بالإضافة إلى التمريرات الطولية. (16)

ربما كان سيبدو السوق مثاليا لو تحرك الميرينغي لجلب جناح أيمن، لكن يبدو الأمر متوقفا على موقف “ماركو أسينسيو”. في النهاية، تظهر الصورة الكاملة أفضل مما كانت عليه منذ عامين، إذ نجح ريال مدريد -ولو جزئيا- في تجاوز الارتباك الناتج عن فشل مخطط المواهب الشابة، ومنح نفسه المزيد من الهدوء لاستكمال الرتوش الأخيرة بعملية استبدال أحد أعظم أجيال الفريق في تاريخه.

________________________________________________

المصادر:

  1. تصريح رامون كالديرون من مقال The Athletic
  2. الرحيل الأول لزيدان عن ريال مدريد
  3. رحيل “لوبيتيغي” عن تدريب إسبانيا
  4. مسيرة “لوبيتيغي” التدريبية
  5. تقرير “AS” عن إنفاق “بيريز” لجلب المواهب الشابة
  6. تعيين “سولاري” مديرا فنيا لريال مدريد
  7. تصريح كالديرون عن عدم وجود خطة في ريال مدريد
  8. حديث “فينغر” عن منح الفرصة للاعبين الصغار
  9. معدل نقاط زيدان في بداية ولايته الثانية
  10. تصريحات زيدان في بداية ولايته الثانية عن التغيير
  11. ميركاتو ريال مدريد في صيف 2019
  12. الراحلون عن ريال مدريد في صيف 2019
  13. مقال جوناثان ليو عن أنشيلوتي – صحيفة الغارديان
  14. أرقام “كامافينغا” مع ريال مدريد
  15. حديث المدرب “روبرت مورينو” عن “تشواميني”
  16.  تقرير “ماركا” عن عدد دقائق مشاركات “روديجر”


المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.