القاهرة- منذ الإعلان عن وفاته المفاجئة والغامضة، لم تتوقف ردود الأفعال المتباينة حول قضية الباحث الاقتصادي المصري أيمن هدهود، والأسباب التي أدت إلى احتجازه، وملابسات وفاته بمستشفى الأمراض العقلية.

وبالتزامن مع إعلان النيابة العامة المصرية عدم وجود شبهة جنائية في وفاة الباحث الراحل، دعت مشيرة خطاب رئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي) النيابة العامة إلى ضرورة شمول تحقيقاتها كل ما أثير حول ادعاء تعرض الباحث والخبير الاقتصادي للإخفاء القسري.

وبدورها طالبت “الجبهة المصرية لحقوق الإنسان” المجلس القومي للصحة النفسية، ونقابة أطباء مصر، بفتح تحقيق جاد وسريع ومستقل حول واقعة إخفاء هدهود، ووفاته، يشمل الأطباء المسؤولين عن حالته، والكشف عن طبيعة ومستوى العلاقة الحالية بين المستشفى وجهاز “الأمن الوطني” لضمان عدم تحولها إلى مقر احتجاز غير رسمي لصالح الجهات الأمنية.

لكن وكالة رويترز للأنباء نقلت عن مصدرين أمنيين، تحدثا شريطة عدم كشف هويتهما، قولهما إن هدهود احتجز في فبراير/شباط بتهم نشر أخبار زائفة والانضمام إلى جماعة محظورة وتكدير السلم العام، وهي اتهامات توجه غالبا للمعارضين السياسيين والنشطاء.

وكانت أسرة الباحث الاقتصادي الراحل قد أعلنت وفاته بطريقة مفاجئة وغامضة بعد ما يزيد على شهرين من الاختفاء، بشكل أثار غضب وتساؤل نشطاء ورواد مواقع التواصل الاجتماعي.

لا شبهة جنائية

النيابة العامة أعلنت، في بيان أصدرته صباح اليوم الثلاثاء، تفاصيل التحقيقات في وفاة هدهود، مؤكدة أنه “لا شبهة جنائية في وفاته” وأنها استدعت شقيقه عمر لسماع شهادته، حول التصريحات المنسوبة له بشأن وجودَ شبهةٍ جنائية في الوفاة، لكنه لم يمتثل لقرارها بالحضور.

ووفق بيان النيابة، فقد تلقت بلاغاً في فبراير/شباط الماضي من حارس عقار في حي الزمالك بدخول أيمن إلى العقار الذي يحرسه، ومحاولته فتح إحدى الشقق به، وهذيانه -آنذاك- بكلمات غير مفهومة، فأمسك به ثم حضرت الشرطة وألقت القبض عليه، وأن النيابة حاولت استجواب المتهم فيما نُسب إليه من اتهام الشروع في السرقة، لكن تعذَّر استجوابه لترديده كلمات غير مفهومة، وتشككت في سلامة قواه العقلية، فأودعته مستشفى الصحة النفسية بالعباسية لإعداد تقرير طبي عقلي عن حالته، ومدى مسؤوليته عن أفعاله وقت ارتكاب الواقعة.

وقال البيان إن اثنين من أشقاء هدهود (عادل وأبو بكر) شهدا في التحقيقات بأنهما لا يشتبهان في وفاة شقيقهما جنائيًّا، وأن تصرفاته المضطربة قد حدثت منه مرتين: الأولى منذ شهرين حين عُثِرَ عليه بالطريق العام بمنطقة السلام يتحدث إلى نفسه، فانتقلا إليه وتسلماه من الأهالي الذين تحفّظوا عليه وقتَئذٍ، والثانية حين افترش الأرض أمام غرفِ نُزلاءِ أحد الفنادق، وأوضحا بأنهما لم يتمكنا من إيداع شقيقهما المستشفى سابقًا لتلقي العلاج اللازم لتكرار هروبه.

وطبقا للنيابة فإن اللجنة -التي فحصت حالة هدهود النفسية والعقلية- شهدت بأن المتهم كان يعاني من اضطراب الفصام، وغير مُهتَدٍ للزمان والمكان والأشخاص، وضعيف التركيز والانتباه، ويعاني من ضلالات اضطهادية، وضلالات عظمة، وكان يتحدث بكلام غير مفهوم تخلله إنكارُه ارتكابَه واقعة الشروع في السرقة محل التحقيق معه، وأنه دلف العقار الذي ألقي القبض عليه فيه بحثًا عن السيدة التي كان ينادي باسمها على حسَبِ أقوال حارس العقار. وأضافت اللجنة أن تدهور حالته النفسية تؤثر في درجة الوعي، ومن الممكن أن تنتهي بالوفاة.

وحول ملابسات وفاته، نقل بيان النيابة أقوال مدير وحدة الطب الشرعي النفسي، وطبيبة، وممرض بالمستشفى الحكومي الذي كان المتهم مُودَعًا به، شهدوا فيها بأنه كان يعاني من اضطراب بدرجة الوعي، ودُوار، وعدم اتزان، وارتفاع في درجة حراراته، واشتُبِه في إصابته بفيروس كورونا، فاتخذت معه الإجراءات الطبية المقررة في مثل تلك الحالة، ثم تُوفي خلال نقله لأحد المستشفيات الحكومية لتلقي العلاج.

الاختفاء القسري

من جانبها، طالبت السفيرة رئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان بضرورة أن تشمل تحقيقات النيابة العامة كل ما أثير حول الادعاء بتعرض هدهود للاختفاء القسري قبل وفاته.

ونقلت صحيفة الشروق المصرية عن خطاب، قولها إن المجلس تلقى 19 دعوى حول الاختفاء القسري منذ تشكيله الجديد في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مؤكدة أن المجلس يقوم بالتنسيق والتواصل مع الداخلية والنيابة العامة بشأن هذه الحالات.

كما أشارت رئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان إلى التنسيق ذاته بشأن الشكاوى المتعلقة بادعاءات تجاوز مدد الحبس الاحتياطي أو إساءة المعاملة سواء فترات الحبس الاحتياطي أو قضاء العقوبة، دون أن تحدد نتيجة هذا التنسيق.

 

مقر احتجاز غير رسمي

من جهتها، طالبت “الجبهة المصرية لحقوق الإنسان” (منظمة مجتمع مدني مستقلة)، في بيان لها، أمس الاثنين، بفتح التحقيق مع المسؤولين في مستشفى العباسية للصحة النفسية بشأن واقعة وفاة هدهود، والذي أخفي قسرياً لأكثر من شهرين عقب القبض عليه من قبل قوات الأمن في 6 فبراير/شباط الماضي، واحتجازه في مقر جهاز “الأمن الوطني” بمنطقة الأميرية بالقاهرة، حسب البيان.

وطالبت “الجبهة” المجلسَ القومي للصحة النفسية، ونقابة أطباء مصر، بفتح تحقيق جاد وسريع ومستقل حول واقعة إخفاء هدهود، ووفاته، يشمل الأطباء المسؤولين عن حالته، مع إحالتهم إلى النيابة الإدارية، والتأكد من التغير في الدور الوظيفي للمستشفى، وطبيعة ومستوى العلاقة الحالية بين جهاز “الأمن الوطني” والمسؤولين فيها، لضمان عدم تحولها إلى مقر احتجاز غير رسمي لصالح جهات أمنية، يودع فيه الأشخاص بصورة غير قانونية.

كما طالبت بالتأكد من عدم وجود حالات مماثلة داخل المستشفى، فضلًا عن إعادة فحص طبيعة الإجراءات القانونية المتعلقة بإيداع شخص تم القبض عليه، وما هي الجهة المنوط بها قرار الإيداع.

 

رواية مختلفة

كانت “الشبكة المصرية لحقوق الإنسان” قد وثقت رواية مختلفة حول وفاة الباحث الاقتصادي بدءا من الغموض الذي أحاط بظروف القبض عليه، والتي لم يعرف تفاصيلها ولا ظروفها، وحتى وفاته.

وقالت الشبكة في بيانها إن أسرة هدهود حاولت معرفة مكان احتجازه، لكنها لم تتوصل لمعلومة، حتى فوجئت بأمين شرطة يخبرها بأن “أيمن عندنا” وبالبحث والسؤال في قسم شرطة الأميرية التابع له محل سكنه، تبين أنه كان موجوداً هناك لأيام، حيث تم احتجازه في مبنى الأمن الوطني بالأميرية.

وحسب بيان الشبكة، فقد علمت أسرته، بعد مجموعة من الاتصالات، بوجوده في مستشفى الأمراض العقلية بالعباسية، إلا أن المستشفى أنكر وجوده في البداية ثم أقر، بعد إلحاح شديد، بوجوده تحت الملاحظة لمدة 45 يوماً، وأنه لا يسمح بزيارته إلا بإذن من النائب العام والنيابة العامة.

وأوضح البيان أن الأسرة توجّهت إلى مكتب النائب العام لاستخراج تصريح بالزيارة، ليتم إبلاغها بعدم إمكانية ذلك لأن هدهود ليس محبوساً على ذمة أي قضية، وبالبحث في جميع نيابات القاهرة ونيابة أمن الدولة وغيرها لم تتمكن الأسرة من استخراج تصريح بالزيارة

وأكدت “الشبكة المصرية لحقوق الإنسان” أن أسرته تقدّمت ببلاغات إلى النائب العام، ووزارة الداخلية، والمجلس القومي المصري لحقوق الإنسان، باختفائه، مطالبة بالكشف عن مصيره، ولكن دون جدوى، حتى أعلنت الأحد عن علمها بوفاته.

 

جدير بالذكر أن هدهود خريج الجامعة الأميركية بالقاهرة، وعضو الهيئة العليا لحزب الإصلاح والتنمية (ممثل في البرلمان الحالي) وكان مستشارا اقتصاديا لرئيس الحزب محمد أنور السادات عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان.

والمثير أن السادات من أبرز الناشطين حاليا في الوساطة مع الأجهزة الأمنية لحلحلة ملف المعتقلين، ونجح بالفعل في الإفراج عن بعضهم خلال الشهور الماضية، كما بشّر مرات عدة بقرب حدوث انفراجة في ملف حقوق الإنسان، وخاصة أزمة المعتقلين على خلفية سياسية.

المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.