يمكن أن يلهم رسم خرائط دماغ الحشرة الباحثين لتطوير خوارزميات جديدة للتعلم الآلي والذكاء الاصطناعي، ويمكن استخدامها لتعليم الطلاب علوم الأعصاب وعلم الأحياء والروبوتات بطريقة أكثر جاذبية.

بعد جهد متواصل استغرق 12 عاما، أكمل فريق دولي رسما تخطيطيا مفصلا بشكل مذهل يتتبع كل اتصال عصبي في دماغ يرقة ذبابة الفاكهة، وأنتجوا أول خريطة تفصيلية كاملة لدماغ حشرة، وهو إنجاز بارز في علم الأعصاب يجعل العلماء أقرب إلى الفهم الحقيقي لآلية التفكير.

ونشرت هذه الدراسة الهائلة التي أجراها فريق دولي بقيادة جامعتي جونز هوبكنز وكامبردج في دورية “ساينس” (Science) العلمية الشهيرة في العاشر من مارس/آذار الجاري، ومن المرجح أن يحدث هذا العمل ثورة في أبحاث الدماغ في المستقبل، ويلهم بنيات جديدة للتعلم.

رسم خرائط الأدمغة الكاملة

بدأت المحاولة الأولى لرسم خرائط الدماغ في السبعينيات، واستمرت لمدة 14 عاما وأسفرت عن خريطة جزئية لدماغ الدودة المستديرة وجائزة نوبل.

ومنذ ذلك الحين، تم تحديد الشبكة العصبية الجزئية في العديد من الكائنات، ولم يتم حتى الآن تعيين الروابط العصبية الكاملة إلا لـ3 كائنات حية تحتوي أدمغتها عدة مئات من الخلايا العصبية فقط، لكن عمليات إعادة البناء هذه عادة لا تمثل إلا جزءا صغيرا من الدماغ الكلي.

وحتى مع أفضل التقنيات الحديثة، يعد رسم خرائط الأدمغة الكاملة أمرا صعبا ويستغرق وقتا طويلا للغاية، ويتطلب الحصول على صورة كاملة على المستوى الخلوي للدماغ، وتشريح الدماغ إلى مئات أو آلاف العينات من الأنسجة الفردية، ويجب تصويرها باستخدام المجاهر الإلكترونية قبل العملية المضنية لإعادة بناء كل تلك القطع.

وبسبب هذه القيود التكنولوجية، كان تصوير الأدمغة بأكملها باستخدام المجهر الإلكتروني وإعادة بناء الدوائر العصبية من مجموعات البيانات يمثل تحديا كبيرا.

واستغرق العمل الأخير 12 عاما كاملة، كما استغرق التصوير وحده يوما تقريبا لكل خلية عصبية، وقال جوشوا فوغلستين، مهندس الطب الحيوي في جامعة جونز هوبكنز، والمشارك في الدراسة في بيان صحفي للجامعة “إذا أردنا أن نفهم من نحن وكيف نفكر، فإن جزءا من ذلك هو فهم آلية التفكير”، وأضاف أن “المفتاح في ذلك هو معرفة كيفية اتصال الخلايا العصبية مع بعضها البعض”.

اختار الفريق عمدا يرقة ذبابة الفاكهة، لأن بيولوجية الحشرة تتشابه كثيرا مع البشر (شترستوك)

لماذا تم اختيار يرقة ذبابة الفاكهة؟

اختار الفريق عمدا يرقة ذبابة الفاكهة، لأن بيولوجية الحشرة تشترك في الكثير من السمات الأساسية مع البشر، بما في ذلك الأساس الجيني القابل للمقارنة. كما أن الحشرة لديها سلوكيات غنية في التعلم واتخاذ القرار، ويمكن تصوير دماغها وإعادة بناء دوائرها في إطار زمني معقول مما يجعلها نموذجا حيا مفيدا في علم الأعصاب.

وابتكر باحثو كامبردج صورا عالية الدقة للدماغ ودرسوها يدويا للعثور على الخلايا العصبية الفردية، وتتبعوا بدقة كل واحدة وربطوا اتصالاتهم المتشابكة، ثم سلمت جامعة كامبردج البيانات إلى جامعة جونز هوبكنز.

وأمضى فريق جونز هوبكنز أكثر من 3 سنوات لتحليل اتصال الدماغ، وطور الفريق تقنيات للعثور على مجموعات من الخلايا العصبية بناء على أنماط الاتصال المشتركة، ثم حللوا كيف يمكن للمعلومات أن تنتشر عبر الدماغ.

وفي النهاية، رسم الفريق بأكمله مخططا لكل خلية عصبية وكل اتصال بينها، وصنف كل خلية عصبية وفق الدور الذي تلعبه في الدماغ.

ونظرا لأن الأساليب التي طورها علماء جامعة جونز هوبكنز قابلة للتطبيق على أي مشروع آخر لرسم خرائط للدماغ، تعمل فرق أخرى حاليا على رسم خريطة لدماغ ذبابة الفاكهة البالغة، ومن المتوقع أن يحاول العلماء رسم خريطة لدماغ الفأر، ربما في غضون العقد المقبل.

ويتوقع بينجامين بيديجو، المرشح لنيل درجة الدكتوراه في جامعة جونز هوبكنز في الهندسة الطبية الحيوية، والمشارك في الدراسة، أن أساليب الفريق يمكن أن تساعد في الكشف عن مقارنات مهمة بين الاتصالات في دماغ اليرقات والحشرات البالغة ويمكن أن يؤدي ذلك إلى فهم أفضل للاختلافات.

أهمية هذا العمل

تمثل هذه الدراسة خطوة كبيرة إلى الأمام في فهمنا لأدمغة الحشرات ويمكن أن يكون لها آثار مهمة في مجالات مثل الروبوتات والذكاء الاصطناعي. ومن خلال دراسة كيفية تنقل الحشرات في بيئتها واتخاذ القرارات بناء على المدخلات الحسية، قد نتمكن من تطوير خوارزميات أكثر كفاءة وفعالية للأنظمة المستقلة.

وعموما، نتائج هذا البحث لها آثار واسعة على مختلف المجالات ويمكن أن تؤدي إلى اكتشافات وابتكارات جديدة في المستقبل، فعلى سبيل المثال يمكن أن توفر دراسة أدمغة الحشرات نظرة ثاقبة لعمل أدمغة الإنسان، وتساعد في تطوير علاجات للاضطرابات العصبية.

ويمكن أن يلهم رسم خرائط دماغ الحشرة الباحثين لتطوير خوارزميات جديدة للتعلم الآلي والذكاء الاصطناعي، كما يمكن استخدامها لتعليم الطلاب علوم الأعصاب وعلم الأحياء والروبوتات بطريقة أكثر جاذبية.

ويمكن أن يساعد في تطوير روبوتات أكثر كفاءة وذكاء، كما يمكنها أداء مهام مثل التنقل والتعرف على الأشياء. ويأمل الباحثون أن تساعدهم هذه الخريطة على فهم أفضل لكيفية معالجة الحشرات للمعلومات واتخاذ القرارات، ويعتقدون أن التقدم في هذا المجال يمكن أن يؤدي إلى رؤى جديدة حول كيفية عمل العقول البشرية.

ويُقدر العلماء أن دماغ الفأر أكبر بمليون مرة من دماغ ذبابة الفاكهة الصغيرة، ومقارنة بتعقيد الدماغ البشري؛ فإن فرصة رسم خريطة لأي شيء قريب من دماغ الإنسان ليست محتملة في المستقبل القريب.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.