كييف- مواقف المجر إزاء حرب روسيا على أوكرانيا تبدو كصرخة شاذة في جوقة أوروبية متناسقة الأداء، إن صح التعبير، فهي تعارض العقوبات المفروضة على موسكو، وتدفع لشراء الغاز الروسي جهارا بالروبل، وترفض مساعدة كييف بالسلاح “حرصا على سلامة الأقليات المجرية” في إقليم ترانسكارباثيا جنوب غرب أوكرانيا.

وما سبق ذكره ليس إلا آخر المواقف المثيرة للجدل فقط، فالعلاقات الأوكرانية المجرية ساءت مرارا خلال السنوات الماضية، بسبب “حقوق الأقليات”، وممانعة بودابست عضوية كييف في الصف الأوروبي لحلف شمال الأطلسي.

ووصل سوء العلاقات حد تبادل استدعاء وطرد دبلوماسيين، ولمح عدة مسؤولين، وآخرهم النائب البرلماني ماكسيم بوجانسكي، إلى أن المجر قد تسعى للاستيلاء على جزء من أراضي أوكرانيا (ترانسكارباثيا التي لم تقصفها روسيا منذ بداية الحرب).

تباين في المواقف الأوروبية

وبناء على ما سبق، قد تبدو المجر وحيدة في هذه المواقف، لكن المواقف المثيرة للجدل لا تقتصر عليها في حقيقة الأمر، بل تشمل أيضا كبريات دول الاتحاد الأوروبي، التي تفكر وتتصرف بصمت يعكس إلى حد كبير تباينا في المواقف، بين “الشدة مع روسيا فوق الطاولة، والرضوخ أو التراخي تحتها”، إن صح التعبير.

وهنا تبرز ألمانيا قبل غيرها، التي عارضت إلغاء مشروع “نورد ستريم 2” المشترك مع روسيا لنقل الغاز حتى آخر رمق، ثم عارضت بشدة -ولا تزال- فكرة تزويد أوكرانيا بالسلاح النوعي بعد اشتعال الحرب، الأمر الذي اعتبره السفير الأوكراني السابق أندريه ميلنيك “تخليا عن أوكرانيا عسكريا”، قبل أن يقال من منصبه مؤخرا.

ورغم نفي برلين حينها، لمح رئيس الوزراء الإيطالي، ماريو دراغي، في أواسط مايو/أيار الماضي، إلى أن ألمانيا رضخت لروسيا، وتحولت إلى الدفع مقابل الغاز بالروبل بدلا من اليورو.

وفي سياق متصل، كان جوزيب بوريل، مسؤول السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، قد أكد أن الاتحاد بشكل عام دفع لروسيا مقابل الغاز عشرات أضعاف ما قدمه من مساعدات لأوكرانيا منذ بداية الحرب، وعلى رأس المشترين كانت ألمانيا.

وأما موقف فرنسا غير الحازم من الحرب، وخاصة جهود الوساطة التي قام بها الرئيس إيمانويل ماكرون، فكان محل سخط شعبي كبير في أوكرانيا، وانتقاد شخصي من قبل الرئيس فولوديمير زيلينسكي الذي رأى أن موقفها هو “استسلام” مبطن، بشكل أو بآخر.

تغليب المصالح وأهداف مختلفة

وهنا تبرز مصالح الدول الاقتصادية قبل أي اعتبارات أخرى، خاصة تلك التي تعتمد على واردات الطاقة من روسيا، وبدأت تعاني من تداعيات الحرب، سواء من ناحية التضخم بالأسعار أو من ناحية الامتعاض في الشارع.

فعلى سبيل المثال، ووفق صحيفة “بيلد” (BILD) الألمانية، فإن 47%من الألمان يرون أن العقوبات تسبب ضررا لألمانيا أكثر من روسيا، و36% منهم يعتقدون أن الضرر الناجم عن العقوبات هو نفسه بالنسبة لألمانيا وروسيا معا؛ هذا بالإضافة إلى أن نسبة 74% تتخوف من انتشار البطالة والتضخم ونقص إمدادات الطاقة.

ويقول أوليكسي هاران، أستاذ العلوم السياسية في أكاديمية “موهيلا” الوطنية إن العديد من دول العالم الغربي، وخاصة في أوروبا القديمة، “كانت تريد خلال الأسابيع الأولى من الحرب، وقف الحرب فقط، مع الحفاظ على نظام بوتين، ولا تفكر في إمكانية تغيير النظام السياسي في روسيا”.

وتابع هاران “لكن النصر بالنسبة لأوكرانيا حُدد مبكرا بهزيمة بوتين ونظامه السياسي، الأمر الذي قسّم الأوروبيين، ولقيت (الرغبة بنصر كييف) استجابة ودعما كبيرين من قبل بريطانيا العظمى والولايات المتحدة، المهتمتين بتغيير النظام السياسي في الاتحاد الروسي، بالتدريج”.

لكن هاران يرى أن الوضع تغير، ويقول في هذا الصدد “حتى مواقف ألمانيا وفرنسا تغيرت، فهما لا تريان أفقا لأي حوار وتفاوض ممكن مع روسيا بوتين، وأيقنتا أن التعامل معه عبارة عن قنبلة موقوتة”، على حد قوله.

وبرأيه أيضا “ربما تنحاز بعض الدول إلى بعض مصالحها، وقد يعرقل ذلك عملية التسليح المطلوبة، لكننا نستشعر ذلك الدعم السياسي والمالي الذي تحظى به أوكرانيا ولاجؤوها، في ألمانيا وغيرها، مع استمرار العقوبات القاسية في إطار “التكتل الغربي”، ومنح أوكرانيا صفة مرشح لعضوية الاتحاد الأوروبي”.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.