يمكنك الآن أن تأخذ الخميرة الشائعة، وطابعة ثلاثية الأبعاد، وبعضا من العلوم الذكية، وسيكون لديك نظام غذائي متعدد الاستخدامات صالح لتغذية مسافري الفضاء في المستقبل.

حدد باحثون رؤية لنظام غذائي فضائي يوفر للأطباق طعما وملمسا وروائح وقواما وألونا متنوعة، مكونه الأساسي هو الخميرة، ويساهم في الأمن الغذائي على نحو مستدام، مع إزالة الضغط عن النظم البيئية الطبيعية وتعظيم قدرات إنتاج الغذاء على الأرض وخارجها.

تفاصيل النظام الجديد ظهرت في دراسة نشرت في دورية “نيتشر كومينيكاشنز” (Nature Communications)، بقيادة باحثين من جامعة ماكواري (Macquarie University) الأسترالية، وتم الإعلان عنها في بيان صحفي للجامعة يوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.

نظام غذائي متعدد الاستخدامات

المكوّن الأساسي المستخدم في هذا النظام هو فطر الخميرة (Saccharomyces cerevisiae) الشهير، وهو كائن حي دقيق صالح للأغذية، وتم بالفعل استخدامه لآلاف السنين في الخبز والتخمير وصنع النبيذ.

وبحسب البيان الصحفي للجامعة، يمكنك الآن أن تأخذ الخميرة الشائعة، وطابعة ثلاثية الأبعاد، وبعضا من العلوم الذكية، وسيكون لديك نظام غذائي متعدد الاستخدامات وصالح لتغذية مسافري الفضاء في المستقبل.

خلايا الخميرة مغذية ويمكن إضافة العناصر الغذائية والطعم واللون والملمس لها (غيتي إيميجز)

وخلايا الخميرة مغذية بالفعل، وتحتوي على نسبة كبيرة من البروتين والكربوهيدرات وكميات صغيرة من الدهون ومعظم الأحماض الأمينية الأساسية التي يحتاجها الإنسان من الطعام.

ويمكن هندستها وراثيا حاليا بالعديد من الطرق السهلة والآمنة في آن معا، ويمكن تعزيز فطر الخميرة بشكل أكبر عن طريق إضافة العناصر الغذائية والطعم واللون والملمس.

ويقول المؤلف الرئيسي للدراسة الدكتور برياردو لورينتي، من كلية العلوم الطبيعية في جامعة ماكواري، “إن أفضل نهج للحفاظ على المشاريع الفضائية البشرية الممتدة هو إنتاج الطعام في نفس الموقع”.

نظام إنتاج غذائي ميكروبي

قدّرت الأعمال السابقة أن جميع الفيتامينات والمغذيات الكبيرة اللازمة لنظام غذائي متوازن يمكن أن تطعم 50-100 شخص يوميا من خزان تخمير سعته 3 آلاف لتر، مما يجعل فطر الخميرة مرشحا واعدا لتطوير نظام إنتاج غذائي ميكروبي.

وبدلا من نظام الغذاء المعروف في مسلسلات وأفلام سلسلة ستار تريك (Star Trek) الشهيرة، والذي يتم فيها صنع الطعام عند الطلب، فإن هذا النظام سيشمل استخدام قوة البيولوجيا التركيبية لمنح الخميرة القدرة على إنتاج العناصر الغذائية الشائعة والسمات الحسية للأطعمة الأرضية، مثل النكهات والألوان والروائح والقوام.

يمكن استخدام تقنيات الطباعة الثلاثية الأبعاد لإعداد وجبات مخصصة لرواد الفضاء (نيتشر كومينيكاشنز)

 

وهذا سيجعل من الممكن إنتاج غذاء قائم على الميكروبات مع ملامح حسية وغذائية مرغوبة، ومن الممكن تعديل الغذاء ليتم تقديمه بنكهات وأشكال مختلفة، وبهذه الطريقة يمكنك تخيل إنتاج طعام مماثل للسوشي أو اللازانيا، حيث تقدم كل طبقة لونا وطعما وملمسا مختلفا، أو تحويل المنتج إلى لوح مضغوط يشبه البروتين، طعمه ورائحته تماما مثل الموز.

أنظمة إنتاج طعام مبتكرة أكثر صداقة للبيئة

ويعتقد العلماء أن تقنيات الطباعة الثلاثية الأبعاد للطعام يمكن استخدامها لإعداد وجبات مخصصة لرواد الفضاء، باستخدام خلايا الخميرة المعدلة هذه.

ومن المتوقع أن يساهم النظام الغذائي المبتكر أيضا في الاقتصاد الدائري، حيث لا تترك الأطعمة المصممة هندسيا سوى القليل من النفايات، أو لا تترك أي نفايات للمسافرين عبر الفضاء، مع تعظيم قدرات إنتاج الغذاء خارج الأرض.

ويقول الدكتور لورينتي -في البيان الصحفي للجامعة- “بشكل أساسي، ما نقترحه هو تطوير التكنولوجيا والقدرات التي ستحول الخميرة من كونها الميكروب الأساسي الذي نستخدمه لإنتاج الأطعمة إلى شيء أقوى بكثير يمكن استخدامه في الواقع مصدرا غذائيا كاملا”.

وأضاف “مع مزيد من البحث، يمكننا استخدام البيولوجيا التركيبية لتوحيد الخصائص الحسية والغذائية المتعددة، وتطوير أنظمة إنتاج طعام مبتكرة تكون مستدامة وأكثر صداقة للبيئة”.

الخميرة المهندسة لديها إمكانات هائلة لمعالجة الاستدامة هنا على الأرض (شترستوك)

تحقيق الاستدامة

وفي حين أن الفضاء هو حالة الاستخدام الواضحة لهذا النظام الغذائي الجديد، نظرا لقيود إنتاج الطعام في البيئات الصعبة، يرى الدكتور لورينتي والفريق المشارك معه أن الخميرة المهندسة لديها إمكانات هائلة لمعالجة الاستدامة هنا على الأرض.

وبالإضافة إلى قدرتها على دعم المساعي البشرية الممتدة في الفضاء، يمكن للأغذية المعتمدة على الميكروبات التي تتم هندستها حيويا أن تفتح أيضا فرصا لمعالجة الأمن الغذائي العالمي والتأثير الفوري على صناعة الأغذية على الأرض، لأن تطوير الأطعمة الميكروبية يحمل إمكانات هائلة لمواجهة التحديات أثناء الأزمات والنزاعات.

ويرى الفريق الذي شارك فيه علماء من مركز التميز في علم الأحياء التركيبية التابع لمجلس البحوث الأسترالي، أن مصادر الغذاء المهندسة تكتسب المزيد من الشعبية، وأن هناك سوقا متنامية لزيادة استخدام الخميرة المهندسة في تحقيق الاستدامة.

وينهي لورينتي حديثه بقوله “يمكن لهذه الأطعمة البديلة أن تحل يوما ما بعضا من أكثر مشكلاتنا تعقيدا المتعلقة بالتعامل المستدام مع الأمن الغذائي، مع إزالة الضغط عن النظم البيئية الطبيعية”.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.