بيروت- تعدّ تربية الأطفال من أصعب المهام التي يمّر بها أيّ زوجين، ففيما يتولى الأب دور المتابعة والضبط وتوفير جوّ من الأمان ووضع القوانين من دون ضغوط، يتمثل دور الأم في العطاء والتعليم، وكلاهما يسعى لزرع القيم وتنميتها، لكن يحدث أحيانا اختلاف بين الطرفين على الشكل الصحيح لإدارة الأسرة، مما يولّد جوا متوترا في البيت ينعكس سلباً على الأبناء.

ترى الخبيرة في العلاقات الأسرية لينا غنيم أنه “في أحيان كثيرة في مجتمعنا الشرقي، يغلب الطابع التسلطي على شخصية الآباء، لأسباب تتعلق بسوء فهم معنى الرجولة. وقد تشكو أمهات كثيرات من ظلم الأزواج لهن ولأولادهن وعدم استجابتهم للحوار والتفاهم”.

يتأثر الطفل سلبا من رؤية والديه في شجار دائم ولا يحترمان بعضهما (بيكسلز)

وتقول إنه على الزوجة أن تستخدم أسلوباً مؤثراً يتّسم باحترام شريك الحياة مهما كان فهمه واستيعابه، واختيار وقت يكون فيه الزوج هادئا ولديه استعداد لتقبل النقاش والحوار، بهدف الوصول إلى نقطة مشتركة في الأمور الخلافية الأسرية.

وتضيف أنه على الطرفين التحاور في القضية بمنتهى الصراحة، مع ضرورة الاتفاق على عدم تدخل أي طرف ثالث في مسألة التربية، سواء كان من الأجداد أو الأصدقاء، والتنبّه إلى أن الأبناء يتأثرون كثيرا بوسائل الإنترنت من ناحية السلوك والتفكير.

6الخبيرة في العلاقات الأسرية لينا غنيم تقول بأنه تشكو كثير من الأمهات ظلم الأزواج لهن ولأولادهن وعدم إستجابتهم للحوار وللتفاهم- (جزيرة نت).
لينا غنيم: تشكو كثير من الأمهات من ظلم الأزواج وعدم استجابتهم للحوار والتفاهم (الجزيرة)

الطفل مسؤولية مشتركة

وتشير لينا إلى أن الطفل مسؤولية مشتركة بين الزوجين، لذلك عندما يخطئ الولد في سلوك ما، ينبغي على أحد الطرفين عدم لوم الطرف الآخر على ذلك، لأن الاثنين يتحملان المسؤولية. وكذلك، يجب الاتفاق بينهما على فكرة العقاب وماهيته، ليسهل على الطفل التمييز بين الخطأ والصواب.

وتقول إن “من المعروف أن الأمهات صبورات جدا في التربية مع أطفالهن، على عكس الآباء الذين غالبا ما يبدؤون بالصراخ وأحيانا بالعقاب والترهيب”، معتبرة أن “تربية الأطفال تحتاج إلى صبر وتروٍ، وعدم التعجّل في العقاب، بل من المهم اتخاذ خطوات التحذير أولا والاستماع والتكلم إلى الطفل لمعرفة لماذا فعل هكذا، وماذا قصد من فعلته، بهدف معرفة كيف يفكّر الأولاد”.

5لا بد أن يحتاج الأطفال إلى رؤية والديهم في حالة وفاق- (بيكسلز).
الأطفال يحتاجون إلى رؤية والديهما في حالة وفاق (بيكسلز)

وتخلص غنيم إلى أن التربية لا تقتصر على الأمهات اللواتي لن يستطعن بمفردهن إعطاء الطفل كل ما يحتاجه من التربية، “إذ إن شخصية الأب ضرورية ومفيدة في حياة الطفل، والتعامل الحازم والخشن معه يفيده نفسيا”.

من هنا، لا بد من الاتفاق بين الزوجين على أسلوب تربية الطفل وطريقة التعامل مع أخطائه، إذ عندما يسمع الطفل أن الأم تقول للأب: لا تضربه، ولا تصرخ عليه، فإنه سيشعر بأنه في حماية والدته، ولن يحترم والده وسيعانده، لأن والدته في صفه دائماً. كذلك الأمر عندما يرى الطفل أن الأهل في شجار دائم، وأنهما لا يحترمان بعضهما بعضا، فإنه سيُكمل أيضا بعدم احترام الوالدين، وستُطبَع في ذهنه هذه الفكرة وسيكبر عليها، وفق غنيم.

8الأخصائية النفسية تانيا زيتون تقول بأنه نجد الأم تقف في وجه الاب وتعارضه على شدّته، مما يؤدي الى ضياع جهد الأب وبالتالي ينعكس سلباَ على سلوك الأولاد- (جزيرة نت).
تانيا زيتون: معارضة الأم للأب على شدّته تؤدي لضياع جهده مما ينعكس سلبا على سلوك الأولاد (الجزيرة)

تكامل في الأدوار

أما المتخصصة النفسية تانيا زيتون، فتشير إلى ضرورة التكامل بين أدوار الوالدين في تربية الأبناء، معتبرة أن الأم تتحمل العبء الأكبر في الأمر بسبب انشغال الأب، لذلك يجب ألا تقف دائما إلى جانب الطفل، وألا تحاول إبعاد عقاب الأب عنه.

وتقول “هناك من يفسد تربية أبنائه من دون قصد، فحين يسعى الأب إلى إكساب أبنائه صفات الاعتماد على النفس وتحمل المسؤولية من خلال تأديبهم، حتى لو كان في ظاهر ذلك قسوة، نجد الأم تقف في وجه الأب وتعارضه على شدّته، مما يؤدي إلى ضياع جهده، وبالتالي ينعكس سلبا على سلوك الأولاد، ويرافقهم في حياتهم المستقبلية حتى بعد أن يصبحوا آباء وأمهات”.

ومن المهم أن يؤكد الوالدان للأبناء أن الحب بينهما قوي، وأن الاحترام بينهما قائم، وأنهما لا يختلفان على أهداف الحياة الأساسية، وإنما هي مجرد أشياء ثانوية سرعان ما تنسى، وأنهما متفقان على مسألة تربية الأبناء ومساعدتهم في بناء المستقبل، وفق تانيا زيتون.

وتنصح تانيا باتخاذ بعض الخطوات لتسهيل مهمة التربية على الطرفين، مثل: الاتفاق على طريقة المعاقبة عندما يخطئ أحد الأبناء، توفير جو هادئ ومناسب داخل البيت، إشعار الطفل بالأمان وبناء ثقته في نفسه، وتشجيعه على إبداء رأيه من دون خوف أو ترهيب، مع تعليمه مبدأ احترام الآخر، ومساعدته على تنمية مهاراته العقلية والفكرية السليمة في كل المجالات.

لا تدع طفلك يشعر بأنه سبب جدالكما- (بيكسلز).
على الوالدين ألا يدعا الطفل يشعر بأنه سبب جدالهما (بيكسلز)

الاختلاف في أنماط التربية

ونشرت الكاتبة جوليان غاري مقالا حول الاختلاف بين الآباء في أنماط تربية الأبناء، قالت فيه إن “الأطفال يحتاجون إلى رؤية والديهم في حالة وفاق، فالخلافات تؤدي إلى مشكلات نفسية لدى الطفل إلى درجة الارتباك والقلق”.

ولا ترى غاري أن الاختلاف بين الوالدين في التربية أمر سيئ، إذ بإمكان الطفل عندئذٍ التكيّف مع وجود أنماط مختلفة، ولن يشعر بصعوبة التواصل مع الطرفين.

وفي هذا السياق، نشر موقع “سليبنغ شولدبيسي” (sleepingshouldbeeasy) مقالاً حول الخلافات الزوجية في مسألة تربية الأطفال، نصح فيه الأبوين باتباع الخطوات التالية:

3لا تنسوا بأنكم لديكم نفس النوايا، حتى لو كنتما غير متفقان في أسلوب التربية، لكن من الواجب أن تتذكرا بأنكما في أعماقكما ترغبان الأفضل لطفلكما- (بيكسلز).
حتى لو كنتما غير متفقين في أسلوب التربية، فإن من الواجب أن تتذكرا أنكما تريدان الخير لطفلكما (بيكسلز)
  • الاعتراف بوجهة النظر: لنفترض أنكما لا تتفقان على مبدأ الضرب، إذ يرى أحدكما أن هذه هي الطريقة المثلى للتأديب وأنها فعالة. وهنا، على الشريك فهم وجهة نظر الأخرى والتصرف بصبر وانفتاح من أجل الوصول إلى حلّ مشترك.
  • الاستماع إلى الاقتراحات: ومعرفة ما إذا كان الموضوع قابلا للنقاش أو لا. فهنالك نقاط صالحة يمكن رؤيتها والبناء عليها، بدلاً من رفضها فوراً، بهدف الوصول إلى حلول ناجعة يتفق عليها كلا الزوجين.
  • شرح وجهة نظرك وبيان أهميتها لك: الإصرار الشديد من كل طرف على وجهة نظره لن يؤدي إلى حلول مفيدة. لذلك، من المهم توضيح وجهات النظر بانفتاح وتفهم ووعي. مثلاً، إذا كان الزوج يؤيد الضرب ويعتبره من أنواع التأديب الفعال، فيمكن للزوجة شرح وجهة نظرها من دون تردد وبطريقة مقنعة بأنه يمكن تأديب الطفل من دون ضربه.
  • لا تنسيا أن أهدافكما واحدة: حتى لو كنتما غير متفقين في أسلوب التربية، فإن عليكما أن تتذكرا دائماً أنكما ترغبان من أعماقكما في تحقيق الخير لطفلكما.
  • وجود حلول جديدة تناسب العائلة: وذلك من دون تجاهل الدعم، إذ يجب أن تعتمدا على بعضكما، لأنكما لستما في معركة بين “من سيفوز ومن سيخسر”.
  • تمضية وقت ممتع معا كزوجين: بعيدا عن المشاحنات اليومية، يجب على الأبوين أن يبحثا عن طرق لإعادة الصلة بينهما، ليس كوالدين فقط وإنما كزوجين أيضا.
  • ضع اهتمامات أبنائك أولا: إذ يجب ألا يشعر طفلك بأنه سبب جدالكما، مما يؤثر سلبا على سلوكه العاطفي والاجتماعي.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.