“كل الروس الأغبياء ماتوا”، هكذا صرح مسؤولون أوكرانيون يوليو/تموز الماضي وهم يحاولون إيجاد تفسير للأسباب التي دعت الجيش الروسي للتخلي عن إستراتيجيته المفرطة في الطموح والتكتيكات الرديئة التي اتسم بها سلوكه في الأسابيع الأولى للحرب.

ولعل من السابق لأوانه -كما يقول باري بوسين أستاذ العلوم السياسية في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا- أن يلجأ الأوكرانيون للسخرية والاستهزاء بالجيش الروسي.

ويقر بوسين بأن الروس قاموا بأفعال كثيرة غبية، وما برحوا يفعلون ذلك، وبدا الآن أن حدس الأوكرانيين في الصيف صحيح بشكل عام. ويبدو كذلك أن موسكو أصبحت أكثر ذكاء.

ويرى الأكاديمي الأميركي -في مقال له بمجلة “فورين أفيرز” (Foreign Affairs) الأميركية- أن القرارات الإستراتيجية التي اتخذتها روسيا بدت أخيرا منطقية من الناحية العسكرية؛ فالتعبئة الجزئية لجنود الاحتياط التي أمر بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سبتمبر/أيلول الماضي كان لها الأثر في تعزيز القوات الروسية في جبهة القتال.

فالقصف المكثف على منشآت البنية التحتية الأوكرانية في مجال الطاقة أجبر أوكرانيا وحلفاءها على تحويل الموارد نحو الدفاع عن سكان المدن في البلاد، المعرضين لطقس الشتاء القارس في ظل انعدام الكهرباء.

والأمر الأكثر إثارة للقلق في حملة القصف الروسية -بنظر بوسين- هو أن موسكو تعرف ما تفعله؛ فالروس يضربون عددا صغيرا من الأهداف بأسلحة قليلة نسبيا تُحدث تأثيرات كبيرة.

ومع أن المسؤولين الأميركيين والبريطانيين توقعوا أن الجيش الروسي سوف يستنفد إمداداته من الذخيرة، فمن الواضح أنه وجد إمدادات من الذخيرة في مكان ما، وفق المقال. وتشير حملة روسيا التي نُفذت بشكل جيد إلى أن قواتها الجوية -التي لم تحقق نجاحا يُذكر حتى الآن في ما يتعلق بمهاجمة القوات البرية الأوكرانية- قد تعلمت من أخطائها السابقة.

كما أسهم انسحاب القوات الروسية من مدينة خيرسون نوفمبر/تشرين الثاني الماضي في إنقاذ الوحدات المقتدرة من الدمار وتحريرها للعمل في أماكن أخرى.

وعزا بوسين النجاحات التي أحرزتها أوكرانيا في وقت سابق -مثل تحرير الأراضي داخل مدينتي خيرسون وخاركيف وما حولهما- إلى أن القوات الروسية وقيادتها كانت حينها في أضعف حالاتها.

ورغم التقدم الذي حققته كييف، فإن الحقيقة هي أن نسبة الخسائر الروسية تعادل تلك التي تكبدتها أوكرانيا، وذلك استنادا إلى تقديرات الولايات المتحدة.

حرب استنزاف

ويعتقد أستاذ العلوم السياسية -في مقاله- أن الحرب الدائرة الآن لا تسير في مصلحة أوكرانيا، بل إنها تتحول إلى حرب استنزاف لا تتحقق فيها مكاسب لأي من الطرفين إلا بتكلفة باهظة. وينبغي لهذه المؤشرات “القاتمة” أن تجعل كلا من أوكرانيا وروسيا ترغبان في تجنب الاستمرار في هذا الصراع. بيد أن كلا من الطرفين غير مستعد -على ما يبدو- للتفاوض، فضلا عن تقديم التنازلات الصعبة التي قد توفر عناصر للتوصل إلى تسوية.

قد تأمل أوكرانيا وداعموها أن تثوب روسيا إلى رشدها وتنبذ ببساطة الحرب، لكن هذه النتيجة تبدو احتمالا غير وارد. ولربما يحدوهم الأمل كذلك في “انهيار روسي” في جبهات القتال أو في الداخل، إلا أن فرص تحقق أي من الاحتمالين ضئيلة أيضا.

على أن المسار “الواعد” -برأي كاتب المقال- يكمن في أن تدفع الولايات المتحدة الجانبين إلى طاولة المفاوضات، إذ تملك واشنطن دون غيرها القوة للاضطلاع بهذا الدور، لكنها قررت عدم القيام بذلك، “وهكذا تستمر الحرب بتكلفة بشرية مأساوية”.

ويقول بوسين إن موسكو الآن قد أذعنت لهدف بسيط للحرب، وهو التمسك بالأرض التي استولت عليها. ولعلها استقرت كذلك على إستراتيجيتين عسكريتين جديدتين لتحقيق هذا الهدف. الأولى، كما يتضح من الانسحاب من خيرسون وتعبئة جنود الاحتياط وبناء حواجز جديدة، هي إقامة دفاع كثيف وجعل الأوكرانيين يدفعون ثمنا باهظا لكل جهد لاستعادة الأراضي.

أما الإستراتيجية الثانية -التي تجلت في حملة القصف- فتهدف إلى استغلال ضعف البنية التحتية الكهربائية في أوكرانيا، لتحويل الموارد الأوكرانية من التركيز على المجهود الحربي في الجبهة إلى البنية التحتية، مع جعل استمرار الحرب مؤلما للمجتمع الأوكراني وأكثر كلفة للحلفاء.

وقد يأمل بوتين أن يؤدي هذا النهج في النهاية إلى دفع أوكرانيا نحو طاولة المفاوضات، أو قد يأمل ببساطة أن تتسبب التكاليف التي لا نهاية لها في جعل أوكرانيا توقف تدريجيا هجماتها، الأمر الذي سيتمخض عنه صراع مجمَّد آخر.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.