الخرطوم – بعد أيام من تجميد أرصدة شركاته ووقف صرف أجور قواته، أقال رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان نائبه وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في خطوة لنزع مشروعيته الدستورية ورفع الغطاء السياسي عنه.

وتأتي هذه الإقالة بعدما تحرك مستشار الدعم السريع للشؤون السياسية يوسف عزت لحشد الدعم في الخارج، حسب مراقبين توقعوا أن تؤدي هذه الخطوات إلى تصاعد العنف في إقليم دارفور.

وجاء قرار البرهان بإقالة حميدتي من منصب نائب رئيس مجلس السيادة بعد 35 يوما من اندلاع المواجهات بين قواتهما، وتصنيف قائد الجيش قوات الدعم السريع بـ”مليشيات متمردة”، مما أثار تساؤلات دوائر سياسية وإعلامية عن سبب تأخير إقالة حميدتي من منصبه الدستوري.

رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان وبجواره (يمين) نائبه قائد قوات الدعم السريع حميدتي (الأناضول-أرشيف)

محاصرة أي تحرك

وفي حديث مع الجزيرة نت، قال مصدر في مجلس السيادة إن البرهان كان مشغولا منذ بداية الحرب في منتصف أبريل/نيسان الماضي بقيادة العملية العسكرية لكسر ظهر متمردي الدعم السريع حتى تحققت أهداف العملية التي دخلت مرحلتها الأخيرة.

وبعدما أمسك قائد الجيش بزمام المبادرة وبات واثقا من نهاية التمرّد، بدأ في ترتيب البيت الداخلي لتهيئة المسرح لما بعد مرحلة الحرب، وأتى عزل قائد الدعم السريع في إطار هذه الترتيبات، حسب المصدر ذاته.

ويضيف المصدر أن إبعاد حميدتي من مجلس السيادة وليس منصب نائب رئيسه فقط، ينزع عنه أي مشروعية دستورية أو حصانة سياسية، ويرفع الغطاء السياسي عن أي تحرك في داخل البلاد أو خارجها، وإحراج أي جهة تحاول التعامل معه.

واحتجّت الخارجية السودانية، الخميس الماضي، لدى دولة جنوب السودان بعد استقبالها مستشار حميدتي للشؤون السياسية يوسف عزت، والسماح له بعقد مؤتمر صحفي في جوبا بعد لقائه رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت.

ترتيبات عسكرية

وفي إطار ترتيبات عسكرية أقرّتها قيادة الجيش منذ بداية العام، عيّن البرهان أعضاء المكون العسكري في مجلس السيادة في مواقع عسكرية، حيث أعلن الفريق أول شمس الدين الكباشي نائبا للقائد العام للجيش، والفريق أول ياسر العطا والفريق إبراهيم جابر مساعدين للقائد العام للجيش.

وكان البرهان أصدر هيكلة جديدة في الجيش، وأعاد العمل بنظام القائد العام ورئاسة الأركان وتعيين نائب للقائد العام و3 مساعدين كان من المتوقع أن يكون حميدتي أحدهم ممثلا لقوات الدعم السريع في هيئة قيادة الجيش.

وحسب مصادر عسكرية، فإن الترتيبات الجديدة أبعدت حميدتي من المعادلة، وقالت إن توزيع المواقع العسكرية راعى البُعد الجغرافي؛ فكباشي ينحدر من ولاية جنوب كردفان، وياسر العطا من شمال البلاد، وجابر من غرب دارفور وينتمي إلى قومية الرزيقات التي ينتسب إليها قائد الدعم السريع أيضا.

وعن عدم إحالة حميدتي للتقاعد في الجيش أو تجريده من رتبته العسكرية بعد تصنيفه متمردا، تقول المصادر العسكرية للجزيرة نت إن البرهان يريد تقديم حميدتي إلى محاكمة عسكرية في حال إلقاء القبض عليه، وإذا أحيل للتقاعد أو جُرد من رتبته فسيصبح شخصية مدنية، لافتة إلى أن الأفعال التي ارتكبها قائد الدعم السريع عقوبتها الإعدام في قانون القوات المسلحة.

ولم يعد لقائد الدعم السريع أي مستقبل سياسي أو موقع في المؤسسة العسكرية، حسب المصادر ذاتها. وليس أمامه إلا البحث عن خروج آمن بعدما اشتد عليه الخناق وانكسرت شوكة قواته وهربت أعداد كبيرة منها إلى غربي البلاد.

ولا تستبعد المصادر أن يحاول حميدتي مغادرة البلاد للنجاة بنفسه؛ حيث يمتلك أموالا واستثمارات كبيرة في دول عربية وأفريقية يشرف عليها شقيقه الأصغر القوني حمدان دقلو.

n this image grab taken from handout video footage released by the Sudanese paramilitary Rapid Support Forces (RSF) on April 23, 2023, fighters ride in the back of a technical vehicle (pickup truck mounted with a turret) in the East Nile district of greater Khartoum. A US-brokered ceasefire between Sudan's warring generals entered its second day on April 26, 2023, but remained fragile after witnesses reported fresh air strikes and paramilitaries claimed to have seized a major oil refinery and power plant. (Photo by Rapid Support Forces (RSF) / AFP) / === RESTRICTED TO EDITORIAL USE - MANDATORY CREDIT "AFP PHOTO / HO / SUDAN RAPID SUPPORT FORCES (RSF)" - NO MARKETING NO ADVERTISING CAMPAIGNS - DISTRIBUTED AS A SERVICE TO CLIENTS === - === RESTRICTED TO EDITORIAL USE - MANDATORY CREDIT "AFP PHOTO / HO / SUDAN RAPID SUPPORT FORCES (RSF)" - NO MARKETING NO ADVERTISING CAMPAIGNS - DISTRIBUTED AS A SERVICE TO CLIENTS ===
قوات تابعة لحميدتي الذي يعتقد محللون أن البرهان أراد الإبقاء على صفته العسكرية تمهيدا لمحاكمته (الفرنسية)

مرحلة اللاعودة

من وجهة نظره، يرى المحلل السياسي سامي الهباني أن العلاقة بين البرهان وحميدتي بلغت مرحلة اللاعودة، ويستبعد أية تسوية تعيد قائد الدعم السريع إلى المشهد السياسي أو العسكري.

وفي حديث مع الجزيرة نت، يرى الهباني أن قرارات قائد الجيش بتجميد أرصدة شركات الدعم السريع ووقف صرف الميزانية المخصصة له، بجانب إبعاد حميدتي عن منصبه الدستوري في مجلس السيادة، تحجّم دوره وتؤدي إلى تذمر وسط قواته التي ستفقد مرتباتها، وتوقّع أن يقود ذلك إلى تصاعد العنف في دارفور.

ويوضح المحلل أن ما جرى في نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور خلال اليومين الماضيين هو احتجاج قوات الدعم السريع على وقف مرتّباتها؛ حيث هاجمت مقر بنك السودان في المدينة فصدّها الجيش، مما أدى إلى مواجهات بينهما أسفرت عن مقتل العشرات من العسكريين ومن المدنيين أيضا الذين سقطت القذائف وشظايا الصواريخ على منازلهم.

واستبعد الهباني أن يتكرر نموذج دولة جنوب السودان في السودان عندما تمرّد رياك مشار نائب رئيس الدولة على الرئيس سلفاكير ميارديت، ودخلا في حرب دامية أدت إلى سقوط آلاف الضحايا من قوات الطرفين وتحولت إلى مواجهات مسلحة بين قبيلتيهما.

ودفعت الضغوط الإقليمية والدولية سلفاكير ومشار إلى تسوية سياسية عاد بموجبها الأخير نائبا للرئيس واقتسما السلطة ودمجت قواته في الجيش، غير أن هذه الخطوات لا تزال متعثرة، حسب الهباني.

مناورة

في المقابل، وصف مصباح أحمد المتحدث باسم “حزب الأمة”، أكبر أحزاب قوى الحرية والتغيير، قرار إقالة حميدتي بأنه “تكتيك” ومناورة من البرهان للضغط على قائد قوات الدعم السريع قبل بدء مفاوضات بين الطرفين لحل الأزمة في إطار المبادرة الأميركية السعودية.

وفي حديث مع الجزيرة نت، قال أحمد إن القرار أبعد حميدتي من منصب نائب رئيس مجلس السيادة وليس من عضوية المجلس، وإن كل طرف سيحاول استخدام الأوراق التي يمتلكها في مواجهة الآخر لتحقيق أكبر مكاسب سياسية ممكنة.

ويعتقد أحمد أن مفاوضات جدة بين الجيش والدعم السريع دخلت مرحلة متقدمة. ولذا، سارع البرهان بعد أكثر من شهر على بداية الاشتباكات لاتخاذ قرارات بحق قوات الدعم السريع وقائدها، وكان من الممكن أن يتخذها مع بداية الأزمة.


المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.