تكنولوجيا الأزياء أو الموضة هي في الأساس أي تقنية مبتكرة تخلق وتستخدم أدوات معاصرة للصناعة، سواء كانت تعمل على تحسين إنتاج الأزياء أو استهلاكها. فما أكبر تقنيات الموضة في الوقت الحالي؟

تستفيد العلامات التجارية وشركات الأزياء الآن من التقنيات المبتكرة بما في ذلك الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والواقع الافتراضي وغيرها من التقنيات الحديثة لخلق تجربة مختلفة ومميزة لعملائها في مسعى لتغيير هذه الصناعة إلى الأفضل، وذلك حسب ما ذكرت منصة “فيوتشر ليرن” (future learn) في تقرير موسع لها عن الموضوع مؤخرا.

وزاد الاستثمار في التكنولوجيا المتعلقة بالموضة والأزياء بنسبة 66% خلال فترة الوباء، وفقا لبحث أجرته مؤسسة “ذا بيزنس أوف فاشون آند ماكينزي” (The Business of Fashion and McKinsey)، إذ وجد التقرير أن قيمة أكبر 50 استثمارا في التكنولوجيا المتعلقة بالموضة على مدار العام الماضي -سواء في تجار التجزئة أو الشركات التي تبيع منتجات وخدمات لشركات مرتبطة بالموضة- ارتفعت بنسبة 66% لتصل إلى 16.2 مليار دولار منذ عام 2019، مما يشير إلى زيادة رأس المال الذي يتم توظيفه في التكنولوجيا المتعلقة بهذا القطاع، وفقا لما ذكرته منصة “كمبيوتر ويكلي” (computer weekly) مؤخرا.

ما أكبر تقنيات الموضة في الوقت الحالي؟

نناقش الآن أهم التقنيات المستخدمة في صناعة الموضة والأزياء من قبل كبرى الشركات العالمية المنتجة، التي سيزيد الاعتماد عليها خلال السنوات القادمة، إذ يمكننا توقع رؤية المزيد من الابتكارات التي تعمل على تحسين إنتاج واستهلاك الأزياء، وذلك حسب تقرير منصة “فيوتشر ليرن”.

تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الموضة تحسن تجارب العملاء وفهم أنماط الشراء وجماليات الموضة (رويترز)

الذكاء الاصطناعي

يعد الذكاء الاصطناعي من كبرى التقنيات المستخدمة في جميع الصناعات حاليا، وليس الموضة فحسب. والذكاء الاصطناعي هو محاكاة الذكاء البشري بواسطة أجهزة الحاسوب والبرامج والآلات، وتستخدمه مؤخرا شركات صناعة الأزياء لأغراض عديدة ومتنوعة.

وتشمل تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الموضة القدرة على تحسين تجارب العملاء، وتحليل الاتجاهات والتنبؤ بها وفهم أنماط الشراء، وحتى فهم جماليات الموضة.

وأحد الأمثلة على ذلك هو الشاشات التي تعمل باللمس في متاجر البيع بالتجزئة التي تقدم نصائح متخصصة حول المنتج للعملاء الذين يستخدمون تقنية الدردشة بالذكاء الاصطناعي، وفي هذه السيناريوهات، يمكن تدريب الذكاء الاصطناعي لفهم الجماليات، بما في ذلك تفضيلات اللون والملمس والأسلوب.

الواقعان الافتراضي والمعزز

وتستخدم كذلك تقنيتا الواقعين الافتراضي والمعزز؛ إذ يتضمن الواقع الافتراضي بيئة محاكاة بالكامل، في حين ينقل الواقع المعزز التفاعل والمحاكاة إلى العالم الحقيقي.

وفي صناعة الأزياء، يعد استخدام الواقع الافتراضي والواقع المعزز مدهشا بشكل لا يصدق، حيث يسمحان بدمج العالمين المادي والرقمي لتقديم تجربة شراء ممتعة للعملاء، وأحد أكثر استخدامات الواقع الافتراضي في الموضة شيوعا هو التكنولوجيا التي تسمح للعملاء بتجربة الملابس افتراضيا، في حين يسمح استخدام الواقع المعزز بالذهاب إلى أبعد من ذلك بكثير بإنشاء نسخة رقمية واقعية لمتجر كامل.

الطباعة ثلاثية الأبعاد

مع ظهور الطباعة ثلاثية الأبعاد في الموضة، يمكننا حقا البدء في رؤية كيف يمكن للابتكار والتكنولوجيا مساعدة العلامات التجارية على أن تصبح أكثر استدامة وحفاظا على البيئة. والطباعة ثلاثية الأبعاد هي عملية تصنيع حيث يمكن إنشاء منتجات حقيقية من التصميمات الرقمية.

ويستكشف خبراء هذه الصناعة حاليا الإمكانيات التي تملكها هذه التقنية وتوفير المال والوقت والجهد، إذ يمكن أن تؤدي الملابس المطبوعة بهذه التكنولوجيا إلى التوفير والتقليل من الإهدار في المنسوجات مقارنة بطرق التصميم التقليدية، كما تؤدي أيضا إلى الحفاظ على البيئة من خلال تقليل استخدام المياه وخفض الانبعاثات الهوائية والحد من تلوث المياه.

إضافة إلى ذلك، فإن خيارات المصممين غير محدودة مع الطباعة ثلاثية الأبعاد حيث توجد هناك قيود قليلة جدا عندما يتعلق الأمر بهيكلة وتصميم الملابس والأقمشة والإبداع. وبهذه الطريقة، يمكن أن تؤدي الطباعة ثلاثية الأبعاد إلى تصميمات أزياء أكثر إبداعا وإثارة من أي وقت مضى.

فستان يضيء بألوان مختلفة حيث يعد استخدام الواقع الافتراضي والواقع المعزز مدهشا بشكل لا يصدق (رويترز)

إنترنت الأشياء

هناك العديد من الاحتمالات التي يوفرها استخدام هذه التقنية، من ملابس التمارين الرياضية التي يمكنها قياس معدل ضربات قلبك إلى ملابس الأطفال التي يمكنها تحديد نمط نوم طفلك.

والصحة ليست المجال الوحيد؛ فمن الممكن باستعمال هذه التكنولوجيا تقديم اقتراحات التصميم بناء على أفعال المستهلكين ورغباتهم.

النسيج ثلاثي الأبعاد والتنبؤ بالطلبات

وتطورت “تكنولوجيا الأزياء” (Fashion Tech) مؤخرا لتشمل النسيج ثلاثي الأبعاد، وتقنية مسح الجسم بملايين نقط البيانات التي تضمن أحجاما مثالية للملابس تتوافق تماما مع جسد مرتديها، إضافة إلى صناعة أزياء معينة ومخصصة حسب الطلب، وكل هذا انعكس على حماية البيئة من خلال تقليل كمية النفايات الناتجة عن هذه الصناعة، وذلك حسب ما ذكرت منصة “غلوسي” (glossy) مؤخرا.

وقالت أنيتا بالتشانداني، الشريكة في مؤسسة “ماكينزي” (McKinsey)، إن “دور التكنولوجيا في الموضة سيشمل في المستقبل القريب ’التنبؤ بالطلبات المتوقعة‘ (predictive demand forecasting)، لتمكين تدفق المنتجات إلى الأسواق في الوقت والزمان المناسبين” مؤكدة أن التكنولوجيا ستلعب دورا متزايدا في التصميم، والتخلص من نفايات الإنتاج وبالذات تلك الناتجة عن العينات التي يطلبها العملاء.

بقايا بلاطين الجينز تصل القطب الشمالي
الملابس الرقمية والروبوتات تستثمر الوقت والموارد لتحسين التكنولوجيا الملائمة لإنشاء الجينز وتخفيف التلوث (شترستوك)

سياسة صفر نفايات

تعد صناعة الأزياء ثاني أكبر صناعة تسبب التلوث في العالم بعد صناعة النفط، وبإمكان التكنولوجيا أن تحل هذه المعضلة، وصولا إلى تقليل حجم النفايات الناتجة عنها إلى الصفر تقريبا.

حاليا، تعالج النفايات الناتجة عن الصناعة من قبل العديد من الشركات المتخصصة مثل شركة “أنسبن” (Unspun) التي تأسست عام 2015، وشركة “لوز أوف موشن” (Laws of Motion) التي تأسست عام 2019.

وأنسبن علامة تجارية للملابس الرقمية والروبوتات تستثمر الوقت والموارد في تحسين التكنولوجيا الملائمة لإنشاء نوع من سراويل (بناطيل) الجينز حسب الطلب، وتتمثل المهمة التي وضعتها الشركة الطموحة لنفسها في تقليل البصمة الكربونية البشرية العالمية إلى 1% عن طريق تقليل النفايات في مرحلة الإنتاج. وتستخدم في هذا الإطار نموذجا يدعى “التفصيل حسب الطلب” (made-to-order model) يقلل من النفايات ولا يترك أي مخزون متبق في مراحل الإنشاء المبكرة.

وتنشئ أنسبن نماذج ثلاثية الأبعاد دقيقة لعملائها من خلال مسح يمكن إجراؤه بواسطة هاتف “آي فون” (iPhone).

وفي هذا السياق، قالت أنيكا فيسر المصممة الرائدة في مجالها بالشركة، لمنصة غلوسي، إن “فئة الدنيم” (denim category) كانت أفضل نقطة انطلاق للعلامة التجارية، نظرا لأهميتها الثقافية وتأثيرها الكربوني.

و”الدنيم” هو المادة الخام الأساسية التي يصنع منها الجينز بكل أشكاله وأنواعه، ويتوفر بلون طبيعي واحد فقط وهو الأزرق النيلي. وقالت فيسر إن “الدنيم قطعة أساسية في خزانة الملابس للجميع، كما أنه من أصعب الملابس التي يمكن ملاءمتها، ونحن موجودون لنكون أكثر شمولا لأنه يمكننا صنع أي حجم مهما كان وبكافة الأشكال الممكنة أو المطلوبة”.

ووفقًا لتحليل دورة الحياة الداخلية لجينز أنسبن الذي صنع هذا العام، فإن العلامة التجارية توفر بالفعل 42% من انبعاثات الكربون مقارنة بأي شركة أخرى تصنع الجينز العادي.

وعلى الرغم من أن الشركة تصنع الجينز من خلال قص الدنيم في الوقت الحالي، فإن الهدف هو صنع ملابس مصنوعة بآلة ثلاثية الأبعاد وخيوط منسوجة، وأدخلت التكنولوجيا للقيام بذلك في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وتسمح هذه التقنية لـ”أسبن” بإنشاء منتج شامل بدون إهدار للوقت والموارد.

وأكدت فيسر أن “هذه هي التقنية الأولى من نوعها، يمكننا الآن الانتقال بالتخصيص إلى المستوى التالي، والقيام بالفعل بإنتاج مؤتمت بالكامل وخال من النفايات”.

ومن المقرر أن يستمر التركيز على نموذج “صفر نفايات” في الصناعة ودورة الإنتاج على مدار الـ20 عاما القادمة، ومن المتوقع أن يتضاعف عدد المستهلكين، حيث ستكون هناك زيادة بنسبة 84% في الطلب على القماش والمنسوجات خلال هذه الفترة.

وحسب تقرير صادر عن شركة أبحاث البيانات “جست ستايل” (Just Style)، فإن أنسبن تعمل بنشاط مع شركائها من العلامات التجارية الأخرى لإدخال ودمج التكنولوجيا التي تستخدمها مع هذه العلامات، وفي هذا السياق تقول فيسر إن “الطريقة الوحيدة التي تمكننا في النهاية من تحقيق تأثير حقيقي على نطاق واسع هي التعاون والتواصل مع شركات إنتاج الملابس الكبرى لأنهم ينتجون غالبية الملابس في العالم”.

فيسر: الطريقة الوحيدة لدمج التكنولوجيا مع التصميم هي التواصل مع شركات إنتاج الملابس الكبرى (الأوروبية)

مليار نقطة بيانات

من جانبها، تستخدم شركة “لوز أوف موشن” الذكاء الاصطناعي وعلم البيانات في صناعة الملابس التي تنتجها، حيث تستخدم الشركة مجموعة من النماذج الإحصائية والبيانات الشاملة لإنشاء النماذج الخاصة بها، حسبما ذكر التقرير السابق.

وتحقق ذلك بعد أن طورت الشركة سلسلة من الابتكارات المتعلقة بأخذ المقاس المناسب وشكل الجسم لمنتجاتها الأخرى، حيث دمجت التكنولوجيا لأول مرة في صناعة الفساتين. وقالت كارلي بيجي، مؤسسة الشركة، إن “صناعة الملابس متخلفة في استخدامها البيانات الدقيقة وابتكار سلسلة التوريد والممارسات المستدامة”.

وابتكرت الشركة تقنية جديدة خاصة بها لأخذ القياس المناسب للجسد البشري عن طريق أكثر من مليار نقطة بيانات تم جمعها من استبيانات العملاء، مما يسمح لها بتوسيع نطاق عملها الحالي من 180 حجما إلى 1260 حجما تمثل أشكالا مختلفة للجسم؛ وللوصول إلى هذا الإنجاز استخدمت الشركة عددا من النماذج الإحصائية ومجموعات البيانات المكثفة لهندسة الحجم بطريقة غير خطية، لتقدم ما يصل إلى 14 شكلا مختلفا لكل مقاس ملابس تقليدي.

وقامت الشركة بزيادة حجم إيراداتها 40 مرة في أول عامين لها، وأنتجت أكثر من 5 ملايين قطعة من الملابس على مستوى العالم. وتخطط لإصدار نموذج إنتاج جديد قائم على الذكاء الاصطناعي في وقت لاحق من هذا العام.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.