القاهرة- رغم شكاوى أولياء الأمور المتكررة والمحاولات الحكومية للقضاء عليها خلال سنوات ممتدة فضلا عن الأفكار والمبادرات المستقلة فإن الدروس الخصوصية باتت -في ما يبدو- من الأمراض المستعصية على الحل في مصر.

أحدث تلك المبادرات جاءت وسط تصاعد الأزمة الاقتصادية وارتفاع الأسعار التي انعكست أيضا على الدروس الخصوصية، مما دفع البعض إلى تداول فكرة الاعتماد على الشروح المتاحة مجانا على مواقع الإنترنت، خاصة يوتيوب، وهي فكرة تجادل حول فائدتها طلاب وأولياء أمور وخبراء في مجال التعليم.

بدأت الفكرة قبل أيام بمنشور للكاتب علي عبد الله على فيسبوك قال فيه إنه لا حكمة في إنفاق الكثير من الأموال على الدروس الخصوصية في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، فيما هناك مئات القنوات المجانية التي تشرح المناهج على يوتيوب.

ولاقى المنشور رواجا كبيرا، وكانت ردود الفعل عليه كثيرة ومتباينة، لكنها ذهبت في أغلبها إلى أن الاستعاضة عن المعلمين بمقاطع الفيديو ليست بديلا عمليا حتى وإن كانت مجانية.

أين التفاعل والتواصل؟

بدوره، يرى الخبير التعليمي خالد المصري أن عدم وجود شخص يجبر الطالب على الانتباه والتركيز والتفاعل يتنافى مع أسس التعليم، مضيفا “أحيانا يحتاج المعلم لطرح سؤال مباغت للتأكد من مدى تركيز الطالب، وأحيانا أخرى يطرح الطالب سؤالا مفاجئا لاستيضاح جزئية لم يفهمها، لأن المشكلة قد تكون طريقة الشرح، وهنا يبدأ المعلم في شرح المعلومة بطريقة وربما بطرق أخرى حتى إيصالها”.

وفي حديثه للجزيرة نت قال المصري -وهو خبير أول في التربية والتعليم بالقاهرة- إن الدروس على “يوتيوب” تقدم شرحا موحدا للدرس، فيما المدرس يمكنه شرح نفس الدرس بأكثر من طريقة حسب استجابة الطالب وقدراته.

وأضاف أن الدروس على الإنترنت ثابتة لا تتغير من حيث الطريقة والمضمون شأنها شأن الأفلام الوثائقية أو المسلسلات، فيما المناهج وطرق التعليم تتغير أو تتطور بشكل متسارع يجعل الفيديوهات القديمة جزءا من التاريخ.

ويرى المتحدث أن أفضل طرق التعليم هي طريقة الكتّاب التقليدية التي كانت تقوم على الالتزام والثواب والعقاب وقوة المعلم، مضيفا أن “التعلم من يوتيوب يشبه التعلم من قناة ناشيونال جيوغرافيك، ستحصل على معلومة محددة وثابتة عن شيء بعينه، فيما هذه المعلومة قد تتغير أو تتطور بعد يوم واحد من إذاعة الحلقة”.

وختم المصري بالقول “يمكنك تعلم اللغات من خلال يوتيوب، لكن هذا يتطلب منك سنوات طويلة، فيما العام الدراسي له وقت ومنهج محددان”.

عبء إضافي

الرأي نفسه ذهبت إليه سميحة مبروك، وهي متخصصة تربوية وأم لطلاب أيضا، حيث قالت إن التعلم من خلال يوتيوب يمثل عبئا إضافيا على الأم لأنه يتطلب منها القيام بكل ما يقوم المدرس الخصوصي.

وأضافت “سيكون علي الجلوس بجانب ابني خلال للدرس والتوقف معه عند النقاط المهمة ومراجعتها معه والتأكد من استيعابه لها والقيام بكل قواعد تثبيت المعلومة التي يقوم بها المدرس”.

وفي حديثها للجزيرة نت، تقول مبروك إن هذه الطريقة ربما تصلح نوعا ما مع الطلاب الذين تجاوزوا الصف الرابع الابتدائي، لأن الطفل في هذه السن يكون قد تأسس إلى حد كبير ويمكنه الالتزام دون وجود رقيب، لكنها تؤكد أن التحرر من قيد الوقت وضمان عدم التعرض لأسئلة مباغتة يدفعان للإهمال، ناهيك عن الإعلانات التي ستصرف التركيز لأن عدم تشتيت الانتباه من أساسيات الاستيعاب.

وترى أن الميزة الوحيدة التي ينطوي عليها يوتيوب هي أنه يوفر أكثر من قناة لأكثر من مدرس يعتمد كل واحد منهم على طريقته الخاصة والمختلفة عن الآخرين، وخلصت إلى أن “الالتزام بوقت محدد مع مدرس أو أكاديمية أو مركز هو الأفضل والأكثر فعالية من خلال التجربة كمعلمة وأم”.

الفروق الفردية

من جهته، لا يدعم محسن عبد الجواد -خبير أول في التربية والتعليم بمحافظة الجيزة- فكرة الاعتماد على مقاطع مسجلة وثابتة من حيث المعلومات وطريقة الشرح، مضيفا أن “السؤال والجواب والتفاعل أساس التعلم”.

وفي حديث للجزيرة نت، قال عبد الجواد إن أولياء الأمور يدفعون المال في الدرس الخصوصي لتوفير فرصة حصرية للسؤال والجواب المباشر وبأكثر من طريقة وصولا إلى الفهم، وهذا يؤكد أهمية التفاعل المباشر، متسائلا “كيف نصنع هذا التفاعل من خلال مشاهدة فيديو يمكن للطالب النظر إليه دون التركيز في كلمة واحدة مما يقول؟”.

إلى جانب ذلك، فإن الفروق الفردية بين الطلاب أساسية في التعليم بدليل أن امتحانات منتصف ونهاية العام تتدرج في صعوبتها بحيث تراعي هذه الفروق، وهذه مسألة لن يوفرها يوتيوب أبدا، لأنه يخاطب ملايين الطلاب على أنهم طالب واحد يمتلك نفس الإمكانيات ونفس درجة التركيز، ناهيك عن نفس الرغبة في التعلم أصلا، وهذه قصة أخرى، حسب اعتقاد الخبير التعليمي.

وحتى الحديث عن إمكانية تكرار سماع الفيديو أكثر من مرة لفهم الدرس ليس صحيحا كما يقول عبد الجواد، لأن العيب أحيانا يكون في طريقة الشرح وليس في صعوبتها، حيث يعتمد التعليم على الإرسال والاستقبال المباشر وفق أسس تراعي سلوك ومهارات المعلم والطالب وطريقة تعاطي كل منهما مع الآخر، بل والحالة النفسية لكليهما خلال الحصة.

أمور لا يمكن توفيرها

إلى جانب ما سبق، فإن أمرا مهما جدا لا يمكن توفيره في يوتيوب وهو منح الطالب فرصة التوصل لبعض الاستنتاجات بمفرده، لا أن يكون مجرد مستمع لا دور له، وهذه مسألة خطيرة جدا كما تقول مها البدري، وهي مديرة إحدى مدارس اللغات في محافظة الجيزة.

وفي حديثها للجزيرة نت، تضيف البدري “لماذا يتم عمل فصول للمتفوقين وأخرى لمتوسطي المستوى في المدارس من أجل مراعاة الفروق الفردية؟ لأنه كلما زادت درجة ذكاء الطالب زاد إشراكه في العملية ودفعه لتوليد الأفكار والتوصل للاستنتاجات بنفسه”.

الأكثر من ذلك -تقول البدري- فإن المدرس أو المدرسة الأكثر صرامة هما الأكثر تحصيلا للنتائج كما تؤكد لنا التجارب، مضيفة “أولياء الأمور أصبحوا يطلبون وضع أولادهم في فصول يتولاها مدرسون ومدرسات يتسمون بالصرامة والشدة، وحتى عندما يطلبون ترشيح مدرس لإعطاء ابنهم أو ابنتهم درسا خصوصيا فإنهم يسألون عن المدرس القوي، وهم محقون في هذا”.

ووصفت البدري المادة العلمية بقطعة الصلصال التي يتم تشكيلها بالتعاون بين المعلم والطالب، ولا يمكن أبدا إبعاد الطالب عنها، ثم نتوقع منه أن يعرف كيف صُنعت.

تجربة شخصية

بدوره، يتفق عبد الله الشربيني -وهو طالب في الفرقة الرابعة بكلية التجارة الإنجليزية في جامعة القاهرة- مع كل ما سبق، لكنه يرى أن الشيء الوحيد الذي يتغلب على كل ما ذكر من عيوب هو وجود هدف محدد ورغبة في تحقيقه لدى الطالب.

وفي حديثه للجزيرة نت، يضيف الشربيني أنه تعلم اللغة الإنجليزية والبرمجة من خلال يوتيوب ودون أي مصروفات، لكنه عندما اعتمد عليه في الصف الثالث الثانوي كانت النتيجة أنه لم يتمكن من الإلمام بالمنهج كاملا بسبب غياب الرقابة والالتزام بإنهاء دورس محددة في وقت بعينه، فضلا عن البحث وسط عشرات القنوات عن أفضل طريقة للشرح، وهو ما دفعه إلى تأجيل الامتحان للعام التالي.

وفي العام التالي -يضيف الشربيني- “اعتمدت على يوتيوب، لكنني التزمت بمراجعة شهرية مع المدرسين، وهو ما وفر الكثير من المال من جهة وضمن لي الوقوف على مدى تحصيلي من جهة أخرى، لأن توضيح بعض النقاط الملتبسة يتطلب نقاشا مباشرا حتى يمكن فهمها، وهذا أمر لا يمكن الاستغناء عنه أبدا عندما نتحدث عن منهج دراسي وامتحانات لها توقيتات”.

وبعد الثانوية تمكن الشربيني من إجادة الإنجليزية إلى حد كبير عبر يوتيوب، لكن الأمر تطلب منه 3 سنوات كاملة، ثم تعلم مسار برمجة المواقع وحصل على شهادة الشبكات المعتمدة من شركة سيسكو الأميركية “المستويان المبتدئ والاحترافي”، لكنها استغرقت منه عاما بدلا من 6 أشهر مع مدرب مباشر.

وخلص الشربيني إلى أن عيوب يوتيوب كلها تربوية وليست تعليمية، ومن ثم فهي بحاجة لشاب ناضج لديه شغف وأهداف تدفعه إلى الالتزام ووضع جداول زمنية وتعليمية محددة، فيما الحديث عن مناهج دراسية لطلاب عاديين سيكون مضيعة للوقت ما لم يكن هناك رقيب يفرض عليك هذه الجداول.


المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.