القدس المحتلة– حذرت الفعاليات الحقوقية والسياسية في الداخل الفلسطيني من تداعيات قرار المحكمة العليا الإسرائيلية الذي يسمح بسحب الجنسية ممن تتم إدانتهم بـ”الإرهاب، أو المساس بأمن الدولة وعدم الولاء، أو التجسس”، وإسقاطات القرار على الحقوق المدنية والوطنية والقومية للفلسطينيين.

وأجمع حقوقيون وسياسيون على أن قرار المحكمة العليا يعكس سياسة المؤسسة الإسرائيلية بمساومة فلسطينيي 48 على حقوقهم وهويتهم وانتمائهم الوطني والقومي، وتوريعهم من أجل سلخهم عن الشعب الفلسطيني، ويمهد لتكريس سياسة منع لم الشمل للفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر.

وأتى قرار المحكمة العليا في سياق الاستئناف الذي تقدم به مركز عدالة وجمعية حقوق المواطن على ملفين: سحب جنسية المواطن علاء زيود (من بلدة أم الفحم) بزعم “الإخلال بالولاء للدولة” بعد إدانته بتنفيذ عملية طعن في بلدة “غان شموئيل” عام 2015، وسحب المواطنة من محمد مفارجة (من مدينة الطيبة) إثر إدانته بتنفيذ عملية في حافلة بتل أبيب أثناء العدوان على غزة عام 2012.

وفي سياق القرار ألغت المحكمة العليا قراريْ حكم للمحكمة المركزية الإسرائيلية بشأن سحب مواطنة زيود ومفارجة، وذلك بسبب وجود خلل جوهري في تقديم طلبي سحب المواطنة منهما، إذ “قدم الطلبان إلى محكمة الشؤون الإدارية رغم أنه كان بالإمكان تقديمهما في إطار الإجراءات الجنائية ضدهما”، بحسب قرار قضاة المحكمة العليا.

ورغم قبول الاستئناف وإلغاء قرار سحب مواطنة زيود ومفارجة فإن قرار المحكمة العليا -الذي يجيز سحب المواطنة الإسرائيلية ممن تتم إدانتهم بـ”المس بأمن الدولة وعدم الولاء”- يفتح أبواب وزارة الداخلية الإسرائيلية على مصراعيها لسحب المواطنة، وكذلك لمنع لم شمل الفلسطينيين.

شعارات ترافق الحملة الشعبية ضد “قانون المواطنة” تفضح عنصرية إسرائيل وقوانينها (الجزيرة)

انتقامي وانتقائي

وتعليقا على قرار المحكمة العليا أكد مركز عدالة وجمعية حقوق المواطن في بيان تلقت الجزيرة نت نسخة منه أن القانون الذي اعتمدته المحكمة في قرارها عام وضبابي ويتيح المجال لتطبيق تعسفي وانتقائي موجه فقط ضد المواطنين العرب، إذ لم يتم استعماله ضد أي مواطن يهودي تم اتهامه بارتكاب عمل إرهابي من قبل.

وأوضحت المحامية سوسن زهر -من مركز عدالة- أنه على الرغم من عدم سحب جنسية زيود ومفارجة فإن قرار المحكمة العليا يحوي مؤشرا خطيرا وسافرا بحق الفلسطينيين في الداخل، وهو استخدام أداة تتعارض مع معايير القانون الدولي.

الطرح ذاته تبناه المحامي عوديد فيلر من جمعية حقوق المواطن، والذي أكد أن إجراءات سحب المواطنة تتم فقط ضد مواطنين عرب، مستذكرا السابقة القضائية للمحكمة العليا التي رفضت طلب سحب مواطنة يغئال عمير قاتل رئيس الحكومة السابق إسحاق رابين.

وحيال ذلك تتفق الفعاليات الحقوقية والسياسية في الداخل الفلسطيني على ضرورة العمل من أجل إبطال بند في “قانون المواطنة” الذي عدل عام 2008، حيث يفوض المحكمة التصديق على طلبات وزير الداخلية بسحب مواطنة أي مواطن إسرائيلي بادعاء خرق الولاء للدولة.

النائب السابق عن القائمة المشتركة أستاذ القانون الدولي الدكتور يوسف جبارين: ، إسرائيل تنتهك القانون الدولي الذي يمنع الدولة تجريد المواطن من جنسيته
يوسف جبارين: إسرائيل تنتهك القانون الدولي الذي يمنع الدولة تجريد المواطن من جنسيته (الجزيرة)

تداعيات وإسقاطات

وقال النائب السابق عن القائمة المشتركة أستاذ القانون الدولي الدكتور يوسف جبارين إن “تعديل قانون المواطنة جاء من منطلقات انتقامية ويتم اعتماده ضد العرب، وهو ما يعتبر تطبيقا انتقائيا للقانون الذي يضم البند الذي يسمح بحرمان وتجريد الإنسان أبسط حقوقه وهي المواطنة، وهذا البند غير دستوري، وجاء بصياغة فضفاضة: المس بأمن الدولة وعدم الولاء للدولة”.

وأوضح جبارين في حديثه للجزيرة نت أن الصياغة الفضفاضة للتعديل على قانون المواطنة يتم تفسيرها من قبل وزير الداخلية الإسرائيلي، إذ بدا واضحا توغل وسيطرة اليمين على جهاز اتخاذ القرار والوزارات الحيوية، مما يعني أن هذا التعديل جاء خطوة انتقامية من المواطنين العرب.

وأبدى أستاذ القانون الدولي قلقه حيال قرار المحكمة العليا، قائلا إنه “من قراءة سياسية وقانونية للقرار فإن العليا تعترف بأنه لا يوجد في أي بلد بالعالم إجراء سحب المواطنة لدوافع أمنية أو لتسويغيات قانونية، وعلى الرغم من ذلك شُرعن هذا الإجراء في إسرائيل، في انتهاك للقانون الدولي الذي يمنع الدولة من تجريد المواطن من جنسيته إلا في حالات خاصة تكون للإنسان مواطنة بديلة، علما أن فلسطينيي 48 يحملون فقط المواطنة الإسرائيلية”.

وحذر جبارين من تداعيات وإسقاطات قرار المحكمة العليا الذي شرعن بند “قانون المواطنة” الذي يقضي بسحب الجنسية لدوافع أمنية قائلا إن “ذلك يؤسس لتفسيرات وتبريرات فضفاضة وعامة تضع القانون الإسرائيلي في مكانة يتفرد فيها بالمساس بالحقوق المدنية والأساسية للفلسطينيين وتقويض حقوقهم وبمكانة العرب في البلاد، لكونه يمهد لمنع لم شمل عشرات آلاف العائلات الفلسطينية على جانبي الخط الأخضر”.

رئيس لجنة الحريات بالداخل الفلسطيني الشيخ كمال خطيب: قرار العليا الإسرائيلية يضعنا أمام حقيقة أن كل فلسطيني مهددا بالتهجير والتشريد بغطاء وشرعية جهاز القضاء.
الشيخ كمال خطيب: قرار المحكمة العليا الإسرائيلية يضعنا أمام حقيقة أن كل فلسطيني مهدد بالتهجير والتشريد (الجزيرة)

تهجير وتشريد

من جانبه، شدد رئيس لجنة الحريات بالداخل الفلسطيني الشيخ كمال خطيب على طرح جبارين، قائلا إن “قرار العليا والتعديلات على قانون المواطنة والتشريعات العنصرية يضعنا أمام حقيقة أن كل فلسطيني مهدد بالتهجير والتشريد بغطاء وشرعية جهاز القضاء الإسرائيلي، مما يؤكد أن الداخل الفلسطيني يوجد أمام واقع جديد”.

وحذر خطيب في حديثه للجزيرة نت من تداعيات وإسقاطات قرار العليا على الفلسطينيين في الداخل، مؤكدا أن قرار العليا بمثابة تحول خطير يضع الفلسطينيين أمام استهداف مباشر من قبل الجهاز القضائي الإسرائيلي”.

وأضاف أن “سحب الجنسية لذرائع أمنية هو بمثابة وسيلة جديدة وإضافية للتهجير والتشريد، بحيث سيكون من شبه المستحيل بسبب هذه الإجراءات الإسرائيلية لم شمل العائلات الفلسطينية بالوطن وبالتالي ستكون العائلة الفلسطينية مضطرة إلى لم شملها خارج حدوده”.

وعلى الرغم من التشريعات العنصرية والإجراءات التمييزية والقرارات الانتقامية فإن الشيخ خطيب يعتقد أن الإجراءات الإسرائيلية لن تنجح بترويع الداخل الفلسطيني، ولن تردعه عن مواصلة العيش في وطنه والنضال من أجل الحرية، مؤكدا أن الشعب الفلسطيني لن يتراجع إلى الوراء بسبب مثل هذه الإجراءات والتشريعات، وسيبقى متمسكا بالثوابت الوطنية والقومية وحقه بالحرية والاستقلال.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.