لم يكن كثير من التونسيين يثقون في قدرة منتخب بلادهم على التأهل لمونديال قطر 2022، وذلك بعد أداء مخيب لنسور قرطاج في كأس أمم أفريقيا (الكاميرون 2022) انتهى بالخروج من الدور ربع النهائي، وبإقالة المدرب الأول المنذر الكبير واستبعاد عدد من اللاعبين الذين كانوا في وقت ما من الركائز البارزة.

لكن مباراتي تونس ومالي ضمن الدور الحاسم بالتصفيات الأفريقية المؤهلة للمونديال حملت الأخبار السعيدة للتونسيين الذين كانوا يعيشون على وقع أزمة سياسية واقتصادية طاحنة، عندما نجح منتخب تونس في الظفر بورقة التأهل بعد الفوز بهدف دون رد في مجموع المباراتين.

ولم تكن الفرحة العارمة التي غمرت قائد منتخب “نسور قرطاج” يوسف المساكني، بعد ضمان بلوغ النهائيات العالمية، إلا تعبيرا عن تحد صعب وإيفاء بعهد أخذه على نفسه بألا تنتهي مسيرته الكروية إلا بعد تدوين اسمه في سجلات المشاركة في كأس العالم، خصوصا أنه كان قبل 4 سنوات قاب قوسين أو أدنى من بلوغ المونديال لولا إصابة خطيرة حرمته من ذلك وأجبرته على متابعة مونديال روسيا 2018 من المدرجات.

طفولة ملهمة وحالمة

ويعد المساكني، المولود في 28 أكتوبر/تشرين الأول 1990، بمدينة باردو، غرب العاصمة تونس، واحدا من أفضل اللاعبين في تاريخ الكرة التونسية، ومهاجما برزت موهبته الكروية الخارقة منذ الصغر وتحديدا قبل أن يتجاوز العاشرة من عمره عندما بدأ في مداعبة الساحرة المستديرة بمساعدة والده، اللاعب الدولي السابق المنذر المساكني الذي سطع نجمه مع المنتخب أو أندية الأولمبي أو الملعب التونسي والترجي والصفاقسي.

كان لنشأة المساكني وسط عائلة رياضية، بوجود والده وشقيقه الأكبر إيهاب اللاعب الحالي للنجم الساحلي، دور في ظهور موهبته بشكل مبكر ضمن فريق البراعم بنادي الملعب التونسي، مهد البدايات والفريق الرئيسي لأبيه، حيث أبان منذ خطواته الأولى عن مهارات فنية عالية وقدرة خارقة على مداعبة الكرة.

لم يستمر المساكني الذي يروق لجماهير كرة القدم في تونس أن يطلقوا عليه كنية “النمس” (حيوان من فصيلة السموريات) في اللعب مع الناشئين والشباب بالملعب التونسي سوى 5 سنوات، إذ جاءت مسابقة كأس العالم للناشئين  في كوريا الجنوبية 2007 لتشكل منعرجا أول حاسما في مسيرته عندما ساهم بشكل كبير في بلوغ تونس دور الـ 16 بتسجيله 3 أهداف في الدور الأول.

وأصبح اللاعب ذو الـ 17 ربيعا في ذلك الوقت محط أنظار العديد من الأندية، ليتعاقد مع أهلي دبي، لكنه سرعان ما عاد إلى تونس ليوقع في صائفة 2008 أول عقد احتراف في مسيرته في الترجي، أكبر الأندية التونسية، لمدة 5 سنوات.

وحول تلك الفترة، قال المساكني في تصريحات سابقة “كانت رغبتي في الانتقال للترجي كبيرة، أعتقد أنه كان النادي الذي يستجيب لطموحاتي ويحفزني لمواصلة المسيرة وتحقيق ما أصبو إليه، لم أكن أبحث عن المال بل كنت أعشق كرة القدم وأحلم بأن أصبح نجما.”

لم يتأخر ظهور المساكني في الفريق الأول للترجي، إذ لعب يوم 27 سبتمبر/أيلول 2008 أول مباراة بالقميص الأحمر والأصفر أمام أول ناد نشأ فيه (الملعب التونسي) وذلك لحساب الدوري الممتاز.

ونجح اللاعب في فرض نفسه سريعا، وساهم في التتويج بلقب الدوري عام 2009 و2010، ودوري أبطال العرب (2009) قبل أن يتحول إلى أيقونة في الترجي، عندما قاده وهو في عمر 21 عاما للتتويج بدوري أبطال أفريقيا عام 2011 بعد الفوز على الوداد البيضاوي المغربي في النهائي (1 ـ0) قبل أن يدعم مسيرته بالمشاركة مع الأحمر والأصفر في كأس العالم للأندية “اليابان 2011”.

المساكني توج عام 2011 مع الترجي بالدوري والكأس ودوري أبطال أفريقيا بجانب المشاركة بمونديال الأندية باليابان (غيتي)

وفي العام ذاته، كان للمساكني مساهمة فعالة في تتويج ناديه بلقبي الدوري والكأس المحليين محققا ثلاثية تاريخية، أضاف إليها لقب الدوري موسم 2011 ـ 2012 كما بلغ في العام ذاته نهائي دوري أبطال أفريقيا، وخسر الترجي اللقب أمام الأهلي المصري.

أما على الصعيد الشخصي، فقد توج بالحذاء الذهبي كأفضل هداف للدوري عام 2012 برصيد 17 هدفا، كما تم اختياره أفضل لاعب كرة قدم تونسي لسنة 2012.

ألقاب وإصابات وأزمات

وفي ديسمبر/كانون الأول 2012، انتقل المساكني إلى نادي لخويا القطري بصفقة قياسية ناهزت 23 مليون دينار تونسي (نحو 16 مليون دولار) وهي أغلى صفقة في تاريخ التنقلات بين الأندية العربية.

وبعد شهرين، وفي يناير/كانون الثاني 2013، سجل أول أهدافه مع لخويا وتحديدا في شباك الوكرة، وفي نهاية موسم 2012 ـ 2013، قاد المساكني لخويا للتتويج بلقب كأس أمير قطر بعد تسجيله الهدف الثالث لفريقه أمام السد في النهائي (3 ـ2).

ورغم مرور تجربته في الملاعب القطرية بفترات صعبة ناتجة عن تلاحق إصاباته، فإن المساكني كان مساهما بشكل كبير في تتويج لخويا الذي أصبح منذ العام 2017 يحمل اسم الدحيل بعديد الألقاب من بينها لقب دوري نجوم قطر في 5 مناسبات بين 2014 و2019 وكأس الأمير في 3 مناسبات وكأس السوبر مرتين عام 2015 و2016.

كانت الإصابات العدو الأكبر للمساكني طوال مسيرته الكروية وحدت في كثير من الأحيان من جاهزيته وتألقه، وهو ما دفع الدحيل لإعارته لمدة 6 أشهر لفريق “أوبن” البلجيكي الناشط بالدرجة الثانية في يناير/كانون الثاني 2019 وذلك بعد إصابته بالرباط الصليبي مما دفع مدربه الفرنسي التونسي صبري اللموشي آنذاك إلى مطالبته بالبحث عن فريق آخر.

كانت تلك التجربة الخاطفة علامة على مرور المهاجم التونسي بأصعب فترة في مسيرته مع الأندية، قبل أن يجدد العهد مع الدحيل منطلق موسم 2019 ـ2020 ويستمر معه بخطوات متعثرة حتى مطلع العام 2021 عندما انتقل معارا للنادي العربي الذي يحمل ألوانه حتى الآن.

مسيرة المساكني في الدوري القطري تخللتها الإصابات لكن موهبة اللاعب كان فارقة في استعادة مستواه اللافت بقميص النادي العربي (غيتي)
مسيرة المساكني بالدوري القطري تخللتها الإصابات لكنه استعاد بريقه بقميص العربي (غيتي)

وشهدت مسيرة اللاعب التونسي مع النادي العربي انتفاضة جديدة، إذ إن موهبته الكروية -التي كانت دوما شفيعا له للاستمرار في العطاء- ساعدته على إعادة اكتشاف نفسه في ملاعب الدوري القطري عندما ساهم بشكل فعال في تحقيق نتائج باهرة دفعت إدارة النادي لتمديد إعارته لموسم إضافي.

مونديال قطر حلم يتحقق

ومثلما كان الشأن مع الأندية، بدأت مسيرة المساكني مع منتخب تونس مبكرا في عمر الـ 19 حيث وجه له مدرب المنتخب فوزي البنزرتي الدعوة لأول مرة لعب مباراة بين غامبيا في يناير/كانون الثاني  2010.

وفي 25 فبراير/شباط 2011 توج مع “نسور قرطاج” بلقب كأس أفريقيا للاعبين المحليين عام 2011 بعد الفوز على أنغولا في النهائي (3 -0).

ورغم الانتقادات بالمجاملة الموجهة في كثير من الأحيان لمدربي منتخب تونس واتحاد الكرة، كانت بصمة المساكني على أداء “نسور قرطاج” وانتصاراته دوما حاضرة، ففي كأس أمم أفريقيا 2012، كان وراء تحقيق تونس فوزا باهرا على المغرب (2 ـ1) لتضمن المرور للدور الثاني، وفي النسخة الموالية (عام 2013) سجل هدفا رائعا في شباك الحارس رايس مبولحي في الدقيقة الأخيرة من لقاء الجزائر في افتتاح مباراتيهما بكأس الأمم ليفجر بركانا من الفرحة في مدرجات المنتخب.

وفي النسخة الماضية من بطولة أفريقيا التي أقيمت في الكاميرون، لم يكن المنتخب التونسي يملك حظوظا كبيرة لتجاوز دفاع نيجيريا في ثمن النهائي، لكن المساكني ظهر فجأة ليخترق كامل الدفاع النيجيري ويسجل هدفا حاسما قاد به النسور للدور ربع النهائي (1 ـ0).

كما ساهم اللاعب خلال أكتوبر/تشرين الأول في فوز المنتخب بنتيجة 4-1 وتسجيل “هاتريك” في شباك منتخب غينيا، وضمنت بلاده منطقيا التأهل لمونديال روسيا 2018. علما بأنه كان هداف التصفيات الأفريقية برصيد 8 أهداف.

لكن أبريل/نيسان 2018، أي قبل شهرين من المشاركة بالمونديال، شهد تعرض اللاعب لإصابة خطيرة في الأربطة المتقاطعة حكمت عليه بالغياب في حادثة قال عنها المساكني إنها “أسوأ ذكرى في مشواري الكروي” وهو ما وجه صدمة لجماهير المنتخب.

وبعد غياب استمر أكثر من 7 أشهر، جدد المساكني العهد مع “نسور قرطاج” وخاض كأس العرب للمنتخبات “قطر 2021” ونهائيات كأس الأمم نسخة 2019 في مصر ثم 2022 في الكاميرون، ليصبح أول لاعب تونسي يشارك في 7 دورات أممية  بين 2010 و2022.

ولم ينقطع أمل المساكني في تتويج مشواره مع “نسور قرطاج” بالمشاركة في كأس العالم، إذ واصل المسيرة بنجاح في تصفيات القارة ليقود تونس يوم 29 مارس /آذار الماضي للتأهل لمونديال قطر 2022 للمرة الأولى بالنسبة إليه والسادسة لتونس، وهو ما اعتبره اللاعب حلما تحقق وإنجازا كان ينقص مسيرته الرياضية وفق قوله.

وفي حوار لقنوات بي إن سبورتس، اعتبر المساكني أن اللعب في دوري قطر والعيش في هذا البلد لمدة سنوات سيكونان عاملا مساعدا له على التألق وقيادة تونس لتحقيق نتائج لافتة بمونديال العرب 2022.

وقال المساكني “سندافع عن حظوظنا في المونديال، نعرف جيدا مكانة المنتخبات المنافسة وخاصة فرنسا حاملة اللقب، نحن عازمون على التأهل للدور الثاني رغم أن المهمة لا تبدو سهلة”.

وفي انتظار مشاركته في كأس العالم، يملك المساكني أكبر عدد من المباريات الدولية للاعبين الذين لا يزالون على قيد النشاط برصيد 87 مباراة سجل فيها 17 هدفا.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.