واشنطن- لم تكترث الولايات المتحدة بعد إعلان رئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس عزمها نقل سفارة بلادها في إسرائيل من تل أبيب إلى مدينة القدس المحتلة.

ولم يخرج أي بيان أميركي داعم أو متحفظ على هذا الإعلان في وقت تتحسس فيه العاصمتان، واشنطن ولندن، وضعية العلاقات الخاصة التي تجمع الدولتين، في ضوء متغيرات جديدة نتيجة صعود تيار اليمين الشعبوي في الدولتين، وبروز بعض الخلافات بين الدولتين والتي لا يخجل المسؤولون بهما من التطرق إليها علانية، وعلى رأسها فكرة اتفاقية التجارة الحرة بين الدولتين، ومستقبل جمهورية أيرلندا الشمالية.

ومنذ أن قرر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب نقل سفارة بلاده في إسرائيل من تل أبيب للقدس في مايو/أيار عام 2018، لم تحذ إلا 3 دول هامشية في مكانتها وبعلاقتها بقضايا الشرق الأوسط، حذو واشنطن وتنقل سفاراتها لدى إسرائيل إلى القدس، وهي كوسوفو وهندوراس وغواتيمالا.

ومن شأن قيام بريطانيا بنقل سفارتها إلى القدس إسعاد اليهود الأميركيين بصفة عامة، إلا أن ارتباط بريطانيا التاريخي بالصراع العربي الإسرائيلي، وتبنيها مواقف مغايرة للموقف الأميركي من الصراع، دفع بالمحللين إلى التساؤل حول هذه الخطوة، خاصة في ظل عدم وجود أهداف واضحة تجنيها لندن من وراء هذه الخطوة.

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب نقل سفارة بلاده في إسرائيل إلى القدس عام 2018 (الأوروبية)

تحول أيديولوجي نحو اليمين

وفي حديث مع الجزيرة نت، أشار المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأميركية، ولجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ غريغوري أفتانديليان إلى أن قرار رئيسة الوزراء البريطانية يرجع إلى عاملين اثنين، موضحا أن العامل الأول هو رغبتها في التمييز بين حزب المحافظين وحزب العمال، خاصة وأن حزب العمال أصبح ينتقد بشدة السياسات الإسرائيلية في العقدين الماضيين. ويعني ذلك حشد المزيد من الدعم من الجالية اليهودية البريطانية للمحافظين.

وأضاف أن السبب الآخر يرجع إلى التحول الأيديولوجي الحقيقي بين الأحزاب المحافظة في أوروبا وأميركا باتجاه أن تصبح أكثر تأييدا لإسرائيل من أسلافهم المحافظين. وعلى سبيل المثال، كان الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب أكثر تأييدا لإسرائيل من إدارة جورج بوش الأب الجمهورية.

من جانبه، أشار السفير ديفيد ماك، مساعد وزير الخارجية الأسبق لشؤون الشرق الأوسط، والخبير حاليا بالمجلس الأطلسي، إلى أنه يشك كثيرا في أن يكون الرئيس جو بايدن داعما للمملكة المتحدة، أو غيرها من الدول على القيام بذلك.

وقال السفير ماك -الذي سبق له العمل كدبلوماسي في قنصلية بلاده بالقدس- في حديث للجزيرة نت، إنه “حتى ترامب سأل كوشنر عما تحصل عليه أميركا من إسرائيل مقابل نقل السفارة إلى القدس، ورد كوشنر بأن إسرائيل ستجد طريقة ما لمكافأتنا، لكنهم لم يفعلوا ذلك أبدا”.

في حين أشار أفتانديليان إلى أن “إدارة بايدن لم تكن مؤيدة لخطوة نقل السفارة الأميركية إلى القدس والتي اتخذتها إدارة ترامب، لكنها قررت عدم معارضته وقبولها كصفقة محسومة. وقبل أن يتخذ ترامب هذه الخطوة، ربما اعتقد فريق بايدن أنه يمكن أن يستخدم قرار نقل السفارة في المستقبل كوسيلة للضغط على إسرائيل لتقديم بعض التنازلات في عملية السلام، لكن هذا الخيار قد مر أوانه الآن”.

بايدن لن يعارض

واعتبر أفتانديليان -في حديثه للجزيرة نت- أنه “قد يكون هناك الكثير من عدم التأييد بين مسؤولي إدارة بايدن لمضي الدول الأوروبية قدما في نقل سفاراتها إلى القدس، وذلك مرة أخرى كي يتم استخدامها كنقطة ضغط على الإسرائيليين، لكنهم لن يعارضوا قرار رئيسة الوزراء البريطانية بنقل السفارة البريطانية للقدس إذا قررت هي وحكومتها القيام بذلك. وبعد كل شيء، سوف يكون من الغباء إذا انتقدوا تراس لشيء فعلته الولايات المتحدة بالفعل، حتى لو تم القيام به من قبل الإدارة السابقة وليس من جانبهم”.

في حين ذهب السفير ماك إلى القول “إن أفضل خطوة يمكن لإدارة بايدن القيام بها الآن هي تأسيس بعثة دبلوماسية أميركية للفلسطينيين في القدس الشرقية لتحقيق التوازن، ثم حث الجانبين على التفاوض على نوع من الحصة السياسية المشتركة لجعل القدس عاصمة للسلام في المنطقة الواقعة بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن”.

وتوقع السفير ماك أن تحظى مثل هذه الخطوة “بتأييد الجامعة العربية أيضا، باعتبار أن الخطوة يمكن أن تكون طريقا خلفيا للعودة إلى مبادرة السلام السعودية الذي أيدتها الدول العربية، ورحبت بها واشنطن، وتجاهلتها إسرائيل”، مؤكدا في الوقت نفسه أن “فكرة حل الدولتين ليست ميتة لا في إسرائيل ولا في الولايات المتحدة”.

وفي حديث مع الجزيرة نت، أشار مارتن إنديك السفير الأميركي الأسبق لدى إسرائيل، والمبعوث الأميركي الخاص للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، إلى أنه لا يعتقد أن “إدارة بايدن ركزت حتى الآن أو التفتت لهذه الخطوة البريطانية المزمعة”.

وقال إنديك إن “الرئيس بايدن لم يتراجع عن قرار الرئيس ترامب بنقل السفارة الأميركية للقدس، وأشك في أنه قبل الانتخابات النصفية، التي تجري الشهر المقبل، يريد أن ينظر إليه على أنه يحاول إيقاف ليز تراس بشأن قضية تهم كثيرا اليهود الأميركيين، الذين هم بالأساس يصوتون تقليديا وبأغلبية كبيرة للحزب الديمقراطي”.

وختم إنديك حديثه بأن “إدارة بايدن قد تبعث برسالة مفادها أنه في وقت تشهد فيه القدس تقلبات وتوترات شديدة، سيكون من الأفضل عدم القيام بهذه الخطوة الآن، ولكن إذا فعل بايدن ذلك، أعتقد أنه سيتم على مستوى أدنى، ربما عن طريق سفيرنا في لندن، حتى لا تكون بصمات بايدن واضحة في الحالة”.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.