يقول الخبراء إن “سي آي إيه” عملت لسنوات في إعداد الأوكرانيين لهذه المعركة، ولكن حتى مع هذا التدريب ومع كل الأسلحة التي ترسلها الولايات المتحدة ودول أخرى، لم يكن الأوكرانيون بنفس القدر من الفعالية بدون الدعم الاستخباراتي المستمر.

واشنطن- شهد الأسبوع الماضي تحولا كبيرا في ساحة المعارك شرق أوكرانيا، حيث اجتاز هجوم مدرّع سريع لقواتها خطوط الدفاعات الروسية واستعادت أكثر من 3 آلاف كيلومتر مربع من الأراضي. وهذه مساحة أكبر مما استولت عليه القوات الروسية في جميع عملياتها بأوكرانيا منذ أبريل/نيسان الماضي.

ولم يمثّل تقرير لصحيفة نيويورك تايمز عن تكثيف كبار المسؤولين الأوكرانيين تبادل المعلومات الاستخباراتية مع نظرائهم الأميركيين، مع بدء الجانب الأوكراني التخطيط لتنفيذ هجومه المضاد ضد القوات الروسية، مفاجأة لعدد من خبراء الشؤون العسكرية الأميركيين.

ولا تتوقف واشنطن عن إمداد الجانب الأوكراني بمعلومات حول مواقع القوات الروسية وأسلحتها الإستراتيجية، وصور للأقمار الصناعية تظهر اتجاهات تحرك الروس، بالإضافة إلى اتصالات تم اعتراضها، ومعلومات أخرى.

وفي الوقت الذي يمتنع فيه المسؤولون الأميركيون عن الإفصاح عن تفاصيل المعلومات التي قدمتها بلادهم لأوكرانيا لشن هجومها المضاد الأخير، تبحث واشنطن عن الطرق التي يمكنها أن تتسبب في هزيمة الجانب الروسي.

آليات عسكرية تخلى عنها الروس بعد هجوم مضاد من القوات الأوكرانية بخاركيف (رويترز)

لأي مدى استفاد الأوكرانيون من المعلومات الاستخبارية الأميركية؟

في حديث مع الجزيرة نت، ذكر الأستاذ بجامعة دارتموث والخبير في السياسة الخارجية الأميركية، البروفيسور وليام وولفورث، أن “كل من المسؤولين الأوكرانيين والأميركيين يؤكدون أهمية المساعدة الاستخباراتية الأميركية التي تتلقاها كييف”.

وسمحت المعرفة العميقة من قبل وكالة الاستخبارات الأميركية “سي آي إيه” (CIA) -بالقدرات العسكرية للقوات الروسية- بتزويد الأوكرانيين بأنواع الأسلحة اللازمة لمكافحة الوحدات المدرعة الروسية المتقدمة، خاصة في بيئة الحرب الحضرية ومناطق الضواحي، مثل صواريخ جافلين المحمولة (أرض جو) أو المضادة للدبابات، والطائرات بدون طيار.

وأضاف وولفورث”من الصعب تخيل ما كان يمكن لأوكرانيا أن تفعله دون مساعدة الولايات المتحدة والغرب. ومع ذلك، أعتقد أن معظم الخبراء العسكريين يتفقون على أن هذا الدعم بالغ الأهمية”.

وفي السياق، يقول جيفري روغ، الأستاذ المساعد في قسم الدراسات الاستخباراتية والأمنية بأكاديمية سيتاديل العسكرية بولاية كارولينا الجنوبية، إن عمل الاستخبارات الأميركية أحد الأسباب التي جعلت أوكرانيا قادرة على مقاومة روسيا.

ووفق روغ، فقد استثمرت الوكالة على مدار سنوات في إعداد الأوكرانيين لهذه المعركة، ولكن حتى مع هذا التدريب ومع كل الأسلحة التي ترسلها الولايات المتحدة ودول أخرى، لم يكن الأوكرانيون بنفس القدر من الفعالية بدون الدعم الاستخباراتي المستمر.

وفي حديث للجزيرة نت، يقول ديفيد دي روش، أستاذ الدراسات الأمنية بجامعة الدفاع الوطني التابعة للبنتاغون، والمسؤول السابق بحلف الناتو ووزارة الدفاع الأميركية، إنه من الواضح أن الولايات المتحدة وحلفاء آخرين يزوّدون أوكرانيا بدعم استخباراتي كبير منذ ما قبل غزو روسيا لأوكرانيا.

وحسب دي روش، لطالما اعتبرت الولايات المتحدة وشركاؤها روسيا أولوية في الجهود الاستخباراتية، وبالتالي -على عكس الصراعات الأخرى- هناك برامج استمرت عقودا تهدف إلى اعتراض الإشارات والمراسلات الروسية، وتطوير تغطية جوية مستمرة للقوات الروسية، ومراقبة وتتبع قدراتها العسكرية، إلى جانب توفير مصادر بشرية داخل القوات الروسية، وأجهزة الدولة ذاتها.

ما المكاسب التي تحققت على أرض الواقع؟

تقول الحكومة الأوكرانية إن انسحاب روسيا من خاركيف نقطة تحول رئيسية في الصراع المستمر منذ أكثر من 6 أشهر، حيث تخلّى آلاف الجنود الروس عن أسلحتهم وذخيرتهم هربا من التقدم الأوكراني.

ووصف بعض الخبراء الغربيين هذا الانسحاب بأنه أسوأ هزيمة للقوات الروسية منذ إجبارها على العودة من أطراف العاصمة كييف في مارس/آذار الماضي.

وقال دي روش “روسيا بلد يعمه الفساد، وسيكون من الطبيعي أن يقدم العشرات من كبار المسؤولين المعلومات لمختلف أجهزة الاستخبارات الغربية. وبلا شك يتم تقديم هذه المعلومات إلى أوكرانيا، وهو ما يسمح لقواتها بتحديد مواقع ونمط تحركات القوات الروسية على طول خط المواجهة، إلى جانب المعلومات الرئيسية كمواقع وحدات الدفاع الجوي، والقدرات اللوجستية الرئيسية، ومراكز القيادة”.

وتمنح المعلومات الاستخبارية الغربية -وفقا لدي روش- الجانب الأوكراني معرفة كبيرة تدفعه للتقدم في المناطق التي من غير المرجح أن تهاجم فيها روسيا، والدفع بقوات أكبر في المناطق التي لا تتمتع بسيطرة روسية قوية “ويبدو أن هذا ما فعلوه في خاركيف”.

ما إمكانية الرد الروسي؟

وحول إمكانية الرد الروسي على الولايات المتحدة، قال البروفيسور وولفورث “هذا النوع من التقارير عن الدعم الاستخباراتي الأميركي الواسع لأوكرانيا يغذي الرواية السائدة في موسكو بأنهم في حالة حرب مع الغرب كله”.

ويضيف وولفورث “إنه يساعد الروس على شرح وتبرير الهزائم غير المتوقعة على يد الأوكرانيين، مثل تلك التي حدثت للتو. وإذا تفحصت وسائل ووسائل الإعلام والتواصل الروسية، يمكنك أن ترى عددا صغيرا من الأصوات التي تدعو للاعتراف بأن الحرب كانت تستند إلى مقدمات خاطئة ويجب النظر في مسار التفاوض لإنهائها، لكن الغالبية العظمى من التعليقات تطالب الحكومة بتصعيد القتال”.

في حين اعتبر المسؤول السابق بحلف الناتو والبنتاغون أن رد الفعل الروسي المتوقع لن يكون مفاجئا لأحد. وأكد أن “موسكو ليست سعيدة بهذه الأخبار، ولكن بما أن حكم بوتين بأكمله يستند إلى ادعاءاته المفترضة كإعادة بناء أمة روسية أكبر، فإنه لا يستطيع الاعتراف بالفشل تماما ولا يمكنه الاعتراف بأن ما يفعله بأوكرانيا حرب فعلية”.

وعليه، يقول دي روش إن بوتين يحافظ على الهدوء وينكر أن أيا من هذه النكسات ذات أهمية. ولكي يعترف بأي فشل -عسكريا أو غير ذلك- فإن حكمه بأكمله سيصبح في موضع تساؤل، على حد تعبير الخبير الأميركي.

وسيحاول بوتين -والكلام مازال لدي روش- شن هجمات لمعاقبة الأوكرانيين، وقد أطلق بالفعل صواريخ على منشآت توليد الكهرباء المدنية “لكن من غير المرجح أن يدعو لتعبئة كاملة للسكان الروس لأن هذا سيكون اعترافا ضمنيا بأن خطته قد فشلت”.

واختتم دي روش بتوقعه احتمال انهيار وحدات كبيرة من الجيش الروسي في أوكرانيا. وقال “وبمجرد معرفة الفوضى طريقها إلى هذه الوحدات، سيبدأ جنودها بتغيير هدفهم ليصبح البقاء على قيد الحياة. وإذا تمكن الأوكرانيون من خلق ديناميكية، يشعر فيها هؤلاء أن خيارهم الوحيد هو الهروب أو الموت بلا مقابل، فقد نشهد انهيارا ملحميا للقوات الروسية في لوغانسك وربما دونيتسك”.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.