حتى عهد قريب جدا، كانت النساء في نظر الكثيرين حول العالم أحد نوعين لا ثالث لهما، إما جميلات وغبيات، وإما ذكيات لكنهن غير جميلات، وفي الحقيقة فإن هذه النظرة النمطية لنصف بني البشر استمرت مدة طويلة جدا من الزمن، وربما ما زالت سائدة على استحياء في بعض المناطق والبلدان.

ففي عالم يتحكم فيه الرجال لم يكن في الإمكان تصور امرأة جميلة وذكية في الوقت ذاته.. هنا نستعرض لكم بعضا من أهم الابتكارات والاختراعات العلمية التي كانت وراءها النساء.

 

هيدي لامار كانت وراء اختراع تقنية “واي فاي” وهي ممثلة وصفت بأنها أجمل امرأة في العالم عام 1933 (الصحافة الأميركية)

هيدي لامار

في عام 1933، وصف المدير العام لشركة “إم جي إم” (MGM) للإنتاج السينمائي لويس بي ماير إحدى الشابات في أحد أفلامه بأنها أجمل امرأة في العالم، وكان هذا أكبر مديح من الممكن أن تناله امرأة في ذلك الوقت.

ولكن كان هناك امرأة واحدة، وفي هوليود أيضا بل ومن ممثلات شركة “إم جي إم” كسرت هذه النظرة النمطية تماما، وحوّلتها إلى مقولة تثير السخرية لا أكثر، كانت تلك هي الممثلة ذات الأصل النمساوي هيدي لامار، فقد كانت جميلة بشكل مذهل، ولكن الأهم من جمالها الفائق كانت عبقريتها.

فلم تكن لامار ذكية فقط، بل عبقرية بكل ما تعني الكلمة من معنى، وكانت معجزة في واحد من أصعب العلوم وهو علم الرياضيات، وكانت متفوقة في العلوم، وقد ساهمت أبحاثها العلمية في اختراع “واي فاي” (WIFI) وتقنية “بلوتوث” (Bluetooth).

ويرى كثير من العلماء أنها المخترع الحقيقي لجهاز الهاتف المحمول، الذي سجلته في أميركا، كما أنها سجلت اختراعا آخر وهو الأهم وهو “نظام الاتصال السري” (secret communication system) المخصص لتحريك الطوربيدات باللاسلكي، وقد أتتها هذه الفكرة الملهمة عندما تزوجت رجلا يبيع السلاح ويعمل في طوربيدات الغواصات، إذ إنها تزوجت 6 مرات خلال حياتها الحافلة، وكان هذا الاختراع أساس الاتصالات اللاسلكية المستخدمة في الهواتف المحمولة والوصول إلى الإنترنت اللاسلكي فائق السرعة الذي نتعامل به اليوم.

قد يعتقد البعض أن هذه الممثلة العالمة المخترعة كانت استثناء، ولكنها ليس كذلك، فالعالم مليء بالنساء الذكيات اللواتي تدين لهن البشرية بالكثير، فلولاهن لما وصلت الحضارة إلى ما وصلت إليه اليوم من تطور وتقدم وازدهار.

Kizzmekia S. Corbett Kizzmekia S. Corbett was honored by The Franklin Institute in 2021.
كيزميكيا كوربيت (الصحافة الأميركية)

كيزميكيا كوربيت

في بداية عام 2020 انتشر الرعب في العالم، وكان هذا الرعب يسمى “كوفيد-19″، فيروس رهيب أصاب مئات الملايين من البشر وتسبب في وفاة الملايين منهم خلال فترة وجيزة من الزمن.

توقفت الحياة بسبب كورونا أو كادت، أغلقت المصانع والمعامل والمزارع، وحُجر الناس في بيوتهم ومنازلهم لشهور طويلة، وتوقفت التجارة وانهار الاقتصاد، وأفلست شركات ومؤسسات ضخمة، وسقط ملايين من البشر بين براثن البطالة والفقر.

وسط هذا البؤس تطل امرأة تبلغ من العمر 34 عاما اسمها كيزميكيا كوربيت لتكون وراء تطوير واحد من أوائل اللقاحات الفعالة، لقاح معترف به دوليا ضد الفيروس الرهيب، وذلك بعد أقل من عام من انتشار الفيروس، وهو اللقاح الذي أخذ يعرف على نطاق واسع باسم “موديرنا” (Moderna).

وكوربيت هي عالمة أميركية من أصول أفريقية، قادت فريقا من الباحثين في مركز اللقاحات التابع للمعهد الوطني للصحة في أميركا (National Institutes of Health)، حيث كانت مفتاح النجاح والأمل الذي أنقذ حياة ملايين البشر.

وفي هذا السياق يقول رئيس المعهد الوطني الأميركي للحساسية والأمراض المعدية أنتوني فوسي “اللقاح الذي نتناوله طورته امرأة أميركية من أصل أفريقي، وهذه مجرد حقيقة”. كما ذكرت منصة “وومان إس إي نيوز” (women senews) مؤخرا.

قبل الوباء كانت كوربيت جزءًا من فريق بحث علمي في المعهد الوطني للصحة، حيث ركزت أبحاثها على فيروسات كورونا الأخرى، وقد كان لهذه الأبحاث الأولية دور محوري كبير في السرعة التي تم التوصل فيها إلى اللقاح المضاد لفيروس كوفيد-19.

كوربيت ليست عالمة وباحثة مشهورة فقط، بل هي نشطة في الدفاع عن حقوق الأقليات الصحية، وخلال فترة صعبة للغاية في تاريخ البشرية الحديث كانت كوربيت منارة للأمل ومصدر إلهام للعلماء في المستقبل.

 

Katharine Bur Blodgett الصحافة الأمريكية
كاثرين بور بلودجيت حصلت على 8 براءات اختراع خلال حياتها (الصحافة الأميركية)

كاثرين بور بلودجيت

شهادة الدكتوراه في الفيزياء لم تكن سوى البداية، فقد حصلت كاثرين بور بلودجيت (1898-1979) على 8 براءات اختراع خلال حياتها، ولعل أبرزها ابتكارها “الزجاج المضاد للانعكاس” (anti-reflective glass)، الذي طوّرته أثناء عملها في شركة “جنرال إلكتريك” (General Electric).

يعكس الزجاج العادي جزءا كبيرا من الضوء، لكن بلودجيت اكتشفت أنه باستخدام طبقات رقيقة جدا من مادة خاصة تعمل كطلاء يمكنها تمرير 99% من الضوء عبرها، وقد حصلت على براءة اختراع لهذه الطريقة في عام 1938، التي كانت لفترة طويلة هي الطريقة الوحيدة للحصول على زجاج شفاف.

يستخدم اختراعها الآن في صناعة النظارات والكاميرات والتلسكوبات وزجاج الواجهات وأجهزة الحاسوب وشاشات التلفزيون، حسب ما ذكرت منصة “بي بي في إيه أوبن ميند” (BBVA openmind).

قبل اختراعها الكبير، وحين كانت تبلغ من العمر 21 عاما فقط، كانت قد أجرت أبحاثا حول التركيب الكيميائي لأقنعة الغاز، وذلك في ذروة الحرب العالمية الأولى. وقررت بلودجيت أن جزيئات الكربون يمكن أن تمتص جميع الغازات السامة تقريبا من الأسلحة الكيميائية في ذلك الوقت، مما ساعد في تحسين الأقنعة خلال الحرب العالمية الثانية، وأنقذ عملها الكثير من الأرواح.

Sarah Breedlove Walker الصحافة الأمريكية
تعد سارة بريدلوف أول مليونيرة عصامية في الولايات المتحدة (الصحافة الأميركية)

سارة بريدلوف

كانت سارة بريدلوف أول طفلة في عائلتها ولدت بعد إعلان التحرر، وستصبح بعد سنوات قليلة أول مليونيرة عصامية في الولايات المتحدة.

تزوجت في سن الـ20، وكانت تعمل خادمة تغسل الملابس عندما أدركت أنها والعديد من النساء السوداوات يعانين من تساقط الشعر وأمراض فروة الرأس بسبب المكونات القاسية في منتجات الشعر، وعلى مدى عدة سنوات، طوّرت خطها الخاص من منتجات العناية بالشعر المصممة خصيصا لشعر الأميركيين من أصل أفريقي، وقد أعطت منتجاتها علامة تجارية خاصة بها باسم “مدام سي جيه والكير” (Madam C.J.Walker)، وقد تم اختيار هذا الاسم عمدا لاستحضار الفخامة الباريسية.

ولم تكتف بهذا، بل أنشأت أيضا كلية لتدريب “خبراء الشعر”، مما خلق فرص عمل جديدة لآلاف الأميركيات من أصل أفريقي. ومع نمو ثروتها ونفوذها، أصبحت سيدة مؤثرة في القضايا الاجتماعية والسياسية، وقدمت تبرعات للمدارس ودور الأيتام ودور التقاعد للأميركيين من أصل أفريقي.

وفي الحقيقة فإن إرثها وفكرها هو إرث المثابرة، وما زال صدى جملتها الشهيرة يتردد في جميع أرجاء العالم حين قالت “إذا كنت قد أنجزت أي شيء في هذه الحياة، فذلك لأنني كنت على استعداد دائم للعمل بجد”، حسب ما ذكرت منصة “مايتي جيرل” (amighty girl).

Ada Lovelace المصدر: الصحافة البريطانية
آدا لوفليس أظهرت موهبتها في العلوم الرياضية بشكل مبكر منذ سنوات طفولتها الأولى (الصحافة البريطانية)

آدا لوفليس

آدا لوفليس هي ابنة الشاعر الإنجليزي المشهور اللورد بايرون وزوجته آنا إيزابيلا بايرون، وقد ولدت في ديسمبر/كانون الأول 1815، وظهرت موهبتها في العلوم الرياضية بشكل مبكر منذ سنوات طفولتها الأولى حيث كانت مغرمة بحل المسائل الرياضية.

وقادتها مواهبها الرياضية إلى علاقة عمل طويلة وصداقة مع عالم الرياضيات البريطاني تشارلز باباج، المعروف أيضا بـ”أبي الحاسوب”، وقد عمل باباج بشكل خاص على “المحرك التحليلي” (Analytical Engine)، وهو جهاز معقد لم يتم إنشاؤه على أرض الواقع، ولكنه يشبه إلى حد كبير الحاسوب الحديث.

كتبت آدا لوفليس أول خوارزمية لآلة في القرن الـ19، وتعد أول مبرمجة حاسوب في العالم. ونشرت مقالا يشرح بالتفصيل كيف يمكن إنشاء رموز للآلات، بالإضافة إلى مفهوم برمجة الحاسوب المعروف باسم “لوبينغ” (looping)، وهو رمز يكرر سلسلة من التعليمات. وكانت مقالاتها غير معروفة إلى حد كبير حتى الخمسينيات من القرن الماضي.

وقد فازت منذ ذلك الحين بالعديد من التكريمات بعد وفاتها، ويتم الاحتفال بيوم الثلاثاء الثاني من أكتوبر/تشرين الأول من كل عام باعتباره “يوم آدا لوفليس”.

نساء ناسا

لدى وكالة الفضاء الأميركية “ناسا” (NASA) عدة بعثات للإشراف على استكشاف الفضاء، اثنتان منها تحظيان باهتمام دولي كبير بعثتا للمريخ والمشتري، حيث تعمل هذه البعثات على زيادة فهم نظامنا الكوكبي بشكل كبير، وتؤدي إلى مزيد من استكشاف الفضاء.

وتلعب النساء أدوارا قيادية بارزة في كل منهما. وفي الواقع، ولأول مرة في تاريخ ناسا، تتولى النساء مسؤولية 3 من أصل 4 أقسام علمية في الوكالة، وهي أقسام علوم الأرض والفيزياء الشمسية وعلوم الكواكب.

Vandi Verma الصحافة الأمريكية
فاندي فيرما مشغلة المسبار المتجول التابع لوكالة ناسا، تأمل أن تُلهم الشخصيات النسائية البارزة (الصحافة الأميركية)

 

وتأمل فاندي فيرما، مشغله المسبار المتجول التابع لوكالة ناسا، أن تُلهم الشخصيات النسائية البارزة في آخر مهمة إلى المريخ “جيلا جديًا لمتابعة الوظائف في قطاع يهيمن عليه الرجال تقليديا”.

Swati Mohan | Supervisor for Guidance, Navigation, and Control Systems – NASA Solar System Exploration
سواتي موهان جذبت الأنظار عالميا بعد سردها الهبوط المحفوف بالمخاطر عبر الغلاف الجوي المريخي (الصحافة الأميركية)

وتصدرت زميلتها سواتي موهان عناوين الصحف في جميع أنحاء العالم، وذلك بعد سردها الهبوط المحفوف بالمخاطر عبر الغلاف الجوي المريخي وصولا للكوكب الأحمر حين سمع الملايين من المشاهدين حول الكوكب صوتا أنثويا يعلن “تم تأكيد الهبوط!”. ومنذ ذلك الوقت أصبحت مصدر إلهام للفتيات في جميع أرجاء العالم.

وبعد، فقد لعبت النساء على مدى التاريخ دورا محوريا في تقدم البشرية وازدهارها وتطورها، وما زالت المرأة هي المعلمة الأولى لكل البشر، وستبقى.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.