السنوات الأخيرة، أجريت دراسات مستفيضة عن العداء للإسلام “الإسلاموفوبيا” في المجتمعات الغربية بالتزامن مع تصاعد تلك الظاهرة فيها، وقد أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة، هذا العام، بالإجماع يوما لمحاربة الإسلاموفوبيا.

و”الإسلاموفوبيا” (Islamophobia) مفهوم يعني حرفيا الخوف الجماعي المَرضي من الإسلام والمسلمين، إلا أنه في الواقع نوع من العنصرية قوامه جملة من الأفعال والمشاعر والأفكار النمطية المسبقة المعادية للإسلام والمسلمين.

وفي الولايات المتحدة، أظهرت دراسة لعالم السياسة كوستاس باناغوبولوس لسنة 2006 أن المشاعر العامة تجاه المسلمين في البلاد تجمع بين المستويات المنخفضة من الوعي بالعناصر الأساسية للإسلام، مع تزايد القلق والكراهية تجاه هذا المجتمع.

في مقالها الذي نشره موقع “سالون” (salon) الأميركي، قالت الكاتبة صوفيا مكلينين إنه بقدر ما كان من المروع توثيق ظاهرة الإسلاموفوبيا المتفشية بالولايات المتحدة منذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 كان هناك توقعات حول إمكانية تضاؤل بعض الصور النمطية العدوانية تجاه المجتمع المسلم بمرور الوقت، لكن هذا لم يحدث. ومن الجلي أن ظاهرة الإسلاموفوبيا آخذة في الارتفاع حيث زاد تفشيها في المجتمع الأميركي.

وترى الكاتبة أنه من الخطأ الاعتقاد أن أحداث سبتمبر مثلت بداية كراهية الإسلام بالولايات المتحدة، وتشير إلى كتاب خالد بيضون، أستاذ القانون بجامعة واين، بعنوان “الإسلاموفوبيا الأميركية” بعنوان “الإسلاموفوبيا الأميركية: فهم جذور وصعود الخوف” الذي يعتبر أن الإسلاموفوبيا الهيكلية تعود إلى القرن الـ 18.

الإسلاموفوبيا الهيكلية

يدرس كتاب بيضون مدى تأصل الخطاب المعادي للمسلمين في النظام القانوني الأميركي، وباستخدام عدسته الفريدة يستكشف الطرق العديدة التي ساهم فيها القانون والسياسة وخطاب الدولة الرسمي في تأجيج عودة الخوف من الإسلام في الولايات المتحدة.

“الإسلاموفوبيا الأميركية: فهم جذور وصعود الخوف” للمؤلف والأكاديمي خالد بيضون (الجزيرة)

ويرسم الكتاب تاريخ الظاهرة الطويل والمريع، من محنة المسلمين الأفارقة المستعبدين بالجنوب ما قبل الحرب، والقوانين التي تحظر المهاجرين المسلمين من أن يصبحوا مواطنين، إلى الطرق التي تلقي بها “الحرب على الإرهاب” اللوم عن أي عمل إرهابي إلى الإسلام، والمحاكمات التي لا تعد ولا تحصى التي يواجهها المسلمون الأميركيون.

ويدرس المؤلف تشريعات “الحرب على الإرهاب” المحلية في كيفية تمييزها ضد المسلمين ومساسها بالحياة اليومية داخل المجتمعات المسلمة، ويجادل بحماسة أنه من خلال الفشل في تأطير الإسلاموفوبيا كنظام تعصب يؤيده القانون ويشجعه وينفذه الفاعلون الحكوميون، يتجاهل المجتمع الأميركي الضرر الذي يلحقه بالمسلمين وغير المسلمين على حد سواء، بحسب الكتاب.

ومن خلال عرض قصص الأميركيين المسلمين الذين عانوا من الإسلاموفوبيا عبر خطوط عرقية وإثنية واجتماعية واقتصادية مختلفة، يحلل بيضون كيف تحطم القوانين الأميركية الحياة، سواء بشكل مباشر أو عن غير قصد. وبهدف إفادة المجتمع ككل، يوصي المؤلف بنصائح للمسلمين الأميركيين وحلفائهم لبناء تحالفات مع مجموعات أخرى.

ترسيخ ودعم العداء

وتنقل الكاتبة عن فايزة باتل، الباحثة بمركز برنان للعدالة، اعتبارها أن خطاب (الرئيس السابق دونالد) ترامب المناهض للمسلمين مثّل نموذجا لإدارة غير مسبوقة معادية للإسلام، لدرجة تأييد ترامب مطالبة المسلمين في الولايات المتحدة بالتسجيل في قاعدة بيانات خاصة -وهو اقتراح تراجع عنه بعد انتقادات بأنه يشبه تسجيل اليهود بألمانيا النازية- ولكن ما يثير القلق بشكل خاص الآن أن مظاهر الإسلاموفوبيا لم تتراجع مع إدارة خليفته الرئيس جو بايدن.

وحسب عدد من الدراسات الحديثة، فإن الإسلاموفوبيا الأميركية ترسخت وتطبّعت وانتشرت. ففي مايو/أيار 2022، أعلن مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير) عن زيادة بنسبة 9% في عدد شكاوى الحقوق المدنية التي تلقاها من المسلمين في الولايات المتحدة منذ عام 2020.

ونبهت الكاتبة إلى أن جماعات الإسلاموفوبيا بالولايات المتحدة تتلقى تمويلا كبيرا. ففي يونيو/حزيران 2022، وجد “كير” أنه في الفترة ما بين 2017-2019، تم ضخ ما يقارب 105.9 ملايين دولار لدى 26 مجموعة للإسلاموفوبيا لنشر معلومات مضللة ونظريات المؤامرة حول المسلمين والإسلام.

ويُظهر بحث جديد لفريق بجامعة رايس أن المسلمين في أميركا أكثر عرضةً 5 مرات لمضايقات الشرطة بسبب دينهم مقارنة بالديانات الأخرى. ويخشى العديد من الأميركيين المسلمين مراقبة الشرطة التي تفرضها الدولة من خلال إجراءات مثل التتبع عبر الإنترنت، أمن المطارات، التوقيفات الروتينية، المراقبة داخل الأماكن الدينية.

بيانات مقلقة

وأشارت الكاتبة إلى أن البيانات الأخيرة لمعهد السياسة الاجتماعية والتفاهم بيّنت نتيجتين إضافيتين تثيران القلق الشديد.

  • أولاً: تزايد ظاهرة الإسلاموفوبيا داخل المجتمع المسلم، لا سيما بين الشباب الذي عاش معظم حياته بعد أحداث 9/11 في بلد شيطن هويتهم في الثقافة الشعبية، وسائل الإعلام، الخطاب السياسي، السياسة، في وقت يلاحظ المعهد ارتفاعًا مقلقًا بظاهرة الإسلاموفوبيا بين الجالية المسلمة البيضاء التي هي أيضًا الأكثر عرضة للإبلاغ عن تعرضها للتمييز الديني المنتظم.
  • أما النتيجة الثانية، فتشير إلى أن الإسلاموفوبيا آخذ في الازدياد بالمدارس، حيث ذكر تقرير معهد السياسة الاجتماعية والتفاهم أن 48% من العائلات المسلمة، التي لديها أطفال في سن المدرسة، ذكرت أن طفلًا واحدا كان ضحية للتنمر بدوافع دينية العام الماضي. وهذا المستوى من التنمر أعلى بكثير من مستوى المجتمعات الأخرى، حيث أبلغ 13% فقط من العائلات اليهودية و18% من عامة الناس عن التنمر المدرسي. بينما أفادت خُمس العائلات المسلمة بأن التنمر يحدث كل يوم تقريبًا، في حين أكد مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية هذه النتائج.

التجريد من الإنسانية

وتشير الكاتبة إلى أن المستويات الشديدة من الإسلاموفوبيا بالولايات المتحدة أكثر من مجرد مشكلة تنميط سلبي. إنها تعزز الطريقة التي تم بها تجريد المسلمين من إنسانيتهم. وإذا كان التحيز ينسب الصفات السلبية الشائعة إلى مجموعة بأكملها، فإن التجريد من الإنسانية يجرد المجموعة من إنسانيتها تمامًا. والإسلاموفوبيا بالولايات المتحدة مثال على نزع الصفة الإنسانية وليس التحيّز، وفق الكاتبة.

ويُعزى ذلك إلى بقاء نجاحات وإنجازات المجتمع المسلم الأميركي محجوبة بثقافة الكراهية. فعلى سبيل المثال، يشير تقرير معهد السياسة الاجتماعية والتفاهم إلى أن المسلمين الأميركيين يعدون من منشئي فرص العمل حيث يوظف المسلمون العاملون لحسابهم الخاص ما معدله 8 عمال، مما يوجد ما لا يقل عن 1.37 مليون فرصة عمل أميركية.

كما أنهم بشكل عام يمتلكون تعليماً عالياً، حيث أفاد 46% من المسلمين الأميركيين فوق سن 25 عاماً بأنهم حاصلون على شهادة جامعية، فضلا عن أن المسلمين الأميركيين يعلمون بالجيش، ويُرجح أن المسلمين البيض بالجيش أكثر من الأميركيين البيض، بحسب الكاتبة.

ولعل الأمر الأكثر إثارة للدهشة أن المسلمين الأميركيين يعبرون أكثر من أي مجموعة أخرى عن تفاؤلهم بشأن مستقبل البلاد رغم ما يتعرضون له بسبب الإسلاموفوبيا.

ورغم الإبلاغ عن مستويات أعلى من قمع الناخبين، فإن المسلمين الأميركيين لا يتوانون عن التصويت، حيث ارتفع تسجيل الناخبين بين المسلمين بشكل كبير من 60% عام 2016 إلى 81% عام 2022.

ومع المفاهيم الخاطئة عن المجتمع المسلم باعتباره عنيفًا ويشكل تهديدًا، اتضح أن المسلمين الأميركيين يرفضون العنف ضد المدنيين بمعدل أعلى من الإنجيليين البيض، بحسب تقرير الكاتبة.

وأشارت الكاتبة نفسها إلى أن التصورات السلبية الشائعة عن المسلمين الأميركيين لا تتماشى مع ما يعتقده الأميركيون المسلمون أنفسهم، أو مع القيمة التي يضفونها على المجتمع الأميركي.

والاستنتاج الحقيقي من هذه الدراسات الحديثة أن المشكلة ليست مجرد تفشي الإسلاموفوبيا، بل أيضا في المنظور الضيق للمسلمين الذي يصورهم على أنهم أشرار شياطين أو ضحايا لا حول لهم ولا قوة، بحسب الكاتبة.

وقد اقترح تقرير معهد السياسة الاجتماعية والتفاهم “آي إس بي يو” (ISPU) ضرورة أن تصور وسائل الإعلام المجتمعات الإسلامية بدقة وإبداع، في وقت يركز الإعلام وبشكل دائم على مفهوم الذات لدى المسلمين، ولا يعارض جانب من الرأي العام السياسات المتحيزة والمعادية للديمقراطية.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.