|

منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا قبل أكثر من عام، طلب المسؤولون في كييف من حلفائهم الغربيين تزويد البلاد بطائرات حربية متقدمة، تحديدا طائرات “إف-16″، لكن الولايات المتحدة ظلت مترددة لفترة طويلة في توفير الطائرة المقاتلة أو السماح لدولٍ أخرى بإعادة تصديرها إلى أوكرانيا.

 

كان السبب وراء هذا التردد هو الخوف من استخدام المقاتلات أميركية الصنع في ضرب أهداف داخل روسيا، ما قد يعمل على تصعيد الصراع، وهو الأمر الذي تغير نسبيا خلال الأسبوع الفائت عندما أعطى الرئيس الأميركي جو بايدن الضوء الأخضر للطيارين الأوكرانيين بالتدرب على طائرات “إف-16″، وقد بدأت بالفعل بولندا وبعض الدول الأخرى في تدريب الطيارين الأوكرانيين على قيادة الطائرة المقاتلة. ومع هذا التطور، بات من المتوقع أن تحلق طائرات “إف-16” في سماء أوكرانيا عاجلا أو آجلا، وهو ما سيضعها في مواجهة مباشرة مع الطائرات الروسية، خاصة طائرات “سوخوي سو-35”.

 

طائرات أوكرانيا القديمة

أحدث طائرة تمتلكها أوكرانيا تعود إلى عام 1991، وأغلب أسطول البلاد من الطائرات يحتاج إلى صيانة وإصلاح. (رويترز)

يعد التفوق الجوي هو الميزة الأساسية التي أظهرتها روسيا في الحرب حتى الآن، وهو ما يبدو في حجم الخسائر التي لحقت بالقوات الجوية الأوكرانية، إذ تشير تقارير غربية إلى أن كييف فقدت ما لا يقل عن 60 طائرة من أصل 145 طائرة ثابتة الجناحين، و32 طائرة هليكوبتر من أصل 139، وفق وثائق سرية سُربت مؤخرا على منصة “Discord” للتواصل الاجتماعي.

 

لم يكشف المسؤولون الأوكرانيون عن خسائرهم تلك علنا، لكنهم اعترفوا بالصعوبات التي يواجهونها في إصلاح الطائرات المتضررة واستبدالها، وهو ما صرح به الكولونيل “يوري إحنات”، المتحدث باسم القوات الجوية الأوكرانية، مشيرا إلى أن أحدث طائرة تمتلكها أوكرانيا تعود إلى عام 1991، وأن أغلب أسطول البلاد من الطائرات يحتاج إلى صيانة وإصلاح، فضلا عن قطع غيار روسية لا تستطيع كييف الحصول عليها في الوقت الحالي.

 

ورثت أوكرانيا فيما يبدو أسطولا ضخما ولكنه متقادم من الطائرات المقاتلة والمروحيات سوفييتية الأصل، وهو جزء من إرثها التاريخي كجزء من الاتحاد السوفييتي قبل تفككه. ويضم هذا الأسطول طائرات نقل وتدريب وطائرات مقاتلة من طراز “سو-24″ و”سو-25” و”سو-27″، والأهم مقاتلات “ميغ-29″، وهي المقاتلة الرئيسية في سلاح الجو الروسي، وقد صُنعت في نهاية سبعينيات القرن الماضي لمواجهة مقاتلات “إف-16” الأميركية.

LASK, POLAND - OCTOBER 12: Mikoyan MIG-29 fighter jets of the Polish Air Force take part in a NATO shielding exercise at the Lask Air Base on October 12, 2022 in Lask, Poland. NATO's Allied Air Command, the Polish Air Force and the United States Air Force demonstrated the modern aircraft capabilities of Polish F-16s and the U.S. F-22s. As the Russian Invasion of Ukraine continues, NATO member Poland has been investing in new military equipment and various NATO allies' troops are now stationed in the country. (Photo by Omar Marques/Getty Images)
مقاتلات “ميغ-29”. (غيتي)

كان الطراز الأول من “ميغ-29” بدائيا نسبيا، إلا أنه تطور في التحسينات اللاحقة، إذ جرى تطوير المقاتلة لتلبية متطلبات القوات الجوية السوفييتية للحصول على مقاتلة من الجيل الرابع خفيفة الوزن ومتعددة المهام. وقد دخلت “ميغ-29” الخدمة رسميا عام 1986، وسرعان ما احتلت الصفوف الأمامية للطيران السوفييتي.

 

مثلها مثل “إف-16″، يمكن لطائرة “ميغ-29” حمل القنابل النووية، كما يمكنها إطلاق صواريخ موجهة بالرادار. رغم ذلك تظل “إف-16” في وضع أفضل باعتبارها مقاتلة متعددة المهام، حيث تتفوق في القدرة على المناورة عند السرعات العالية الأكبر من 200 عقدة، كما أن نطاق الرؤية الخاص بها أفضل من نظيرتها الروسية.

 

من “الميغ” إلى “إف-16”

LASK, POLAND - OCTOBER 12: F-16 Fighting Falcon from the Polish Air Force takes part in a NATO air Shielding exercise at the Lask Air Base on October 12, 2022 in Lask, Poland. NATO's Allied Air Command, the Polish Air Force and the United States Air Force demonstrate the modern aircraft capabilities of Polish F-16s and the U.S. F-22s. As the Russian Invasion of Ukraine continues, NATO member Poland has been investing in new military equipment and various NATO allies' troops are now stationed in the country. (Photo by Omar Marques/Getty Images)
يطلق على “إف-16” اسم “التنين” أو “الصقر المقاتل”، إذ تتمتع الطائرة بقدرات هجومية ودفاعية عالية، ويمكن استخدامها في الهجوم المضاد والدعم الجوي القريب ومهام المراقبة الجوية. (غيتي)

في الحقيقة، هناك الكثير من الميزات التي تجعل “إف-16” خيارا مثاليا للعديد من الأساطيل الجوية حول العالم، ولفهم ذلك ربما علينا أن نُعرِّف سريعا بالطائرة التي تعد من أكثر الطائرات المقاتلة شعبية على الإطلاق، والتي تُستخدم اليوم في أكثر من 25 دولة حول العالم.

 

خرجت “إف-16” إلى النور لأول مرة في سبعينيات القرن الماضي، من قبل شركة “لوكهيد مارتن” الأميركية، ودخلت الخدمة رسميا في عام 1979، وهي طائرة خفيفة الوزن لكنها صممت بحيث لا تؤثر خفة وزنها على قدراتها القتالية. وقد بُنيت الطائرة بواسطة رابطة (كونسورتيوم) تضم الولايات المتحدة وأربع دول في حلف الناتو، هي بلجيكا والدنمارك وهولندا والنرويج، وأنتجت هذه الدول بالاشتراك مع الولايات المتحدة حينها حوالي 348 طائرة لقواتها الجوية.

 

يطلق على “إف-16” اسم “التنين” أو “الصقر المقاتل”، إذ تتمتع الطائرة بقدرات هجومية ودفاعية عالية، ويمكن استخدامها في الهجوم المضاد والدعم الجوي القريب ومهام المراقبة الجوية، ويصل مداها الأقصى إلى 4,220 كم، ناهيك بقدرتها على حمل ما يصل إلى 6 صواريخ. الأهم أن قدرة “إف-16” على المناورة تفوق أغلب الطائرات القتالية المنافسة، كما يمكنها تحديد الأهداف في جميع الظروف الجوية واكتشاف الطائرات التي تحلق على ارتفاعات منخفضة.

FILE PHOTO: A US Air Force F-16 receives fuel from a fuel boom suspended from a US Air Force KC-10 Extender during mid-air refueling support to Operation Inherent Resolve over Iraq and Syria air space, March 15, 2017. REUTERS/Hamad I Mohammed/File Photo
يمكن لـ”إف-16″ أن تغيّر بشكل جوهري موازين القوى في الصراع، عبر موازنة التفوق الجوي الروسي وتمكين أوكرانيا من حراسة حدودها مع روسيا على المدى الطويل حتى بعد نهاية الحرب. (روتيرز)

تتيح المقاتلة الأميركية أيضا للطيار رؤية خالية من العوائق في اتجاهَي الأمام والأعلى، كما تحسنت رؤيتها بشكل كبير في الجوانب والخلف مع التحديثات. بجانب ذلك، تحتوي “إف-16” على أنظمة تحديد مواقع عالمية محسنة، بالإضافة إلى نظام ملاحة عالي الدقة، وتوفر أجهزة الحاسوب معلومات التوجيه للطيار، كما أن لديها إجراءات مضادة يمكن استخدامها لصد التهديدات الإلكترونية.

 

بخلاف ذلك، تتميز “إف-16” بقوة راداراتها وقدرتها الفائقة على تحديد الأهداف على الأرض، وهو ما يجعلها مناسبة لتوفير غطاء للقوات الأوكرانية أثناء المعارك البرية مع القوات الروسية، وستسمح لها بالتقدم في أي هجوم مضاد، كما ستساعد في صد الطائرات الروسية. يجادل الأوكرانيون أيضا أن الطائرات المقاتلة سوف تسمح لهم بالدفاع عن خطوط الشحن البحرية، ومن ثم تأمين مغادرة الحبوب الأوكرانية للبلاد، وهي أهداف لا يمكن تحقيقها بالطائرات الحالية سوفييتية الصنع.

 

وفقا للعديد من الخبراء، يمكن لـ”إف-16″ أن تغيّر بشكل جوهري موازين القوى في الصراع، عبر موازنة التفوق الجوي الروسي وتمكين أوكرانيا من حراسة حدودها مع روسيا على المدى الطويل حتى بعد نهاية الحرب. تبرز أهمية الطائرة بشكل خاص إذا ذكرنا أن الأسطول الجوي الأوكراني حاليا يعد أصغر بحوالي أربع إلى خمس مرات من الأسطول الروسي في عدد الطائرات، فضلا عن الفوارق الكبيرة في القدرات، وهو ما يجعل أوكرانيا في حاجة ماسة إلى تحديث جوهري في قواتها الجوية لموازنة القوة الروسية.

 

“إف-16” في مواجهة “سو-35”

A Russian Sukhoi Su-35S jet fighter performs a flight during the Aviadarts competition, as part of the International Army Games 2021, at the Dubrovichi range outside Ryazan, Russia August 27, 2021. REUTERS/Maxim Shemetov
مقاتلة روسية من طراز “سوخوي سو-35”. (رويترز)

يثير حضور “إف-16” المرتقب في سماء أوكرانيا تساؤلات حول قدرتها على مضاهاة مقاتلات الجيل الرابع المعزز الروسية “سو-35” التي تستخدمها روسيا حاليا بكثافة في الصراع. تشتهر “سو-35″ بقدرتها على المناورة العالية خاصة في المنعطفات الضيقة مقارنة بـ”إف-16″، كما يمكنها إطلاق الصواريخ من سرعات وارتفاعات لا يمكن لـ”إف-16” الوصول إليها، بخلاف حملها أجهزة رادار أكثر تطورا، في المقابل تتفوق المقاتلة الأميركية على صعيد الخفة والسرعة، كما أنه يصعب رؤيتها خاصة عندما تستهدفك مباشرة، وهذا لأنها أصغر بكثير من معظم الطائرات الأخرى، بخلاف تفوقها في معايير سهولة الصيانة وكفاءة استهلاك الوقود.

 

يترقب الكثيرون من المهتمين بالشؤون العسكرية أول مواجهة مفتوحة بين الطائرات الروسية والأميركية منذ نهاية الحرب الباردة، ورغم ذلك، من غير المرجح أن تحلق طائرات “إف-16” في سماء أوكرانيا قريبا، فبالرغم من بدء تدريب الطيارين الأوكرانيين على المقاتلات، لا يزال الجدول الزمني لتزويد الطائرات لأوكرانيا غير واضح، ويقدر خبراء أميركيون أن الأمر يمكن أن يستغرق 18 شهرا على الأقل قبل أن تتسلم كييف الدفعة الأولى من المقاتلات.

 

يشير الخبراء إلى 3 عوائق تحول دون تسليم المقاتلة الأميركية إلى أوكرانيا: أولها، طول مدة التدريب التي يمكن أن تستغرق 6 أشهر في التقديرات المتفائلة. وثانيها، افتقار أوكرانيا إلى البنية التحتية اللازمة لتشغيل الطائرات الأميركية وإخفائها من المدرجات والقواعد فضلا عن سلاسل الإمداد والصيانة. وأخيرا والأهم، العراقيل السياسية التي تعد العقبة الأهم في هذا المسار، حيث تخشى الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون أن يدفع تسليم الطائرات نحو توسيع المواجهة مع روسيا، خاصة إذا قررت أوكرانيا في مرحلة ما استخدام الطائرات الأميركية في استهداف الداخل الروسي، ما يزيد احتمالات نشوب مواجهة مباشرة بين روسيا والغرب.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.