يبدو أن معاناة الشعب العراقي لن تتوقف اقتصاديا عند بوابة انخفاض قيمة العملة المحلية أمام الدولار الأميركي بفرض الحكومة العراقية ضرائب جديدة على السلع والخدمات العامة في موازنة عام 2023 الأكبر في تاريخ البلد، ويعني ذلك واقعيا تعميق معاناة المواطنين أكثر، وفقا لمراقبين.

وجاءت الموازنة بإجمالي نفقات مقترحة تبلغ 197.8 تريليون دينار (152.2 مليار دولار) ويبلغ سعر برميل النفط فيها نحو 70 دولارا للبرميل الواحد، وبعجز مالي قدره 63 تريليون دينار (48.5 مليار دولار)، وفق رئيس الوزراء محمد السوداني الذي أشار إلى أن هذه الميزانية ستُكرر في العامين المقبلين أيضا.

فرض ضرائب

تتضمن الموازنة الثلاثية في تفاصيلها فرض الضرائب الجديدة بـ:

  • نسبة 5% على عوائد مبيعات اللتر الواحد من البنزين.
  • نسبة 10% على زيت الغاز أو الكاز.
  • نسبة 15% على الوقود المستورد.
  • نسبة 1% على مبيعات النفط الأسود.
  • ضريبة مطار في جميع المطارات العراقية بمبلغ مقطوع مقداره 25 ألف دينار (نحو 20 دولارا- سعر البيع النقدي 1310 دينارات لكل دولار) للشخص الواحد للمسافرين إلى خارج العراق.

وفي الموازنة العامة أيضا:

  • تبلغ حصة إقليم كردستان منها 12.6%.
  • ييلغ إجمالي الموازنة التشغيلية فيها أكثر من 150 تريليون دينار (102 مليار دولار).
  • تبلغ الموازنة الاستثمارية أكثر من 47 تريليون دينار (32.2 مليار دولار).
  • الإيرادات أكثر من 134 تريليون دينار (91 مليار دولار).
  • الإيرادات النفطية أكثر من 117 تريليون دينار (80 مليار دولار) على أساس سعر النفط بـ70 دولارا.
  • الإيرادات غير النفطية أكثر من 17 تريليون دينار (11 مليار دولار).

يأتي ذلك في وقت تعتمد البلاد فيه على إيرادات بيع الخام لتغطية نحو 95% من نفقاتها، محققة في 2022 عائدات مالية بأكثر من 115 مليار دولار جراء تصدير النفط الخام، لتكون الأعلى منذ سنوات حسب الأرقام الرسمية التي أعلنتها وزارة النفط العراقية.

ويستورد العراق المشتقات النفطية الرئيسة، كالبنزين وزيت الغاز والنفط الأبيض. وحسب شركة تسويق النفط “سومو”، شهد العام الماضي استيراد أكثر من 5 ملايين طن من المشتقات النفطية بقيمة 5.3 مليارات دولار، مقابل 4.7 ملايين طن وبقيمة 3.3 مليارات دولار في 2021، وكان البنزين الأكثر استيرادا بقيمة 3.8 مليارات دولار، يليه زيت الغاز بأكثر من 1.2 مليار دولار.

وفق مراقبين فإن الضرائب الجديدة ستؤدي إلى تعزيز الإيرادات غير النفطية ورفع نسبة مساهمتها إلى 13% (الجزيرة)

إيجابيات وسلبيات

يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة المعقل في البصرة نبيل المرسومي إن هذه الضرائب ستؤدي إلى تعزيز الإيرادات غير النفطية ورفع نسبة مساهمتها إلى 13%، لكن سيقابلها ارتفاع في تكلفة نقل الأشخاص والبضائع وارتفاع جديد في أسعار السلع والخدمات سواء المُنتجة محليا أو المستوردة، وهو ما قد يؤدي إلى تجاوز نسبة التضخم السنوي المحددة بالموازنة بنسبة 5% والتأثير سلبيا على المستوى المعيشي للمواطنين.

ويقدر المرسومي -في حديثه للجزيرة نت- ما ستوفره هذه الضرائب بنحو 400 مليون دولار للحكومة، لكنه يُحذر في الوقت ذاته من سلبياتها التي قد تفضي إلى تضرر المستوى المعيشي للشرائح الهشة في المجتمع، مضيفا “رغم أن هذه الإيرادات لا تضيف مبلغا كبيرا إلى الموازنة العامة فإنها قد تحدّ قليلا من الوقود المهرب إلى الخارج”.

من جانبه، يقول عضو اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي النائب جمال كوجر إن الدولة العراقية حالها حال أي دولة أخرى في العالم تفرض الضرائب عندما تقل مواردها لدعم موازنتها، وهنا يكون المواطن هو الضحية وليس الحكومات.

وينتقد كوجر فرض الضرائب دون أن يقابل ذلك أي تعديل لسلم الرواتب وتحسين حال المواطنين لا سيما القطاع الخاص الذي يكاد يكون دعمه معدوما في الموازنات الحكومية، وذلك من أجل خلق نوع من التوازن بين أخذ الضرائب وتحسين الخدمات.

وفي حال لم يكن هناك أي تعديلات أو تحسين في الحال المعيشي للقطاع الخاص وسلم الرواتب، فإن عضو المالية النيابية يُحذر -مثل المرسومي- من آثار سلبية سيدفع ضريبتها المواطن.

وفي حديثه للجزيرة نت، يتساءل النائب العراقي عن أسباب حصر تعزيز الإيرادات غير النفطية من خلال فرض الضرائب التي تعدّ من سُبل دعم تلك الإيرادات دون الذهاب إلى الموارد التي يمتلكها العراق مثل المعادن وبيئة زراعية جيدة ومعبر بحري يُمكن الاستفادة منه في التبادل التجاري، وهي موارد حية تفتقدها بلدان كثيرة.

حسب محللين فإن فرض الضرائب الجديدة على السلع والخدمات سيسهم في زيادة التضخم (الجزيرة)

ما الحل؟

بدوره، يشير أستاذ الاقتصاد الدولي نوار السعدي إلى وجود ما يصفها “بالتشوهات” في النظام الضريبي بالعراق، وعزا ذلك إلى عدم اعتماده على أنظمة مالية متطورة.

واستنادا إلى ذلك، يتوقع السعدي أن يؤدي فرض الضرائب الجديدة على السلع والخدمات إلى زيادة التضخم -على عكس ما تضمنته الموازنة- لا سيما إذا كان من سيتحملها في النهاية هو المستهلك، موضحا أن ذلك يؤثر تأثيرا كبيرا على الطبقات الفقيرة حيث سيؤدي إلى رفع الأسعار.

وبدلا من ذلك، يقترح أستاذ الاقتصاد الدولي اتباع سياسة مالية يكون المقصود بزيادة الضرائب منها الشرائح العليا من الدخل وليس الفقير أو محدودي الدخل، مستشهدا بالدول المتقدمة التي تفرض ضرائب تصل إلى 60% أو 70%، فهذه الزيادة تحقق فائدة مزدوجة، لأنها ستسهم في تحسين المالية العامة للدولة، وتمكنها بذلك من تحقيق إنفاق سيعود بالنفع على الطبقات الفقيرة.

ويقول للجزيرة نت إن الضرائب أداة لزيادة الحصيلة المالية وتعزيز الإيرادات غير النفطية وهي مهمة جدا لتقليص العجز وتجنب المديونية من جانب، وأيضا أداة لتوجيه الاقتصاد نحو التنويع الاقتصادي على المدى البعيد لتقوية الاقتصاد وامتصاص المشاكل الاجتماعية وتحقيق الاستقرار السياسي من جانب آخر.

الجدير بالذكر أن مجلس الوزراء العراقي صوّت في منتصف الشهر الحالي على قانون الموزانة وأرسلها إلى مجلس النواب لغرض إقرارها، لكن عضوا في اللجنة المالية يؤكد -للجزيرة نت- أن مسودة القانون ما زالت لدى رئاسة المجلس ولم ترسلها إلى اللجان المعنية من أجل البدء بدراستها ومناقشتها دون معرفة سبب عدم الإرسال.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.