استشهد جميع أفراد عائلة عمر أبو العوف في غارة جوية شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلي على مبناهم السكني في مايو/أيار من العام الماضي، ولم يتوقف عن النحيب منذ ذلك الحين.

وفي تقريرهما الذي نشرته صحيفة “الغارديان” (theguardian) البريطانية، قال الكاتبان بيتان مكيرنان وحازم بلوشة إن عمر أبو العوف يدرس على أمل أن ينجح في تحقيق حلمه بأن يصبح مهندسًا، ولكن أصبح من الصعب على الشاب (عمره الآن 17 عاما) التركيز، إذ يحن أبو العوف باستمرار إلى أفراد عائلته، الذين استشهدوا جميعًا العام الماضي عندما دمرت غارة إسرائيلية منزلهم في أحد أحياء مدينة غزة.

خسر عائلته بأكملها

وينقل الكاتبان عن جدته منار التي كانت تجلس في غرفة المعيشة بمنزل عم عمر أبو العوف، حيث يعيش حاليًا، “يبدو الأمر كما لو أنه يسرح بخياله في عالم آخر. لقد خسر عائلته بأكملها من دون ذنب ارتكبوه”.

ويبيّن الكاتبان أن عمر أمضى 12 ساعة تحت أنقاض المبنى المنهار، وهو يحيط بذراعه جثة شقيقته الصغرى تالا (12 عامًا)، وظل شقيقه توفيق (17 عاما) على قيد الحياة لعدة ساعات، وتحدثا مع بعضهما بعضا في الظلام واختنقا بتراب الأنقاض، وقد أخبره توفيق أن والدتهما ريم ماتت، وقبل أن تتمكن فرق الإنقاذ من الوصول إليهما، استشهد توفيق أيضا متأثرًا بجراحه، كما أسفر الهجوم عن استشهاد والده أيمن، أخصائي الطب الباطني في المستشفى الرئيسي في غزة.

ويوضح الكاتبان أن العدوان الذي شنته إسرائيل في مايو/أيار الماضي على قطاع غزة، ترك عمر أبو العوف وحيدا، وبعد مرور عام لا يزال عمر يعاني من مشاكل عصبية في ذراعه وساقه اليمنى، وقال إنه يحاول إعادة بناء حياته، لكنه لا يزال غير قادر على استيعاب ما حدث، مضيفا “لقد كان شهر رمضان والعيد هذا العام صعبين للغاية. أنا أفتقدهم كل يوم ولم أكن أعتقد أن حياتي ستكون على هذا النحو. أنا لا أخرج كثيرا. ويأتي أصدقائي أحيانًا لزيارتي هنا، ويتعين علينا جميعًا الدراسة حاليًا. ولكن الهواية الوحيدة التي أمارسها منذ الحادثة هي البكاء”.

عمر أبو العوف لا يزال يعاني من مشاكل عصبية في ذراعه وساقه اليمنى (مواقع التواصل)

عمر يعيش مع عائلة عمه

يعيش عمر أبو العوف حاليًا مع عائلة عمه، الذي يقع منزله على مقربة من منزل أسرة عمر القديم في شارع الوحدة، وهو شارع مزدحم مليء بالمباني السكنية والمتاجر والمقاهي، حيث استشهد 44 شخصًا في الغارة الإسرائيلية يوم 16 مايو/أيار من العام الماضي، ويعتبر ذلك الهجوم الأكثر دموية في الصراع الذي خلف 256 شهيدا في غزة و14 قتيلا في إسرائيل.

من جانبه، قال جيش الاحتلال الإسرائيلي إن الغارة الجوية تسببت “عن غير قصد” في قتل المدنيين في شارع الوحدة بسبب انهيار الدعائم الأرضية لهيكل عسكري مستهدف لحركة حماس، مما أدى إلى انهيار المبنى السكني في الشارع، وقالت جماعات حقوقية مثل منظمة العفو الدولية إن الحادث قد يشكل جريمة حرب، بحسب الكاتبين، اللذين قالا إنه بعد مرور عام على الحادثة تمت إعادة بناء 5% فقط من مجموع ألف وحدة سكنية والطرق وغيرها من البنى التحتية التي دمرها قصف قطاع غزة، بحسب وزارة الإسكان التابعة لحركة حماس.

تذكير بالأرواح والمنازل التي فقدت

ويؤكد الكاتبان أنه في الواقع يتم حاليًا عرقلة وصول الكثير من المساعدات التي تقدمها الأمم المتحدة وغيرها من الجهات المانحة الخارجية من خلال إجراء محادثات دبلوماسية مطولة من قبل السلطات الإسرائيلية والمصرية، التي حاصرت المنطقة منذ سيطرة حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في عام 2007، وقد أدى الحصار الفعلي إلى انهيار نظام الرعاية الصحية وتسمم المياه في غزة، وترك سكان المنطقة الصغيرة البالغ عددهم مليوني نسمة يكافحون للتعامل مع انقطاع التيار الكهربائي، ورغم إزالة الأنقاض من الجولة الأخيرة من القتال، فإن الشوارع لا تزال مليئة بالحفر والأراضي الرملية المليئة بالقمامة، وهو تذكير يومي بالأرواح والمنازل التي فقدت.

ويشير الكاتبان إلى تصاعد التوترات بين حماس وإسرائيل مرة أخرى، إذ أشاد قادة الحركة بسلسلة الهجمات الأخيرة التي استهدفت الإسرائيليين وخلفت 19 قتيلًا، وحثوا المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل وأولئك الذين يعيشون في الضفة الغربية المحتلة على تنفيذ مزيد من الهجمات، كما هددت حماس بشن حرب شاملة أخرى إذا استمرت الاشتباكات الأخيرة في المسجد الأقصى بالقدس. وردًّا على ذلك، حذّر مسؤولون إسرائيليون زعيم حركة حماس داخل غزة يحيى السنوار من أن خطاباته الأخيرة “التي تحرض على الإرهاب” -حسب زعمهم- تمنح إسرائيل حرية الرد عسكريًّا.

يُذكر أن إسرائيل أغلقت المعبر الحدودي الوحيد أمام معظم الفلسطينيين الـ12 ألفا في غزة الذين يحملون تصاريح للعمل خارج القطاع لمدة أسبوعين، وذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن الحكومة تدرس تقييد أعدادهم في المستقبل، في حين تبلغ نسبة البطالة في قطاع غزة -حيث نشأ جيل كامل محاصرا في جيب ساحلي مكتظ وملوث- حوالي 50%.

عمر أبو العوف غزة المصدر: الصحافة البريطانية https://www.theguardian.com/world/2022/may/16/i-miss-them-every-day-the-boy-who-lost-his-whole-family-to-an-israeli-airstrike
عمر أبو العوف: أردت أن أجعل والدي فخورا بي، ولكن بدلا من ذلك أنا وحدي (الصحافة البريطانية)

أنا وحدي

ويختتم الكاتبان تقريرهما بقول عمر أبو العوف، الذي فقد كل شيء بالفعل، إنه لا يهتم إذا اندلعت حرب أخرى، وهو يأمل في مغادرة غزة يوما ما، ولكن المستقبل قاتم للغاية بحيث يصعب التفكير فيه، وأوضح “من الصعب التعبير عن كل الأشياء التي أشعر بها. كنت سأعمل بجد، وأحتفل بنتائج امتحاناتي، وأذهب إلى الجامعة. أردت أن أجعل والدي فخورا بي. ولكن بدلًا من ذلك أنا وحدي”.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.