القدس المحتلة- أُعجب الكاتب المقدسي محمود شقير بكتاب الفنانة الفلسطينية التشكيلية تمام الأكحل الذي حمل عنوان “اليد ترى والقلب يرسم”، وراق له ما كتبته عن مسيرتها هي وزوجها الفنان التشكيلي المعروف إسماعيل شمّوط، وعن تشرّدهما في نكبة عام 1948.

كانت قصة “حذاء إسماعيل ذي اللونين” الواردة في الكتاب أكثر ما شدّ انتباهه، ثم تواردت إلى ذهنه أحذية كثيرة في مواقف شتى وظروف متباينة، ومن هنا قرر كتابة قصة جديدة للفتيات والفتيان بعنوان “بيت من ألوان”، وفيها يعود سنوات كثيرة إلى الوراء حين التقى بالفنانين تمام وإسماعيل لأول مرة في القدس.

في منزله ببلدة جبل المكبر بالقدس المحتلة، تحدث الكاتب محمود شقير للجزيرة نت عن أحدث إصداراته الأدبية، وعما لفته في رحلة إسماعيل وتمام، وقد أصبحا بطلي قصته الأخيرة.

يستند كتاب “بيت من ألوان” إلى قصة “حذاء إسماعيل ذي اللونين” من كتاب الفنانة تمام الأكحل (الجزيرة)

قصص متناسلة

يقول شقير إن الفكرة جاءت من نقاش له مع زميلة متخصصة في أدب الأطفال، حين ذكرت أنه “يمكن أن تتخيل وتكتب مادة جيدة مستوحاة من “حذاء إسماعيل ذي اللونين” الذي أهدته مدرسة المخيم للفنان شموط أثناء عمله متطوعا في غزة بعد تهجيره من مدينة اللد عام 1948″.

وبالفعل، اعتمد شقير على وقائع ومعلومات وردت في كتاب تمام الأكحل عن حذاء إسماعيل وتناسلت من هذه القصة قصص فرعية كثيرة كقصيدة الشاعر والروائي إبراهيم نصر الله في هجاء الأحذية وتعاطفه مع الحُفاة، وشخصية “حنظلة” الحافي دائما في رسومات ناجي العلي، وغيرها من القصص.

يُمكن لقارئ قصة “بيت من ألوان” أن يلمس عنصر الفكاهة والمتعة في القصص الفرعية المنبثقة عن قصة حذاء إسماعيل، ويقول شقير إن الكاتب يجب أن يراعي هذا العنصر بالتحديد عند الكتابة للأطفال ولفئة الفتيات والفتيان.

عام المأساة

عام 1948 اضطر إسماعيل شموط إلى مغادرة مدينة اللد مشيا على الأقدام نحو رام الله، وكان يبلغ من العمر حينها 18 عاما، وكان الحذاء الذي ينتعله ممزقا ومهترئا جراء المشي المرهق الطويل في الطرق الوعرة التي تتخلع أعتى الأحذية على صخورها وأشواكها، وفقا لوصف شقير.

بعد الإقامة المؤقتة في رام الله التي عمل بائعا متنقلا للخبز فيها، انتقل شموط مع عائلته إلى الخليل وعمل في بيع الكاز، ومن هناك إلى خان يونس في غزة حيث عمل بائعا لحلوى “المعمول”، وفي كل تلك المحطات كان يقول لنفسه دائما “هذه ليست مهنتي”.

وفي أحد أيام اللجوء قرر الشاب أن يتطوع لتعليم أطفال المخيم فن الرسم، وهناك كان ينسى ألم التشرد وعذابات العيش وهو يراهم منكبّين على الورق يلونون البيوت التي يرسمونها بتوجيهات منه.

بعد أشهر من العمل قررت إدارة المدرسة منح المعلمين المتطوعين سمكا وبصلا وملابس قديمة وأحذية، وكان للأحذية في فقر المخيم وفصل الشتاء حاجة ماسة لتحمي الأقدام من وحل الطرقات، أما نصيب إسماعيل فهو فردتا حذاء واحدة زرقاء اللون والثانية بيضاء.

من هذه الحادثة نسج محمود شقير قصصا كثيرة حملت عناوين مختلفة مثل “حذاء سندريلا” و”حذاء عليّ وزهرة” و”حذاء ناهد” و”حذاء بيرسي” و”حذائي القديم” وغيرها.

ولحذاء شقير القديم قصة لافتة ضمن فصول الكتاب يقول فيها “قبل سنوات ذهبتُ في زيارة من القدس إلى عمّان وكنت تحضّرت للزيارة بالذهاب إلى محل الكندرجي في سوق خان الزيت الذي ركّب نعلا جديدا لحذائي القديم”.

وعلى جسر الكرامة (النقطة الحدودية بين فلسطين والأردن) شكّ رجل الأمن الإسرائيلي بأنني أُخفي رسالة سرّية تحت نعل الحذاء، وسألني وهو يتأمل الحذاء كما لو أنه قنبلة موقوتة ماذا خبأت تحت هذا النعل؟ فأجبته لم أُخبئ شيئا.

هددني بتمزيقه إن لم أعترف، وبالفعل أحضر سكينا وفصل النعل الجديد عن جلد الحذاء ولم يجد شيئا، ثم ناولني الحذاء ومشيت بصعوبة إلى الحافلة، وحين وصلتُ عمان مضيتُ إلى أقرب محل واشتريت حذاء جديدا.

4-أسيل جندي، جبل المكبر، القدس، فلسطين، الكاتب المقدسي محمود شقير(الجزيرة نت).JPG
يعكس كتاب محمود شقير تشابه مصائر اللاجئين خلال النكبة وبعدها (الجزيرة)

تشابه المصير وقصص الأحذية

وبالإضافة لقصة حذاء إسماعيل، يتطرق الكاتب شقير إلى حذاء “تمام” الذي انتعلته عند خروجها وعائلتها من يافا إلى بيروت في نكبة عام 1948، وعن اضطرارها هناك لارتداء حذاء شقيقتها الذي كان يضغط على أصابع قدميها وكان لونه أبيض وقررت صبغه بالأسود، ومع هطول المطر بهت لونه فأصبح ما بين الرمادي واللالون وعليه أشكال عجيبة تتبدل كلما أعادت صبغه كل يومين أو 3.

محطات أمل وألم كثيرة توقّف عندها شقير في كتابه الجديد الذي سمّاه “بيت من ألوان” لأنه يسرد قصة زوجين من الفنانيْن التشكيليين الفلسطينيين توقف قلب أحدهما وما زال الآخر ينبض ليواصل المشوار.

وختم كتابه الذي تحدث به عن النكبة ومعاناة الفلسطينيين بعدها، بطريقة سلسلة وماتعة، حيث يقول “ظلّ إسماعيل يأخذ فلسطين إلى العالم بكل إخلاص، وظلّت تمام كذلك تأخذ فلسطين إلى العالم، وما زالت بعد رحيل إسماعيل تواصل الطريق الذي بدآه معا بكل أمل وجد واجتهاد”.

يُذكر أن الكاتب المقدسي محمود شقير ولد في القدس عام 1941، وبدأ الكتابة عام 1959 بمحاولات لم تنشر، وفي 1962 نشر قصته الأولى في مجلة “الأفق الجديد” المقدسية وبعد ذلك توالت كتاباته في القصة والمقالة الأدبية والسياسية حتى اليوم.

وأنجز خلال هذه السنوات الطويلة 75 كتابا في القصة والرواية وأدب الرحلة واليوميات والسير الذاتية وأدب الأطفال والفتيات والفتيان، بالإضافة لكتابة نصوص مسرحية وسيناريوهات مسلسلات تلفزيونية.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.