الداعية الشيخ عبد العزيز البدري، أحد أبرز الدعاة السنة في العراق. عُرف بمواقفه الشجاعة والجريئة ضد الرؤساء والحكام، وبمناهضته للحركات الشيوعية، وشارك في حرب فلسطين، قبل أن يتعرض للاعتقال والتعذيب، وتوفي في حبسه أواخر الستينيات من القرن الماضي.

المولد والنشأة

ولد الداعية العراقي عبد العزيز عبد اللطيف البدري في قضاء سامراء شمالي بغداد عام 1929، ونشأ وسط أسرة من العلماء، وتزوج من ابنة عمه، وله منها 4 أولاد و4 بنات.

وينتهي نسب قبيلة البدري إلى الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما.

والده الحاج عبد اللطيف السامرائي كان تاجر فواكه وخضار بين سامراء وبغداد وديالى، وانتقل وأسرته للعيش في العاصمة بغداد في آواخر ثلاثينيات القرن الماضي.

الدراسة والتكوين

أكمل عبد العزيز البدري دراسته الابتدائية في سامراء، ثم تلقى دروسا دينية على يد طائفة من علماء بغداد؛ أبرزهم الشيخ عبد القادر الخطيب والشيخ أمجد الزهاوي والعلامة محمد فؤاد الألوسي.

ومُنح البدري إجازة خطيب ديني، وهو دون سن الـ20، وذلك بعد اكتشاف مواهبه الخطابية ونبوغه في الفكر واللغة والتاريخ، ثم عُين إماما لمسجد السور في بغداد عام 1949.

وفي عام 1950 عُين خطيبا في جامع “الخفافين”، واستمر في حمل أمانة المنبر حتى عام 1954، حين أدركت السلطة في العهد الملكي نشاطه وتأثيره في الناس، فأبعدته إلى قرية نائية من قرى محافظة ديالى شرق بغداد.

التوجه الفكري

انتمى الشيخ البدري في شبابه إلى حزب التحرير، لكن سرعان ما انسحب منه عام 1956، ولم يشأ إعلان انسحابه، فظل متحملا تبعات الحزب وبياناته إلى أن قامت ثورة عبد الكريم قاسم عام 1958.

وقدر الحزب للبدري صنيعه بعدم إعلان انسحابه، وأعلن بعدها أنه انسحب من الحزب، وعلى إثرها ناهض البدري الشيوعية والقومية، حيث هاجم على المنابر عبد الكريم قاسم لدعمه للشيوعيين.

وبلغ التحدي مداه عندما أعدم قاسم مجموعة من قادة الجيش ومنهم ناظم الطبقجلي، ورفعت الحاج سري، فأثار الشيخ البدري الجماهير وقاد المظاهرات التي قُدّر عددها بأكثر من 40 ألف متظاهر، وكلهم يهتفون بسقوط قاسم، كما أصدر فتوى بتكفير الشيوعيين أنصار قاسم ومؤيديه.

وفي عهد الرئيس عبد السلام عارف عين البدري إماما لجامع لم يكتمل بناؤه وهو جامع “عادلة خاتون” في بغداد.

وخطب البدري الجمعة يوم افتتاح المسجد، فدخل عارف عبد السلام (رئيس عراقي سابق)، وبعد الصلاة قال البدري لعارف “اسمع يا عبد السلام، إن تقربت من الإسلام باعا تقربنا إليك ذراعا، اسمع يا عبد السلام طبّق الإسلام، اسمع يا عبد السلام القومية لا تصلح”.

وبدأ البدري بتقريع عبد السلام أمام المصلين، وعند انتهاء الخطبة لم يلتفت إليه الشيخ ثم نهض إليه عبد السلام وقال “يا شيخ إني أشكرك على هذه الجرأة”.

وبعد فترة نُقل البدري وعُيّن إماما وخطيبا إلى مسجد “الخلفاء” الذي أغلق منذ عام 1964 حتى عام 1966.

وبعد ضغط وتهديد من قبل البدري للسلطة بأنه سوف يخطب في الشارع أمام مسجد “الخلفاء”، عُيّن إماما وخطيبا وواعظا في جامع “إسكان غربي بغداد” بعد أن كان إماما فقط في الجامع المذكور، وذلك لمنعه من الخطابة، وهو آخر جامع صار إماما له قبل اعتقاله الأخير ووفاته.

الوظائف والمسؤوليات

وقف البدري مبكرا على منابر مساجد بغداد وهو دون الـ20 من عمره، وكانت أولى مهامه الوظيفية إماما في مسجد “السور” في بغداد منذ عام 1949 وحتى عام 1954.

وعندما أدركت سلطات العهد الملكي نشاطه وتأثيره في الناس، عمدت إلى إبعاده إلى قرية “الحديد”، وهي إحدى نواحي محافظة ديالى شمال شرقي بغداد.

وخلال عمله في قرية “الحديد” إماما وخطيبا لجامع القرية، كان له دور في تحويل تلك القرية إلى “نقطة إشعاع”، حيث تخرج على يديه عدد كبير من أبنائها دعاة وأئمة وخطباء.

وبعد سقوط الحكم الملكي وإعلان الجمهورية في 14 يوليو/تموز 1958؛ عُين إماما وخطيبا لمسجد “الحاج أمين” في جانب الكرخ في بغداد.

وفي عام 1959 أثناء انتشار المد الشيوعي، تصدى البدري للشيوعيين على المنبر، وعلى إثرها وُضع تحت الإقامة الجبرية لمدة عامين، قبل أن يَصدر عفو عام عن السياسيين عام 1961.

التجربة السياسية

بعد نكسة يونيو/حزيران عام 1967، قرر الشيخ البدري أن يذهب إلى فلسطين للجهاد ويلتحق مع جماعة الشيخ عز الدين القسام، من دون علم أحد من أفراد عائلته بنية سفره، وترك وصية عند صديقه الدكتور وجيه زين العابدين وأوصاه بتسليم الوصية لأهله إذا استشهد.

وعندما ذهب إلى فلسطين المحتلة طلب منه المجاهدون بعد أن شاركهم الجهاد فترة أن يعود إلى بلده، وينشر القضية الفلسطينية في الدول الإسلامية.

وبعد ذلك اتجهت النية إلى تشكيل وفد إسلامي شعبي للطواف حول العالم الإسلامي من أجل استنفار المسلمين، ونقل القضية إلى النطاق الإسلامي تحت عنوان “من أجل فلسطين رحلة الوفد الإسلامي العراقي”، وكان البدري ضمن الوفد المكون من 6 أشخاص.

وزار الوفد كلا من تركيا وإندونيسيا وماليزيا والهند وباكستان وإيران وأفغانستان، لإيصال القضية الفلسطينية ومعاناة الشعب الفلسطيني واحتلال الأراضي العربية في سيناء والجولان والضفة الغربية.

وبعد عودة الوفد إلى بغداد في نفس العام 1967، عقد الشيخ البدري مؤتمرا صحفيا، أوضح فيه ما شاهده في العالم الإسلامي، من طاقات مهدورة كان يجب أن تُوجه لخدمة القضية الفلسطينية، مستنكرا حصرها في النطاق العربي، بدل النطاق الإسلامي الواسع.

المؤلفات

ترك الشيخ البدري عددا من المؤلفات تخص التاريخ والفقه الإسلامي والاشتراكية في الإسلام من أبرزها:

  • الإسلام بين العلماء والحكام.
  • حكم الإسلام في الاشتراكية.
  • الإسلام حرب على الاشتراكية والرأسمالية.
  • الإسلام ضامن للحاجات الأساسية لكل فرد.
  • كتاب الله الخالد، القرآن الكريم.

إضافة إلى عشرات المواعظ والخطب في عدد من المساجد كانت متداولة بين الناس، قبل أن يصادر نظام البعث مكتبته الصوتية بما فيها من تسجيلات أثناء اعتقاله عام 1969.

الوفاة

توفي البدري ببغداد في 26 يونيو/حزيران من سنة 1969، بعد تعرضه للتعذيب داخل المعتقل المعروف بـ”قصر النهاية” على أيدي أجهزة نظام حزب البعث ومدير الأمن ناظم كزار.

وبعد وفاته نقل إلى مستشفى الرشيد العسكري ووُضِع في تابوت ألقاه الجنود أمام داره في منطقة الداودي غرب بغداد، ثم هربوا، وطُلب من ذويه عدم فتح التابوت، ودفنه في بغداد، وليس في مسقط رأسه جوار قبر والده في مدينة سامراء، وفق ما تقول بعض الروايات.

بعدها فرضت القوات الأمنية طوقا على مدينة بغداد والشوارع المحيطة بها لمنع ذويه من الخروج بنعشه إلى سامراء، ودفن قرب قبر شيخه أمجد الزهاوي في مقبرة “الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان” في الأعظمية شمالي العاصمة بغداد.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.