القاهرة- في تصريح نادر من الجانب الإثيوبي حول تداعيات سد النهضة على مصر والسودان، تحدث مدير السد، كيفلي هورو، عن مخاوف مصر والسودان من التأثيرات السلبية لعمليات الملء التي من المتوقع أن تبدأ مرحلتها الثالثة بعد أسابيع.

فكيف تقرأ القاهرة تلك التصريحات الإثيوبية، مع تأكيد أديس أبابا أن “تأثر دولتي المصب، مصر والسودان، لا يعنيها”.

الجهات الرسمية في مصر لاذت بالصمت رغم مرور 3 أيام على التصريح الإثيوبي، في حين وصفت الخارجية السودانية تصريحات هورو بـ”غير المسؤولة”، مشيرة إلى أنه من المدهش عدم اكتراث المسؤول الإثيوبي للأضرار المحتملة على الجانب السوداني رغم اعترافه باحتمال تأثر كل من السودان ومصر بعملية الملء الثالث، مما يشير إلى أن إثيوبيا تريد المضي قدما في مواقفها الأحادية السابقة.

وتأتي التصريحات الإثيوبية، بشأن ملء وتشغيل السد، وسط تشكيك خبراء مصريين في نجاح عمليتي الملء السابقتين، وكذلك مواجهة السد مجموعة من العقبات الفنية في تعليته وملئه.

كما تزامنت مع حديث لقائد سلاح الجو الإثيوبي، قال فيه إن سلاح الجو في بلاده في حالة تأهب قصوى لحماية إثيوبيا من أي أعداء داخليين أو خارجيين، من دون أن يتطرق صراحة إلى سد النهضة أو تهديدات تواجهه.

وشرعت أديس أبابا مؤخرا في تشييد الخرسانة على جسم السد لتعلية الممر الأوسط تمهيدا لعملية الملء الثالث، وذلك بعد إعلانها التشغيل التجريبي للسد وبدء إنتاج الكهرباء بشكل جزئي في فبراير/شباط الماضي.

واتفق خبراء ومعنيون بالسد الإثيوبي -في مصر- على كون تصريحات هورو “استفزازية وغير مسؤولة”، وشددوا على وجود أضرار محتملة على مصر -وإن كانت لن تتأثر مباشرة بعملية الملء الثالث- لاعتبارات مرتبطة بضعف الإمكانيات الإثيوبية.

وفي أكثر من مناسبة، اتهمت الخارجية المصرية إثيوبيا بانتهاك جديد لاتفاق المبادئ الموقع بين الدول الثلاث عام 2015، الذي يحظر على أي منها اتخاذ إجراءات أحادية الجانب في استخدام مياه النهر.

آثار جانبية

في لقاء تلفزيوني يوم الجمعة الماضي، أقر مدير سد النهضة باحتمال تأثر مصر والسودان بعمليات الملء، قائلا “قد تكون هناك آثار جانبية، لا نستطيع إنكار ذلك، لكنه ليس بالضرر الحقيقي، هذه الآثار الجانبية تكون خلال فترات الملء، وفيما عدا ذلك في أوقات التشغيل الاعتيادية ما يدخل (من مياه) هو ذاته ما يخرج”.

ومستبعدا إيقاف عملية الملء الثالث باعتبارها عملية تلقائية، أوضح هورو أن “إثيوبيا تقوم بتنفيذ المشروع والملء على مراحل لمراعاة شؤون الدول الأخرى (…) هذه هي الضمانات المتوفرة لدينا”، معلنا في الوقت ذاته البدء في تجربة التوربين الثاني لإنتاج الكهرباء خلال أسابيع.

ومشددا على أن عملية بناء سد النهضة لن تتوقف لأي سبب كان، قال هورو إن السد منيع وأي حديث عن مخاطره واحتمال انهياره غير صحيح.

وعن المخاوف المصرية السودانية، أشار هورو إلى أن بلاده تبادلت المعلومات بشأن السد مع البلدين، وتصريحاتهما عن خطورة وتأثيرات السد “لا تعني إثيوبيا”، معللا ذلك بأن إثيوبيا لم تتخط ما اتفق عليه عام 2015 بخصوص عمليات الملء.

وردا على تصريح هورو بأن هناك اتفاقا على الملء خلال فترة زمنية تتراوح بين 5 و7 سنوات، نقلت صحيفة “الأهرام” المصرية -عن مصدر فني مُطلع على سير المفاوضات- تأكيده أن مصر لم تتفق على ملء السد الإثيوبي في عدد سنوات محددة.

وأوضح المصدر أن الطرح المصري طوال فترة التفاوض يؤكد أن يكون ملء سد النهضة على “مراحل” وليس خلال “عدد سنوات محددة”، وأن تعتمد كل مرحلة للملء على الظروف الهيدرولوجية القائمة للنيل الأزرق، سواء كان هناك (فيضان مرتفع أو جفاف أو جفاف ممتد)؛ ولذا فأي حديث عن عدد سنوات لملء سد النهضة غير صحيح.

انتهاك اتفاقية المبادئ

وتعقيبا على التصريحات المفاجئة لمدير سد النهضة، رأى الخبير في الأمن القومي والعلاقات الدولية اللواء محمد عبد الواحد أنها كانت متوقعة هذه الفترة، بعد أن كان واضحا خلال الأسابيع السابقة أن هناك التزاما إثيوبيا بعدم الخروج بتصريحات تثير قلقًا بالمنطقة.

وحول دلالات التصريح، شدد عبد الواحد -في حديث للجزيرة نت- على أن له دلالات خاصة قد تكون موجهة إلى الداخل الإثيوبي، لكنه يبقى موجهًا للخارج ولم يكن له داع، حسب قوله.

أما عن قراءة القاهرة للموقف الإثيوبي الجديد من تداعيات بناء السد، فأوضح الخبير الأمني أن بلاده لا ترحب بمثل هذا التصريح الذي يحمل أخطاء فنية ومهنية، في وقت غاية الحساسية، حتى لو كان موجها للداخل الإثيوبي.

ورأى عبد الواحد أن السلوك الإثيوبي مع بلاده غير متسق مع قواعد القانون الدولي والاتفاقيات الدولية المنظمة للمجاري المائية والأنهار الدولية، مشيرا إلى أن أديس أبابا تتصرف بشكل منفرد وتنتهك اتفاقية المبادئ التي وقعتها مع القاهرة والخرطوم عام 2015.

وفي هذا الصدد، شدد الخبير الأمني على أن حديث الرئيس التنفيذي للسد ينتهك بنود اتفاق إعلان المبادئ الذي وقعته مصر والسودان وإثيوبيا في البنود التالية:

  •  في البند الأول، تهدم التصريحات هذا البند كونه يتحدث عن التعاون على أساس التفاهم والمنفعة المشتركة وحسن النوايا والمكاسب للجميع.
  • وفي البند الثاني، الذي يتعلق بالتعاون في فهم الاحتياجات المائية لدول المنبع والمصب بمختلف نواحيها، يتخذ الجانب الإثيوبي قرارات منفردة.
  • هناك انتهاك صارخ للبند الثالث، وهو مبدأ عدم التسبب في ضرر ذي شأن، بما يتعارض تماما مع حديث الرئيس التنفيذي للسد عن أن وجود ضرر محتمل.
  • كما يتناول المبدأ أن الدول الثلاث سوف تتخذ الإجراءات المناسبة لتجنب التسبب في الضرر خلال استخدامات النيل الأزرق، ولكي يكون هناك تدخل لا بد من وجود تنسيق وتعاون سواء في عمليات الملء أو تشغيل السد.
  • في البند الرابع، انتهاك إثيوبي لما ينص على مبدأ الاستخدام المنصف والعادل لمياه النيل، بحيث ليس من حق إثيوبيا حجب المياه عن مصر من دون مراعاة الأضرار الواقعة عليها.
  • أما البند الخامس، المتعلق بمبدأ التعاون في ملء وإدارة السد، فهناك عدم تعاون من الجانب الإثيوبي.

أضرار محتملة

وفي ما يتعلق بالتداعيات المحتملة على مصر حسبما أشار مدير السد، أكد الخبير الأمني المصري أنه لا شك هناك أضرار، أولها يرتبط بكون السد عملاقا بني على نهر دولي عابر للحدود، وتحجز بحيرته الضخمة المياه عن مصر، وهذه المياه يصيبها البخر والتسرب والهدر.

وثاني هذه الأضرار يتمثل -وفق عبد الواحد- في التحكم في عملية الملء وإدارة السد بشكل منفرد من دون مراعاة ظروف مصر والسودان خاصة في فترات الجفاف، إضافة إلى التأثيرات السلبية على البيئة والمياه، والتأثيرات الأخرى الاجتماعية كنشر البطالة بين المزارعين، لكنه استبعد تضرر مصر مباشرة في فترة الملء الثالث تحديدا.

تأثير الملء الثالث

واصفا تصريحات هورو بـ”الاستفزازية وغير المسؤولة، ويشوبها عدم الخبرة الفنية أو السياسية”، أشار أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، الأكاديمي المصري عباس شراقي، إلى أنه كان من الأولى أن تكون معبرة عن “القيام بدراسات هندسية مطلوبة وعلى استعداد لاستئناف المفاوضات وعرضها على مصر والسودان لتبديد المخاوف”.

ومن الناحية الفنية، شكك شراقي في قدرة إثيوبيا على تحقيق أهدافها في الملء الثالث، موضحا أن التخزين سيتم عن طريق حجز مياه الأمطار الأولى خلال شهر يوليو/تموز المقبل التي تقدر بحوالي 7 مليارات متر مكعب عند سد النهضة، في حين لا يستطيع السد إمرار أكثر من 1.5 مليار متر مكعب شهريا، قد تزداد إلى 3 مليارات في حال فتح البوابة الثانية.

وأضاف أن تشغيل التوربين (الثاني) غير مؤثر في الوقت الحالي، وبالتالي التخزين يكون في يوليو/تموز المقبل، وقد يمتد إلى الأسبوع الأول من أغسطس/آب، ولن يكون بأي حال من الأحوال من مياه سبتمبر/أيلول المقبل، مشددا على أنه في جميع الحالات أي كمية مياه يتم تخزينها هي من الإيراد السنوي لمصر.

وفي إشارته إلى الأضرار المصرية، قال إن المواطن المصري قد لا يشعر بالضرر من تداعيات السد بسبب المشاريع الحكومية التي كلفتها مليارات الجنيهات، ومنها تبطين الترع ومحطات تحلية المياه ومشاريع الصوب الزراعية؛ وكل ذلك لتقليل الفقر المائي والحفاظ على احتياطي حصة المياه خلف السد العالي، جنوبي البلاد.


المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.