القدس المحتلة- في إطار ما يسمى الحروب الجديدة وتراجع الحروب العسكرية التقليدية، يحتدم النزال على الوعي بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في معركة محتدمة تصاعدت منذ العام الماضي بحسب ما خلص تقرير معهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب.

لم تقتصر تقديرات المعهد على تراجع الإداء الإسرائيلي في معركة الرواية، بل أيضا التفوق الذي حققته حركة حماس وباقي الفصائل منذ هبة الكرامة في مايو/أيار من العام الماضي، ومعركة “سيف القدس” التي كانت محطة فارقة بالمعركة على الوعي بين إسرائيل وحماس التي نجحت في تحريك الجماهير ونقل رسائل تتلاءم وإستراتيجيتها للفلسطينيين.

وأجمع باحثون فلسطينيون أن تقديرات مركز الأبحاث الإسرائيلية بشأن المعركة على الوعي تشير إلى احتدام غير مسبوق في هذا المضمار، مع تراجع الرواية الإسرائيلية في العالم، مقابل بروز حضور الرواية الفلسطينية وإنجازات حماس والفصائل الفلسطينية في معركة على الوعي والتأثيرات التي حققتها على المستوى المحلي والإقليمي وحتى العالمي.

شلحت: معركة الوعي ستتصاعد في المستقبل القريب بتداعياتها على إسرائيل (الجزيرة)

احتدام وتفاقم

وعلى أساس هذ المتغيرات والتحولات، يقول الباحث في الشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت “إن ملامح معركة الوعي بدأت منذ فترة طويلة، لكنها احتدمت بالعام الأخير، مما جعل إسرائيل توليها أهمية قصوى، حيث يؤكد تقرير معهد أبحاث الأمن القومي أن الحديث يدور عن معركة إستراتيجية تصاعدت ووصلت ذروتها في قضية اغتيال الصحفية الشهيدة شيرين أبو عاقلة”.

وأوضح الباحث في الشأن الإسرائيلي للجزيرة نت أن عملية اغتيال أبو عاقلة تجسد أفضل صورة لمعركة الوعي بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية عالميا، حيث منيت إسرائيل بهزيمة نكراء أمام الرأي العام الغربي والمجتمع الدولي الذي كان غالبا منحازا إلى الرواية الإسرائيلية حتى وإن كان بشكل عام متضامن ومتعاطف مع القضية الفلسطينية.

ويعتقد أن تقرير المعهد الإسرائيلي يأتي في محطة فارقة، مشيرا إلى أن معركة الوعي ستتصاعد في المستقبل القريب وستكون لها تداعيات كثيرة على إسرائيل، في ارتباط بتحولات إقليمية وعالمية، وسيحمل المستقبل إنجازات وانتصارات لهذه المعركة أكثر من معارك الجيوش والحملات العسكرية التقليدية.

أزمة وردع

وأوضح الباحث بالشأن الإسرائيلي أن حماس ممثلة للمقاومة حققت نجاحات من خلال المعركة على الوعي، وترجم ذلك عمليا عقب معركة “سيف القدس” إذ عزز الردع تجاه إسرائيل التي كانت قبل ذلك تسرح وتمرح ولا تعمل حسابا لأحد في ملف القدس والأقصى.

وأشار شلحت إلى أن إسرائيل تتمادى بالعدوان في القدس والأقصى دون رادع، لكن الفترة الأخيرة شهدت ردعا في السلوك الإسرائيلي حتى عند الحديث عن تنظيم “مسيرة الأعلام” إذ تشدد الحكومة الإسرائيلية على أن المسيرة لن تدخل المسجد الأقصى، في إشارة لنجاعة ردع المقاومة وأن إسرائيل تخشى التصعيد.

ولاحظ أن قراءة في تقارير مراكز الأبحاث الإسرائيلية تشير إلى أن هناك تراجعا في الرواية الإسرائيلية التي تواجه في هذه المرحلة أزمة متفاقمة قد تتحول إلى انتكاسة، ولكن ذلك متعلق أيضا بعوامل إقليمية وعالمية، إلى جانب نضال الشعب الفلسطيني الذي يشهد حالة كفاحية على المستوى الجماهيري والمقاومة المسلحة لم يعهدها منذ الانتفاضة الأولى.

صراعات وتحديات

وعزا الصحفي المختص بالإعلام الرقمي، محمد خيري، احتدام معركة الوعي بين إسرائيل والفصائل ممثلة بحماس إلى سعي الحكومة الإسرائيلية لإثبات “السيادة الإسرائيلية” التي تشهد، ومنذ هبة الكرامة في مايو/أيار من العام الماضي، تقويضا بسبب أحداث كثيرة ترجع تل أبيب السبب فيها لحماس والمقاومة على وجه الخصوص، وهو ما تمثل بالحشد الإعلامي الفلسطيني تجاه القدس والأقصى.

وأوضح خيري للجزيرة نت أن إسرائيل ومنذ معركة “سيف القدس” باتت تصارع رواية وثقافة وعملية إعلامية كبيرة وممنهجة تقودها المقاومة بصورة منظمة ومحكمة، وهو ما يضع إسرائيل أمام تحديات تنذر بتفجر الأوضاع، وهذا بحد ذاته إثبات على قدرة الجهات الفلسطينية ونجاحها في هذه المعركة.

ويعتقد أن “المعركة على الوعي” وبروز رواية حماس والمقاومة عزز من التعاطف مع القضية الفلسطينية عالميا، حيث كان لافتا عودة القضية الفلسطينية للأجندة العالمية عقب “هبة الكرامة” ومعركة “سيف القدس” والعدوان على الأقصى والشيخ جراح، كما يتضح أيضا تآلف الشعب الفلسطيني بكافة أطيافه وأماكن وقوفه خلف القضية الفلسطينية.

تحريك وحشد

وأشار إلى أن التقرير الصادر عن “معهد أبحاث الأمن القومي” في جامعة تل أبيب، بعنوان “معركة على الوعي”، يعكس الاعتراف الإسرائيلي بأن لدى فصائل المقاومة، وكذلك الفلسطينيين، قدرة على تحريك الميادين من جهة والحشد الإعلامي من جهة أخرى، وهو ما يؤكد أن إسرائيل لم تعد قادرة على كسب معارك الوعي التي كانت لها اليد الطولى فيها بالماضي.

وعزا التراجع الإسرائيلي في معركة الوعي إلى انتشار وسائل التواصل الاجتماعي من جهة، وإعادة هيكلة الفلسطينيين لأساليب بث روايتهم وترويجها وتسويقها عبر انتشار منصات ووسائل إعلام كبيرة وواسعة وشبكات تعنى برصد كل ما يجري على مدار الساعة، وهو ما كان مكسبا للفلسطينيين في قضية الوعي محليا، وإقليميا وحتى عالميا.

من الواضح جدا، يقول خيري “إسرائيل تراجعت أمام رواية الفصائل الفلسطينية التي وظفت كافة الإمكانيات لفضح الانتهاكات الإسرائيلية” مستذكرا الاعتداء على جنازة الصحفية الشهيدة شيرين أبو عاقلة التي شاهدها العالم، حيث استطاعت الفصائل “استغلال هذه المشاهد لإثبات جرائم الاحتلال ومدى استغراقه في هذه الجرائم”.

الصحفي المختص بالإعلام الرقمي، محمد خيري: الرواية الفلسطينية تبدو اليوم أكثر عمقا ومدروسة بشكل جيد توازي، بل تتفوق على الرواية الإسرائيلية
خيري: الرواية الفلسطينية تبدو اليوم أكثر عمقا ومدروسة بشكل جيد وتتفوق على الإسرائيلية (الجزيرة)

قلب المعادلة

وأكد المختص في الإعلام الرقمي أن الرواية الفلسطينية تبدو اليوم أكثر عمقا ومدروسة بشكل جيد بصورة توازي بل تتفوق على الرواية الإسرائيلية التي باتت عاجزة أمامها، وبات الفلسطينيون أكثر قدرة على لفت انتباه الأطراف الدولية المعنية والتسبب بحرج كبير للاحتلال.

ويعتقد خيري أن أكبر أزمة تحيط بإسرائيل البحث عن رواية تكسب من خلالها معركة الوعي ومعركة الإعلام، قائلا “في السابق لم تكن بحاجة إلى كل هذا الجهد وظلت طيلة السنوات الطرف المدعوم والذي تتجند لخدمته وسائل الإعلام، كان هذا بسبب ضعف الفلسطينيين وقدرتهم على المنافسة”.

وردا على سؤال ما إذا نجحت حماس في نقل رسائل عبر الرواية التي صاغتها للشعب الفلسطيني، يقول خيري “حماس استطاعت أن تثبت للفلسطينيين أنها عراب خط المقاومة، ويبدو واضحا أن الشعب الفلسطيني في ظل كل الانتهاكات بات يصدق المقاومة أكثر من غيرها”.

وأوضح أن حماس استطاعت من خلال روايتها ورسائلها سواء الإعلامية أو الميدانية قلب المعادلة، حيث تتهم من قبل أطراف إسرائيلية بأنها تقف وراء ازدياد العمليات ضد إسرائيل عبر الحشد من جهة، وضرب مثل بالمقاومة وأساليبها من جهة أخرى.

الكاتب والباحث بالشؤون السياسية، ساهر غزاوي: نجاح مسار المقاومة وحماس في معركة الوعي التي أعادت القضية الفلسطينية لصدارة الاهتمام العربي والإقليمي والدولي (تصوير شخصي حولها إلي حسب طلبي لنشرها واستعمالها في الجزيرة نت)
غزاوي: نجاح مسار المقاومة في معركة الوعي أعادت القضية الفلسطينية للصدارة عربيا وإقليميا (الجزيرة)

ذات الطرح تبناه الكاتب والباحث بالشؤون السياسية ساهر غزاوي الذي يعتقد أن حماس وفصائل المقاومة منذ معركة “سيف القدس” مستمرة بتقديم نفسها، كحامية للقدس والأقصى، وقد هزمت إسرائيل في هذه المعركة، وهي صاحبة العهد للشعب الفلسطيني ولمشروع التحرير.

وفي المقابل، يقول غزاوي للجزيرة نت “تجد إسرائيل الصعوبة في ترميم ما لحق بها من أضرار وإخفاقات ومساس بهيبتها العسكرية، وتبددت صورة الردع الإسرائيلية أمام المقاومة. وعلى هذا الأساس معركة الوعي “ما تزال محتدمة بين الطرفين”.

وأوضح الباحث بالشؤون السياسية أن انعكاس وتأثير انتصار فصائل المقاومة وفي مقدمتها حماس في معركة “سيف القدس” كان واضحا أمام الشعب الفلسطيني بكل أماكن وجوده، مما يؤكد نجاح مسار المقاومة في معركة الوعي التي أعادت القضية الفلسطينية لصدارة الاهتمام العربي والإقليمي والدولي.

وخلص غزاوي للقول “نستطيع أن نقرأ هزيمة إسرائيل في معركة الوعي والراوية أمام المقاومة الفلسطينية حتى من القراءات الإسرائيلية نفسها، فمنذ هبة الكرامة ومراكز الأبحاث والدراسات الإسرائيلية منشغلة كثيرا باستخلاص الدروس والعبر والأسباب والنتائج التي تعترف ضمنيا بهزيمة إسرائيل من خلال معركة الوعي والرواية “في الوقت الذي تصارع فيه إسرائيل لإثبات روايتها”.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.