بيروت- تكتسب الانتخابات البرلمانية في لبنان لدورة 2022، أهمية استثنائية، لا تقتصر على ما سبقها من انهيار تاريخي عصف البلاد، بل لأن البرلمان الجديد، وبتوازنات كتله التمثيلية المنبثقة عن التصويت الشعبي، سيلعب الدور المحوري في هندسة التسويات التي يقبل عليها لبنان، وتحديدا لجهة انتخاب رئيس المجلس وتشكيل الحكومة وانتخابات رئاسة الجمهورية.

ولفهم تركيبة المجلس النيابي ودوره السياسي والاختصاصي والرقابي والتمثيلي، تعرض الجزيرة نت عبر سؤال وجواب إلى تاريخه كامتداد للحاضر وتحدياته، وتسليط الضوء على أبرز محطاته وطبيعة تشكلها، في بلد لم تعرف حياته السياسية الاستكانة رغم كل الإجراءات الدستورية لتحقيق التوازن بين أطرافه.

يجيب على الأسئلة رياض حسين غنام، المدير العام لشؤون الجلسات واللجان بالبرلمان منذ العام 1993، وهو حائز على شهادة الدكتوراه بالتاريخ، ودخل الحقل الوظيفي في مجلس النواب منذ العام 1972، وله نحو 27 مؤلفا يتعلق بتاريخ لبنان وسيره ونظامه ومجالسه، وواكب مسيرة الكتل البرلمانية إبان الحرب الأهلية وما بعد اتفاق الطائف في الرياض (1990) حتى اليوم.

رياض غنام استعرض للجزيرة نت تاريخ التجربة البرلمانية اللبنانية منذ بداية تشكلها قبل عقود (الجزيرة)

متى عرف لبنان الحياة التمثيلية في تاريخه؟ وما أبرز محطاتها؟

لا بد من العودة إلى أيام محمد علي باشا في عهد الحكم المصري لبلاد الشام، حين أسس مجلس مشورة في مدينة بيروت، يضم 12 عضوا مسلما و12 عضوا مسيحيا، وذلك من العام 1832 حتى 1840.

وفي 1840 بعد حرب أهلية ضارية وجلاء المصريين، جاء شكيب أفندي، أحد كبار المسؤولين العثمانيين ووزير خارجيتها، وأسس نظام القائمقاميتين في العام 1842، بدفع من الأوروبيين، وكان حينها جبل لبنان إمارة الشهابية. وبعد انتهاء الإمارة، جرى توافق دولي مع الدولة العثمانية قضى بتقسيمها إلى قسمين: قائمقامية درزية، وأخرى مسيحية.

ثم عرف لبنان الحياة التمثيلية في فترة نظام القائمقاميتين بعهد شكيب أفندي، عندما أقام عام 1845 مجلسًا لكل قائم مقام، مؤلفًا من وكيل قائم مقام، وقاضٍ ومستشار مسلمين، وقاضٍ ومستشار درزيين، وقاضٍ ومستشار مارونيين، وقاض ومستشار أرثوذكسيين، وقاضٍ ومستشار من الروم الكاثوليك ومستشار شيعي فقط، لأن قاضي الإسلام السني يقضي عن الطائفتين معًا. وحينها، حصرت الهيئة الناخبة بالمطارنة والشيوخ، وحددت صلاحيات المجلسين فكانت تشريعية وإدارية وقضائية.

واستمر نظام القائمقامية حتى الحرب الأهلية الواسعة عام 1860، ثم جرى اتفاق دولي على توحيدهما في دولة واحدة أطلقوا عليها اسم متصرفية جبل لبنان، وكان أول متصرف داوود باشا.

ومع قيام نظام متصرفية جبل لبنان في العام 1861، نصّ نظام المتصرفية على إنشاء مجلس إدارة مؤلف من 12 عضوًا، يمثلون المجموعات الدينية الكبرى، فتمثل الموارنة بـ4 مقاعد، والروم الأرثوذكس بمقعدين اثنين، والروم الكاثوليك بمقعد واحد. في حين تمثل الدروز بـ3 مقاعد، والسنة بمقعد واحد والشيعة بمقعد واحد، ثم أضيف مقعد واحد للطائفة المارونية عن دير القمر في العام 1913، فأصبح للموارنة 5 مقاعد.

في عهد المتصرف رستم باشا (1872-1882)، جرت الانتخابات على الطريقة المعروفة في الغرب، فاقتصرت صلاحيات المجلس على الأمور الإدارية والمالية وإبداء المشورة، ومنها توزيع التكاليف في الضرائب والبحث بمصاريف الجبل ومراقبة الواردات والنفقات، وإنشاء طرق العربات وصيانتها والمحافظة على المشاعات والنظر بقانونية انتخابات شيوخ آل الصلح. أما الهيئة الناخبة فكانت شيوخ الصلح، وهؤلاء كانوا ينتخبون من الأهالي بمعنى أن الانتخابات تجري على درجتين.

ظل هذا المجلس يعمل حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، وكان يتجدد كل سنتين. وفي بداية الحرب العالمية الأولى، عين جمال باشا مجلسا للإدارة، لكن جورج بيكو (دبلوماسي فرنسي اشتهر بتوقيعه على اتفاقية سايس بيكو وكان مسؤولًا عن إلحاق مناطق المشرق العربي بالنفوذ الفرنسي والتأسيس للانتداب على سوريا)، أعاد بعد انتهاء الحرب وخضوع المنطقة للانتداب الفرنسي، مجلس الإدارة الذي كان قائما قبل الحرب، واستمر حتى يوليو/تموز 1920.

ومنذ ذلك التاريخ، أصدر المفوض السامي الجنرال غورو، قرارا قضى بحل مجلس الإدارة بعد اتهامه بالخيانة. وأنشأ لجنة إدارية مؤلفة من 15 عضوًا، ثم ارتفع عددهم إلى 17 عضوًا، يمثلون الطوائف اللبنانية، فكان 4 مقاعد للموارنة، و3 مقاعد للأرثوذكس، ومقعد واحد للكاثوليك، و4 مقاعد للسنة، ومقعدان للشيعة، ومقعد واحد للدروز.

كيف تطور تاريخيا هذا المجلس من مسمى “اللجنة الإدارية” إلى مسمى مجلس النواب التشريعي؟

في العام 1922 رأى المفوض السامي أن اللجنة الإدارية يجب أن تتمتع بصلاحيات تمثيلية أوسع، فتم انتخاب المجلس التمثيلي الأول في مايو/أيار 1922، وقد تألف من 30 عضوا، منهم 17 للمسيحيين، فكان منهم 10 موارنة و4 أرثوذكس واثنان للكاثوليك وواحد للأقليات. أما المسلمون، فكان لهم 13 عضوا، منهم 6 سنة و5 شيعة واثنان دروز.

استمر هذا المجلس التمثيلي الأول حتى سنة 1925. وفي 22 يونيو/حزيران من تلك السنة، جرى انتخاب المجلس التمثيلي الثاني. وبسبب اندلاع الثورة السورية الكبرى في العام 1925، لم يتمكن المجلس من النظر في وضع الدستور اللبناني حتى مايو/أيار 1926.

وبعد صدور الدستور اللبناني، في 23 مايو/أيار 1926، أصبحت تسمية المجلس التمثيلي مجلس النواب وإلى جانب مجلس الشيوخ المعين من قبل المفوض السامي، وكان عدده 16 عضوا.

وبسبب الخلاف بين المجلسين النواب والشيوخ، لأسباب عديدة، تم التصويت على مشروع تعديل أقره المجلسان قضى بإلغاء مجلس الشيوخ ودمجه بمجلس النواب، مما رفع أعضاء هذا المجلس إلى 46 عضوا.

وفي فترة الانتداب الفرنسي، كان مجلس النواب يخضع لإرادة المفوض السامي ولم يكن سيد نفسه كما هو في فترة الاستقلال. وقد تم تعليق العمل بأحكام الدستور أكثر من مرة: أولها في العام 1932، عندما علق المفوض الحياة الدستورية في لبنان، وحل البرلمان خوفا من وصول الشيخ محمد الجسر إلى رئاسة الجمهورية.

ثم عين شارل دباس في ذلك العام رئيسا للحكومة يعاونه مجلس للمديرين ويتولى السلطتين التنفيذية والتشريعية، وذلك بعد انتخابه أول رئيس للبنان إثر وضع الدستور موضع التنفيذ في العام 1926.

وثانيها، عندما حل المفوض السامي غبريال بيو المجلس في 21 سبتمبر/أيلول 1929، بحجة الضرورات العسكرية، التي فرضتها الحرب العالمية الثانية، وظل معلقا حتى مارس/آذار 1942. وثالثها، عندما حل المفوض السامي الفرنسي جان هللو المجلس بعدما عدل مجلس النواب الدستور بهدف تخليصه من قيود الانتداب الفرنسي في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول 1943.

لكن المفوض تراجع عن قراره بعد 10 أيام بضغط من الجنرال سبيرز، فأطلق المعتقلين الرؤساء والوزراء من قلعة راشيا في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1943، وهو ذكرى استقلال لبنان.

متى عرف لبنان انتخابات مجالس النواب بصيغتها الجديدة؟ وكم مرة جرى التمديد؟

بعد إلغاء مجلس الشيوخ وضم أعضائه إلى مجلس النواب، فإن أول مجلس نيابي جرى انتخابه كان في 18 فبراير/شباط 1927، واستمر حتى 31 مايو/أيار 1929.

وكان يتألف من 46 عضوًا، انتخب 30 عضوا منهم انتخاب، وعين 16 عضوا بعد دمج مجلس الشيوخ.

وحصة المحافظات فيه كانت كالآتي: جبل لبنان 12 نائبا، بيروت 10 نواب، الجنوب 10 نواب، الشمال 7 نواب، البقاع 7 نواب. وحصة المذاهب كالآتي: 15 نائبا للموارنة، 9 نواب للسنة، 8 نواب للشيعة، 6 نواب للأرثوذكس، 3 نواب للكاثوليك، 3 نواب للدروز، و3 نواب أقليات. أي أن للمسيحيين 26 عضوًا، وللمسلمين 20 عضوًا.

ولاحقًا، جرى انتخاب مجلس نواب كل 4 سنوات، تطور عدد مقاعده وتوزيعها بين الطوائف في الدورات المتعاقبة تدريجيًا، من 55 مقعدًا، إلى 77 مقعدًا، ثم 44 مقعدًا و66 مقعدًا، إلى أن جرى انتخاب المجلس النيابي العاشر، في العام 1960، وتألف من 99 مقعدًا، وتوزعت فيه المقاعد بالمناصفة بين المسلمين والمسيحيين. واستمرت الانتخابات وفق هذه الصيغة حتى المجلس الـ12 (1968-1972).

لكن المجلس الـ13، الذي جرى انتخابه في العام 1972 وفق الصيغة عينها، بقي حتى 1992، أي 20 عاما، وذلك خلال فترة الحرب الأهلية اللبنانية. إذ جرى التمديد له 8 مرات، بعهود رؤساء الجمهورية كالآتي:

  • التمديد بعهد الرئيس الراحل سليمان فرنجية ( 13 مارس/آذار 1976)
  • التمديد بعهد الرئيس إلياس سركيس مرتين: الأولى في 20 فبراير/شباط 1978، والثانية في الثاني من يونيو/حزيران 1980.
  • التمديد في عهد الرئيس أمين الجميل 4 مرات: الأولى في 21 مايو/أيار 1983؛ الثانية في 22 يونيو/حزيران 1984، والثالثة في 11 فبراير/شباط 1986، والرابعة في 22 ديسمبر/كانون الأول 1987.
  • التمديد بعهد الرئيس اللياس الهراوي في السابع من ديسمبر/كانون الأول 1989.
الطريق-نحو-البرلمان-تحيطه-اجراءات-أمنية-مشددة-ويمنع-دخول-المواطنين-إلى-باحته-دون-سبب-منذ-انتفاضة-17-اكتوبر-2019---الجزيرة
إجراءات مشددة في محيط البرلمان اللبناني قبيل الانتخابات (الجزيرة)

وهكذا، تعاقب على لبنان منذ نشأة الدولة اللبنانية لغاية سنة 1970، 15 مجلسا، كان منهم اللجنة الإدارية ومجلسان تمثيليان في عهد الانتداب الأول، و4 مجالس نيابية في عهد الدستور والانتداب الثاني، و8 مجالس نيابية في عهد الاستقلال.

لاحقا، وبناء على وثيقة الوفاق الوطني (اتفاق الطائف)، جرى في العام 1992 انتخاب مجلس النواب الـ14، وتطبيقا للتساوي بين المسلمين والمسيحيين، تقرر بصورة استثنائية، ولمرة واحدة، أن تملأ بالتعيين دفعة واحدة المقاعد النيابية الشاغرة والمقاعد المستحدثة، حيث أصبح عدد مقاعد مجلس النواب 108، مناصفة بين المسيحيين والمسلمين. ومن ثم رُفع عدد المقاعد إلى 128 مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، وهو المعمول به دستوريا حتى الآن.

ويتوزع عدد النواب على الشكل الآتي وفق المحافظات:
جبل لبنان 35 نائبا، الشمال 28 نائبا، الجنوب 23 نائبا، بيروت 19 نائبا، البقاع 23 نائبا.

وحصة المذاهب فيه وفق الآتي:
للموارنة 34 نائبا، للسنة 27 نائبا، للشيعة 27 نائبا، للروم الأرثوذكس 14 نائبا، للروم الكاثوليك 8 نواب، للدروز 8 نواب، للأرمن الأرثوذكس 5 نواب، للأرمن الكاثوليك نائب واحد، وللإنجيل نائب واحد، والعلوي نائبان اثنان، وللأقليات واحد.

واستمر انتخاب مجالس النواب بانتظام منذ العام 1996، وجرى التمديد مرتين لمجلس النواب من العام 2009 حتى العام 2018. وفي 31 مايو/أيار 2018، انتخب لبنان مجلس نوابه الحالي، وهو يستعد لانتخاب مجلس جديد في 15 مايو/أيار 2022.

ومنذ ما بعد اتفاق الطائف، استمر انتخاب نبيه بري رئيسا لمجلس النواب. وجاء خلفا للرئيس حسين الحسيني، الذي استمر انتخابه لرئاسة مجلس النواب 6 دورات، من العام 1984 حتى العام 1992.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.