في الأساطير القديمة، ستجد مئات القصص التي تحكي عن العائدين من الموت إلى الحياة. وفي الحقيقة، هناك العديد ممن يستخدمون هذا الوصف مجازا، حيث يصف الموت نهاية الأمل، وانطفاء الأحلام والشغف والطموحات، والسبب ببساطة أنك لن تجد ما هو أقوى من الموت لتعبر به عن نهاية كل شيء.

 

بيد أنه في زمننا الحاضر، ودون الحاجة إلى آلة زمن تعيدنا للوراء حتى نتأكد من صدق الرواية، هناك رجل مات بالفعل لدقائق، وأبكى الجميع حوله، وأفجع العالم في ليلة مؤلمة، إلا أن نهاية الحكاية كانت سعيدة، حيث عاد قلبه لينبض بالحياة. ثم بعدها بنحو عامٍ، حدث ما هو أبعد من الأساطير القديمة، “كريستيان إريكسن” يحقق حلم الطفولة ويتأهب لحلمٍ آخر، بعد شهور لم يكن يحلم فيها بما هو أبعد من البقاء فقط على قيد الحياة.

 

“فلاش باك”

إريكسن مستلقٍ على ظهره في سيارة الإسعاف، بعد ساعة أو أقل من توقف قلبه لدقائق، يخبر زوجته أنه سيترك حذاءه ويعلن نهاية رحلته مع كرة القدم بقرار من القلب كعضو مادي، ولكنه ليس منه إطلاقا بحساب المشاعر. لم يكن أحد يتصور أن يوما كهذا سيتحول إلى كابوس، حيث ينطلق ثاني أيام يورو 2020 المؤجل لـ2021، والجميع يحتفل بالعودة إلى أحضان كرة القدم، بأجوائها المعتادة والحضور الجماهيري، والبطولات الدولية التي تحمل بريقا خاصا، تلك التي تتذكر معها الجماهير العشق الطفولي للمستديرة والخطفة الأولى، والتي غالبا ما ترتبط بكأس العالم واليورو أكثر من منافسات الأندية.

 

الحدث كان مواجهة الدنمارك وفنلندا، يوم مشمس، والجميع في حالة سعادة لم يعكر صفوها سوى سقوط مفاجئ لكريستيان إريكسن، المشهد منذ بدايته لم يكن طبيعيا: لاعب يسقط في حالة وهن وعدم سيطرة على جسده، وكأنه تلقى رصاصة في رأسه. الصوت يهدأ تدريجيا، ويتوجه نحوه الجهاز الطبي مسرعا حتى يسعفوه، وهنا تزداد الأمور سوءا(1).

 

يحكي طبيب المنتخب الدنماركي “مارتن بويسن” كيف عاش الواقعة، حيث لم يشاهد لحظة السقوط، ولكنه أدرك أثناء توجهه لإريكسن أنه فقد الوعي، وحين وصل له كان مستلقيا على جنبه، وما زال يتنفس والقلب ينبض، ولكن فجأة تحوّل كل شيء إلى كابوس؛ توقف القلب، وبدأت المحاولات لإنعاشه، وسط دموع آلاف الجماهير، وانهيار داخلي للزملاء الذين شكّلوا حوله ساترا حتى يحجبوه عن الكاميرات، ولكي لا يُظهروه للعالم في تلك الحالة المرعبة(2).

توماس ديلاني وأندرياس كريستنسن وجوناس ويند من الدنمارك مكتئبين بينما يتلقى كريستيان إريكسن (مخفي) من الدنمارك العلاج الطبي خلال مباراة المجموعة الثانية في بطولة أمم أوروبا لكرة القدم UEFA 2020 بين الدنمارك وفنلندا (Getty)

أظهرت الصور إريكسن يفتح عينيه وهو مستلقٍ على النقالة قبل خروجه من الملعب، اطمأن العالم نسبيا حين وصل إلى المستشفى واستعاد وعيه، وكان قادرا على طمأنة زملائه عليه بنفسه بعد قرار استكمال المباراة، حيث أبلغهم بضرورة مواصلة البطولة، وربما كان ذلك سببا في نسخة استثنائية للدنمارك في اليورو بالوصول إلى نصف النهائي(3).

 

كانت الصدمة قوية على الجميع، فاجعة بمعنى الكلمة أن ترى لاعبا في ريعان شبابه يتأهب لخوض مباراة، وفجأة يسقط على الأرض وكأنه جثة هامدة. وبالنسبة إلى الشعب الدنماركي، كانت الصدمة أشد من تلك التي تلقاها العالم، ليس فقط لأنه مواطنهم، ولا حتى لكونه نجم منتخب بلادهم، بل لأنه ابن وأخ وصديق للشعب بأكمله، لقد كان كريستيان فتاهم المدلل وسفير أحلامهم وصديقهم الافتراضي بكل ما تحمله هذه العبارات من معانٍ.

 

ليس عاديا

“ما زلت أتذكرها بوضوح، رؤية هذا الفتى الصغير لأول مرة، خطواته على الدرج في بهو فندق في اليونان. كان ذلك في فبراير 2009”
ترويلس هنريكسن، مراسلة دنماركية

ترويلس هنريكسن، وهي مراسلة لإحدى الصحف الدنماركية، أجرت حوارا مع صحيفة الجارديان البريطانية بعد الواقعة مباشرة، وحكت خلاله كيف يبدو إريكسن بالنسبة إلى الشعب الدنماركي. هنريكسن قالت إنها سافرت عام 2009 للعاصمة اليونانية أثينا لتغطية مباراة الدنمارك واليونان، مباراة لم تكن مهمة على الإطلاق، لدرجة أن المنتخب الدنماركي خاضها بفريق تحت 17 عاما(4).

 

في ذلك الوقت نصحها مراسل صديق بمتابعة الفتى المعجزة كريستيان إريكسن خلال المباراة. وقتها كانت المرة الأولى التي تراه خلالها، وظلت تتذكر تفاصيل اللقاء حتى لحظة إجرائها للحوار. هنريكسن تحدثت عن خجل إريكسن في أول لقاء بينهما، لدرجة جعلته يخبرها بأن قلقه الأكبر هو أنه لن يستطيع غسل ملابسه بمفرده في أمستردام، تخيل أن هذه كانت إجابته على سؤال كيف تبدو خطوة الانتقال لأياكس؟(5)

 

بعد ذلك اللقاء بعام واحد، تم استدعاء إريكسن للمشاركة مع الدنمارك في كأس العالم 2010، كأصغر لاعب في البطولة على الإطلاق بعمر 17 عاما فقط، ومن هنا بدأ يتحول إلى “بطل الشعب” لدرجة جعلت المقارنات بينه وبين أسطورة البلاد مايكل لاودروب تبدأ قبل أن يكمل المراهق كريستيان عامه الثامن عشر!

Denmark's coach Morten Olsen instructs Christian Eriksen (R) before he went in to substitute Thomas Kahlenberg during their 2010 World Cup Group E soccer match against Japan at Royal Bafokeng stadium in Rustenburg June 24, 2010. REUTERS/Adnan Abidi (SOUTH AFRICA - Tags: SPORT SOCCER WORLD CUP)
مدرب الدنمارك مورتن أولسن يوجه كريستيان إريكسن (يمين) خلال مباراة كرة القدم في المجموعة الخامسة لكأس العالم 2010 (رويترز)

الجميع كان يعلم أن المقارنة مع لاودروب حمل ثقيل على مراهق صغير، لكن هنريكسن بررت ذلك بوجود حالة عاطفية بالنسبة إلى الدنماركيين الذين عاشوا معه الرحلة كاملة، حيث نموه وتطوره، بالنسبة إليهم كان ابنهم الذي تحول من طفل إلى حلم الشعب، لذلك تعلقت آمالهم به على مدار سنين كبر فيها هو وأحلامهم معا، ولمثل ذلك كان سقوطه ومجرد التفكير في احتمالية مفارقته للحياة ألما لهم أكثر من بقية العالم الذي تألم معهم أمام ذلك المشهد المفجع(6).

 

العودة إلى أحضان الشعب حدثت بعد 287 يوما من تلك الحادثة، وقتها ظهر إريكسن بقميص الدنمارك لأول مرة منذ توقف قلبه، كان ذلك بملعب يوهان كرويف آرينا في مباراة ودية أمام المنتخب الهولندي، ذلك الملعب الذي يمتلك فيه ذكريات رائعة خلال رحلته مع أياكس بعد أن عرف كيف يغسل ملابسه بمفرده. هناك اختلطت كل المشاعر؛ ذكريات أياكس، وملمس قميص المنتخب الذي سقط وهو يرتديه، وارتباطه بالشعب وأحلامه؛ لينتهي المشهد السينمائي بهدف سجله بعد دقيقتين فقط من دخوله، ليصفق الجميع، وتصفق قلوبهم أيضا(7).

 

قبل العودة لأحضان الشعب

خلال تلك الفترة التي امتدت 287 يوما بين آخر ظهور لإريكسن قبل الحادثة وأول ظهور له بعدها، تغيرت الكثير من الأشياء، بالأحرى عاش كريستيان حياة أخرى موازية لحياته، تقلبت فيها أحلامه ورغباته بين البقاء فقط على قيد الحياة وبين العودة إلى الماضي وكرة القدم. ربما نسي ما قاله لزوجته في سيارة الإسعاف، وكأن شيئا لم يكن.

 

في البداية، كانت الرغبة فقط تتضمن التعافي من تبعات توقف القلب لدقائق، تلك التي لا يمكن أن يعود الجسد بعدها إلى طبيعته مباشرة. ليلة السكتة القلبية التي تعرض لها إريكسن، أرسل رسالة عبر تطبيق واتساب لطمأنة زملائه في إنتر الإيطالي، الذين احتفل معهم بفوزه بالدوري الإيطالي قبل أسابيع قليلة فقط تحت قيادة المدرب أنطونيو كونتي(8).

Soccer Football - Premier League - Brentford v Manchester United - Brentford Community Stadium, London, Britain - August 13, 2022 Manchester United's Christian Eriksen arrives at the stadium before the match REUTERS/David Klein EDITORIAL USE ONLY. No use with unauthorized audio, video, data, fixture lists, club/league logos or 'live' services. Online in-match use limited to 75 images, no video emulation. No use in betting, games or single club /league/player publications. Please contact your account representative for further details.
كريستيان إريكسن (رويترز)

تتمتع إيطاليا بمعايير عالية جدا عندما يتعلق الأمر بفحوصات القلب. كان لوفاة ريناتو كوري، لاعب وسط بيروجيا، الذي أصيب بنوبة قلبية خلال مباراة ضد يوفنتوس في عام 1977؛ تأثير عميق. في وقت لاحق، كشف الفحص الدقيق عن عيب في قلب النيجيري “نوانكو كانو” عندما انضم إلى إنتر ميلان قادما من أياكس عام 1996، وقتها أرسل “ماسيمو موراتي”، مالك إنتر، “كانو” إلى متخصص في أوهايو وتمكن من استئناف مسيرته المهنية في إيطاليا(9)(10).

 

ولكن تفاقمت الحساسيات منذ أن عانى لاعب خط وسط ليفورنو بيرماريو موروسيني من سكتة قلبية في الملعب في عام 2012 وتوفي في الحال، بعدها فارق دافيد أستوري، قائد فيورنتينا، الحياة أيضا بسبب الأمر ذاته أثناء نومه في فندق الفريق صباح مباراة ضد أودينيزي في عام 2018(11)(12).

 

ذلك جعل إريكسن يدرك أن مستقبله مع كرة القدم والذي كان لا يزال مجرد احتمال لا يمكن أن يكون في ميلانو، لأنه في إيطاليا لا يُسمح لك حتى بالذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية باستخدام جهاز تنظيم ضربات القلب، وأنه وفقا للبروتوكولات الطبية ستكون بوابة الأمل ما بين العودة لإنجلترا أو اللعب في إحدى الدول الإسكندنافية. ورغم كل المشاعر التي بدأت تربطه بالنيراتزوري وجماهيره، فسيفارقهم بعد أن كاد يفارق الحياة بأكملها.

 

رحل إريكسن عن إنتر نظريا، وتمت تغطية راتبه من قبل الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، وبدأ التدريب عبر الحدود في سويسرا كضيف على نادي كياسو، على بعد ساعة بالسيارة من ميلانو، فترة يحاول فيها فقط التدرب حتى يطمئن على لياقته قبل الحديث عن أي شيء لاحق.

 

بعد الاطمئنان على إمكانية ممارسته كرة القدم من جديد، أعلن وكيل أعماله أن عدة أندية أوروبية قد بدأت التفاوض معه. ناقش إريكسن إمكانية العودة إلى كرة القدم مع عائلته، كما كشف في مؤتمر صحفي بعد انضمامه إلى برينتفورد أنهم تحدثوا إلى طبيب نفسي ساعدهم في التغلب على الصدمات التي تعرضوا لها. كما تواصل اللاعب أيضا مع مدافع أياكس دالي بليند، الذي يلعب أيضا بجهاز تنظيم ضربات القلب، ليعرف منه كيف عاد إلى كرة القدم بعد إصابته بالتهاب في القلب في عام 2019(13)(14).

 

في يناير 2022، تحرك نادي برينتفورد الإنجليزي، بقيادة المدرب توماس فرانك، والذي درب إريكسن مع منتخب الدنمارك تحت 17 عاما؛ للتعاقد مع إريكسن. بالنسبة إلى اللاعب، كان الأمر مثاليا؛ نادٍ يدربه رجل يعرفه، وعودة إلى لندن التي عاش فيها 7 سنوات أثناء لعبه مع توتنهام، كما زامل لاعبي برينتفورد ماتياس جنسن وجوناس لوسل وكريستيان نورجارد وماتياس يورجنسن مع منتخب بلاده. هنا جاءت العودة من جديد إلى الكرة، وبعدها بشهرين فقط، إلى المنتخب، حيث مباراة هولندا التي أخبرناك قصتها، والتي بدأت حلما جديدا لدى كريستيان بتمثيل بلاده في كأس العالم 2022 في قطر.

 

6 أشهر فقط استعاد خلالها إريكسن نفسه مع برينتفورد، ورفض استكمال الرحلة رغم تمسكهم به وعرض الراتب الأعلى في تاريخ النادي، لينتهي به الأمر باحثا عن خطوة العودة إلى مصاف الكبار. انتظِر لحظة، هل عاد كل شيء كما كان؟ في الحقيقة، لم يعد الأمر كذلك، وبالطبع يبدو شبح تكرار هذه الكارثة كافيا لكي تتضافر كل الجهود حتى لا يتكرر، وهذا ما حدث بالفعل ويحدث في الوقت الحالي.

 

هل انتهى الخطر؟

MANCHESTER, ENGLAND - AUGUST 22: Christian Eriksen of Manchester United in action with Roberto Firmino during the Premier League match between Manchester United and Liverpool FC at Old Trafford on August 22, 2022 in Manchester, England. (Photo by Michael Regan/Getty Images)

في الثالث من أغسطس لعام 2021، أعلنت رابطة الدوري الإنجليزي الممتاز عن قانون جديد ينص على توفير الأموال لأجهزة تنظيم ضربات القلب الخارجية الآلية في الآلاف من نوادي ومنشآت كرة القدم الشعبية في إنجلترا، وقالت تعقيبا على ذلك إن أكثر من 2000 نادٍ ومنشأة ستستفيد من ذلك، بعد أن ناقشت الرابطة هذا الأمر في فترة سابقة، ولكن حادثة إريكسن كانت نقطة مفصلية أدت إلى تسريع التمويل(15).

 

بالطبع كان ذلك هو الضوء الأخضر لعودة إريكسن إلى إنجلترا من بوابة برينتفورد، ولكن النادي الصاعد في 2021 للبريميرليج لم يكن سوى خطوة للنجم الدنماركي نحو أضواء البطولة الإنجليزية التي يعرفها جيدا، ولكن هذه المرة من البوابة التي اعترف أنها حلم حياته؛ مانشستر يونايتد.

 

يحب الجميع تلك القصص التي يعود فيها البطل من الموت إلى الحياة، بل وينتظرون هذه النهاية السعيدة بمجرد أن يبدأ بطلهم في التغلب على ذلك الوحش المخيف. الآن عاد إريكسن بالفعل، الأمر الذي سيجعل الجميع يتكاتف حتى لا تتكرر هذه المأساة مرة أخرى، وحتى يواصل البطل رحلته بالشغف الكافي، ودون خوف من كابوس الماضي.

 

ومن منظور طبي، يوضح رئيس قسم طب القلب في مستشفى أسبيتار الرياضي في الدوحة “جيدو بيليس” كيف ستتم الوقاية من هذه الكوابيس مسبقا قبل كأس العالم، حيث أكد في حواره لـ”ذا أثلتيك” أنه قد طلب من قبل الفيفا الإشراف على تنفيذ خدمة فحوصات القلب المخصصة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع في كأس العالم لهذا العام(16).

MANCHESTER, ENGLAND - AUGUST 22: Christian Eriksen of Manchester United in action with Roberto Firmino during the Premier League match between Manchester United and Liverpool FC at Old Trafford on August 22, 2022 in Manchester, England. (Photo by Michael Regan/Getty Images)

عند محاولة معرفة سبب السكتة القلبية، يوضح البروفيسور بيليس أن هناك أمراضا قلبية وراثية، تلك الأمراض التي يولد بها الناس بسبب طفرات جينية ولكنها لا تظهر دائما، وغالبا ما تكون كامنة، لذلك قد يكون لدى الناس الجين وليس المرض نفسه، ولكن في حالة الرياضيين الذين يضغطون على القلب بسبب التمارين الشاقة، تكون هناك فرصة أكبر لظهور هذه الأمراض الوراثية، هذا هو أحد الأسباب التي تجعل خطر حدوث السكتة القلبية المفاجئة أعلى لدى الرياضيين، مقارنة بالبشر العاديين الذين لا يمارسون أنشطة بدنية شاقة(17).

 

لذلك وفقا لبيليس، من المهم جدا التأكد من معرفتنا للسبب الأساسي للسكتة القلبية، هل هو مجرد انسداد عابر للشرايين التاجية التي تغذي القلب؟ هل هو التهاب في القلب؟ أم هو تشخيص آخر؟ وذلك حتى نتأكد من أننا نستطيع التعامل مع اللاعب الذي تعرض لتوقف مفاجئ لعضلة القلب بالصورة الأمثل، والتي تسمح له بممارسة الرياضة من جديد دون خطورة على حياته.

 

ويؤكد البروفيسور بيليس أنه بمجرد أن يتخذ اللاعب قراره ويعود إلى المنافسة، يجب مراقبته عن كثب لما تبقى من حياته المهنية، وربما حتى بعد ذلك. حيث يحتاج الرياضيون إلى ترسانة كاملة من الاختبارات كل 6 أشهر، سواء مخطط كهربي للقلب، وفحص القلب بالموجات فوق الصوتية، وفحص التصوير بالرنين المغناطيسي وتقييم التمارين. لذلك، لن تكون حياة إريكسن كما كانت قبل ذلك، سيحتاج دائما أن يتأكد من تعافيه الكامل لكي يستأنف مسيرته مع الكرة التي يتكبد كل ذلك العناء فقط ليمارسها.

 

ولذلك أيضا، كما اضطر إريكسن للخضوع إلى فحص طبي صارم قبل إتمام انتقاله لمانشستر يونايتد، سيقدم النادي عناية خاصة له وللاعبين، وخاصة من مروا بتجربة مشابهة مع القلب. الجديد في قاعدة تدريب كارينجتون -المركز التدريبي لمانشستر يونايتد- هذا الموسم هو سيارة إسعاف من نوع صديق للبيئة، ويصر النادي على وجود المسعفين الإضافيين كإجراءات تضمن السلامة، حيث يوجد أكثر من 100 موظف إضافي لكي تتوفر الحماية الكاملة(18).

 

ما بعد الحلم

Soccer Football - Premier League - Manchester United v Brighton & Hove Albion - Old Trafford, Manchester, Britain - August 7, 2022 Manchester United's Christian Eriksen in action REUTERS/Toby Melville EDITORIAL USE ONLY. No use with unauthorized audio, video, data, fixture lists, club/league logos or 'live' services. Online in-match use limited to 75 images, no video emulation. No use in betting, games or single club /league/player publications. Please contact your account representative for further details.

طريق الأحلام لا يُفرش بالورود، وكذلك كان طريق إريكسن لتحقيق أحلام حياته بعد أن فارقها قلبه لدقائق وعاد إليها من جديد. أحلام؟ بالطبع، أحلام، فالرجل نفسه اعترف أنه لا يفكر سوى في تمثيل منتخب بلاده في كأس العالم بعدما مُنح الضوء الأخضر للعودة إلى الكرة، ولم يفكر مرتين بعد أن عرض عليه مانشستر يونايتد ارتداء قميصه، كيف لا وهو قد تحدث بنفسه مع كلّ من لويس فان خال وجوزيه مورينيو وسولشاير أثناء فترة تدريبهم للشياطين الحمر؟! يرحل مدرب ويأتي آخر، ويعيش اليونايتد فترات كارثية تلو الأخرى، ولكن قلب الفتى الدنماركي يظل معلقا بأولد ترافورد، أي حلم ذلك يا رجل!(19)(20)

 

وكأس العالم؟ تذكّر حكايته مع الشعب الدنماركي، شعب كامل يرى فيك البطل الخارق، تتوقف قلوبهم مع توقف قلبك، يبكون لمجرد احتمالية مفارقتك للحياة، ويبكون أكثر فرحا بنجاتك من ذلك. ماذا تنتظر من إريكسن بعد كل ذلك حين يدرك أنه سيكون سفير أحلامهم في المونديال؟ يا له من تحدٍ يحب كل منا خوضه!

 

ما بعد الحلم لن يكون على الأرجح سينمائيا كما كانت القصة منذ بدايتها؛ مانشستر يونايتد يعيش أسوأ أيامه في انطلاقة الموسم الجديد، وغالبا لن تشاهد إريكسن يحمل كأسا بنهاية الموسم، ولن تكون هناك فرصة كبيرة للدنمارك لتظفر بالمونديال أيضا، ولكن رغم ذلك، يظل الوصول إلى تلك المرحلة هو الشيء الأعظم؛ الرحلة من الموت إلى حلم الحياة تبدو أكثر إثارة من أي شيء تنتهي به الحكاية، ببساطة لأن أي شيء سيحدث سيكون أجمل بكثير مما ظننا أننا سنعيشه نحن وإريكسن بعد عام ونصف من توقف قلبه وبكاء الجميع.

————————————————————————————-

المصادر

1 – ما الذي تسبب في انهيار كريستيان إريكسن؟ – ذا إندبيدنديت 

2 – أول تعليق من كريستيان إريكسن بعد لحظات الرعب التي عاشها

3 – كيف استقرت حالة كريستيان إريكسن في المستشفى بعد الانهيار؟ – الغادريان 

4 – مشهد من الدنمارك: إريكسن واحد منا وهذا هو سبب تألمنا للغاية – الغارديان 

5 – المصدر السابق

6 – المصدر السابق

7 – عودة إريكسن لمنتخب الدنمارك بعد 287 يوما من سقوطه أمام فنلندا 

8 – كريستيان إريكسن: من الموت القريب إلى مانشستر يونايتد – ذا أثلتيك 

9 – المصدر السابق

10 – المصدر السابق

11 – المصدر السابق

12 – المصدر السابق

13 – المصدر السابق

14 – المصدر السابق

15 – رابطة الدوري الإنجليزي الممتاز تصدر قانونا جديدا ينص على توفير الأموال لأجهزة تنظيم ضربات القلب

16 – كريستيان إريكسن: من الموت القريب إلى مانشستر يونايتد – ذا أثلتيك 

17 – المصدر السابق

18 – المصدر السابق

19 – إريكسن يحلم بكأس العالم بعد العودة لكرة القدم 

20 – كريستيان إريكسن: كيف أدى الجهاز الصغير إلى عودته الكروية “المعجزة” – بي بي سي

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.