إذا تم العثور على نفس الدائرة العصبية في البشر، فإن هذا البحث قد يقدم معلومات عن علاجات للحالات الطبية المرتبطة بحالات مثل الصداع النصفي واضطراب ما بعد الصدمة واضطراب طيف التوحد

الخوف هو إحساس فطري لدى جميع الكائنات الحية، وهو أحد الأسباب الرئيسية للبقاء، حيث يقوم الدماغ بترجمة المدخلات الحسية من سمع وبصر وشم إلى إحساس بالخوف مما تترتب عليه ردود أفعال من شأنها الحفاظ على حياة الكائن الحي، ورغم أهمية الشعور بهذا الخوف فإنه يرتبط بالعديد من الاضطرابات.

آلية الإحساس بالخوف

حتى الآن لم يكن العلماء متأكدين من طريقة عمل آلية توليد الخوف هذه، إلا أن بحثا جديدا نشره علماء من معهد “سالك” للدراسات البيولوجية (SALK) بولاية كاليفورنيا الأميركية في دورية “سِل ريبورتس” (Cell Reports) في 16 أغسطس/آب الجاري كشف عن مسار جزيئي يعالج مشاهد وأصوات وروائح التهديد ويدمجها في رسالة واحدة.

فقد اكتشف الباحثون أن جزيئا يسمى “سي جي آر بي” (CGRP) يمكّن الخلايا العصبية في منطقتين منفصلتين من الدماغ من تجميع إشارات التهديد الحسية في إشارة موحدة، ووسمها بأنها سلبية ونقلها إلى اللوزة الدماغية، التي بدورها تترجم الإشارة إلى خوف.

ويشير البيان الصحفي الذي نشر على موقع سالك أن معظم التهديدات الخارجية تتضمن إشارات متعددة الحواس، مثل الحرارة والدخان ورائحة حرائق الغابات، وقد أظهرت الأبحاث السابقة أن المسارات المختلفة تنقل بشكل مستقل إشارات تهديد الصوت والبصر واللمس إلى مناطق متعددة من الدماغ، إلا أن وجود مسار واحد يدمج كل هذه الإشارات سيكون مفيدا للبقاء، ولكن لم يعثر أحد على مثل هذا المسار قبل ذلك.

الخلايا العصبية يتم تنشيطها عن طريق الإشارات الحسية السلبية من جميع الحواس الخمس (سل ريبورتس)

نظام إنذار مبكر عبر إشارات مجمعة

يقول كبير الباحثين سونغ هان، الأستاذ المساعد في مختبرات مؤسسة كلايتون لبيولوجيا الببتيد في البيان الصحفي إن “مسار الدماغ الذي اكتشفناه يعمل مثل نظام الإنذار المركزي. لقد كنا متحمسين لاكتشاف أن الخلايا العصبية سي جي آر بي يتم تنشيطها عن طريق الإشارات الحسية السلبية من جميع الحواس الخمس، البصر والسمع والذوق والشم واللمس. ويوفر تحديد مسارات التهديد الجديدة نظرة ثاقبة في علاج الاضطرابات المرتبطة بالخوف”.

ويشرح هان على صفحته في موقع سالك “تماما كما هو الحال مع تقنية أمان المنزل أو السيارة، يمكن للنظام البيولوجي أن يتعطل ويولد إنذارات خاطئة. ترتبط فرط الحساسية للمنبهات الحسية الطبيعية بالاضطرابات العصبية والنفسية، مثل اضطراب ما بعد الصدمة واضطرابات الهلع واضطراب القلق واضطراب الألم المزمن والفصام واضطرابات طيف التوحد. ولا يزال الكثير غير معروف حول كيفية عمل نظام الإنذار في الدماغ، ويرجع ذلك أساسا إلى نقص الأدوات المناسبة التي تظهر دوائر عصبية معينة مسؤولة عن السلوكيات”.

وقد أظهرت الأبحاث السابقة أيضا أن اللوزة الدماغية، التي تبدأ الاستجابات السلوكية وتشكل ذكريات الخوف للمنبهات البيئية والعاطفية، تتلقى مدخلات حسية قوية من مناطق الدماغ المحملة بالببتيد العصبي سي جي آر بي (وهو الببتيد المرتبط بجين الكالسيتونين) المرتبط بشعور النفور، حيث يقول الباحث الأول المشارك شيجيا ليو في البيان الصحفي، وهو طالب دراسات عليا في مختبر هان “قد تولد هذه الدوائر استجابات سلوكية مناسبة وتساعد في تكوين ذكريات منفرة لإشارات التهديد”.

الباحثون حددوا المسار الذي سلكته الإشارات بعد مغادرة المهاد وجذع الدماغ باستخدام بروتينات فلورية ملونة (معهد سالك)

قام الفريق خلال تجاربهم بتسجيل نشاط الخلايا العصبية “سي جي آر بي” باستخدام تصوير الكالسيوم أحادي الخلية أثناء تقديم إشارات تهديد متعددة الحواس للفئران، الأمر الذي مكّن الباحثين من تحديد أي الطرق الحسية التي ترتبط بمجموعات الخلايا العصبية، وحددوا المسار الذي سلكته الإشارات بعد مغادرة المهاد وجذع الدماغ باستخدام بروتينات فلورية ملونة مختلفة، كما أجروا اختبارات سلوكية لقياس الذاكرة والخوف.

ذكريات سلبية وعلاجات واعدة

يذكر البيان الصحفي أن النتائج التي توصلوا إليها مجتمعةً تُظهر أن مجموعتين متميزتين من خلايا “سي جي آر بي” العصبية -واحدة في المهاد، وواحدة في جذع الدماغ- تتجه إلى مناطق غير متداخلة من اللوزة الدماغية، وتشكل دائرتين متمايزتين، حيث تقوم كلتا المجموعتين بترميز المشاهد والأصوات والروائح والأذواق واللمسات التي تشكل تهديدا من خلال التواصل مع شبكات الدماغ المحلية، وقد توصلوا إلى أن كلتا الدائرتين ضروريتان لتكوين ذكريات منفرة – من النوع الذي يخبرك، “ابق بعيدا”.

يقول هان “بينما تم استخدام الفئران في هذه الدراسة، فإن مناطق الدماغ نفسها أيضا تُعبِّر بكثرة عن سي جي آر بي في البشر. ويشير هذا إلى أن الدوائر المذكورة هنا قد تكون متورطة أيضا في الاضطرابات النفسية المتعلقة بإدراك التهديد”.

الباحثون يأملون في استخدام أدوية لتخفيف ذكريات التهديد في فرط الحساسية الحسية في مرضى التوحد (معهد سالك)

ويأمل الباحثون في دراسة الكيفية التي تشارك بها إشارات “سي جي آر بي” في هذه الدوائر في تكوُّن الاضطرابات التي تنطوي على محفزات متعددة الحواس، مثل الصداع النصفي واضطراب ما بعد الصدمة واضطراب طيف التوحد.

يقول المؤلف المشارك الأول سوكجاي جوشوا كانغ، زميل ما بعد الدكتوراه في مختبر هان “لم نختبرها بعد، لكن الصداع النصفي قد ينشط أيضا الخلايا العصبية سي جي آر بي في المهاد وجذع الدماغ”.

ويكمل كانغ قائلا “تم استخدام الأدوية التي تمنع سي جي آر بي لعلاج الصداع النصفي، لذلك آمل أن تكون دراستنا هذه بمثابة نقطة ارتكاز لاستخدام هذا النوع من الأدوية في تخفيف ذكريات التهديد في اضطراب ما بعد الصدمة، أو فرط الحساسية الحسية في التوحد أيضا”.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.