بزغ نجمه في ملعب يوهان كرويف أرينا، وكما نعلم جميعا، يكون ذلك كافيا في بعض الأحيان للحصول على تأشيرة لعب كرة القدم في برشلونة، حيث ينتهي المطاف بالنسبة للهولنديين، أو يبدأ كما في حالة فرينكي دي يونغ. أراد فرينكي بشدة اللعب في برشلونة كما تخبرنا صديقته “ميكي”، إذ لا يُعتبر ذلك مجرد انتقال من ناد إلى آخر، ولكن تحقيقا لحلم طالما راوده بارتداء قميص ناديه المُفضل وخلافة أبطال طفولته(1).

عندما وقّع دي يونغ لبرشلونة، بكى بيب سيغورا -المدير الرياضي حينها- قبل أن يعانق بارتوميو، في لحظة ابتهج فيها أحفاد يوهان كرويف، إذ كان من المقرر أن يكون فرينكي القطعة المفقودة في خط وسط الفريق لقيادته للمستقبل، ويتمكن بها بارسا من وداع سيرجيو بوسكيتس مطمئنا بضمان تعويضه، لكن لسوء الحظ لم تجد تلك الرؤية طريقها إلى النور، على الأقل حتى الآن(2).

كانت صفقة بلا أي مخاطرة، بتوقعات عالية، وربما لهذا السبب تسلل السخط، لأنه على الرغم من أدائه الجيد، فإن دي يونغ لم يرتق لمستوى التوقعات، حيث لم يلعب في مركزه إلا مباريات معدودة قبل أن يتم تحويله إلى نسخة باهظة الثمن من باولينهو، حيث تم تفريغه تماما من مضمونه من أجل مهمة شغل المساحات بين خطوط الخصم، والتحرك للأمام من دون الكرة، ومهاجمة المنطقة إن سنحت الفرصة.

لسوء الحظ توالى على دي يونغ 4 مدربين في 3 مواسم، كما تعاقب على النادي رئيسان منذ أن وصل، واضطر ليونيل ميسي، أفضل لاعب في تاريخ النادي، إلى المغادرة في الصيف الماضي، قبل أن يُنهي الفريق الموسم المنصرم بلا أي لقب للمرة الأولى منذ سنوات، والنتيجة أن فرينكي في بارسا لم يكن قط ذلك اللاعب الذي كان في أياكس، وهو ما يُشكل لُغزا حتى الآن، ولحل اللغز، يجب أن نعود للوراء حتى نتمكن من التعرف إلى فرينكي بدقة أكبر.

بيكنباور الجديد؟

كان فرينكي الموهبة الأكثر لفتا للانتباه في أياكس أثناء فترة رفقته بالمدرب إيريك تين هاغ، وحجر الأساس للهيكل الخططي وأسلوب اللعب المتبع حينها، فإلى جانب قدراته الإدراكية العالية وإمكاناته البدنية، فإن أكثر ما يميز فرينكي حقا أنه لا يخاف، يبحث عنه زملاؤه من كل مكان، خاصة في مراحل بناء اللعب والتقدم، وفي المقابل يوفر لهم المساندة دائما مهما كانت شدة الضغط أو صعوبة الموقف، يأخذ الكرة، وبلمسات يحل أشد المواقف تعقيدا، ومن ثم يضع الكرة وفريقه في وضعية أفضل.

تلاقت شجاعة تين هاغ مع خصائص دي يونغ الاستثنائية لإنتاج المشهد التالي؛ شاب أشقر رشيق، يلعب ارتكازا دفاعيا، أو مدافعا ولكنه مدافع وهمي، يراوغ كل من يقابله في طريقه للأمام كما لو كان بيكنباور. بدت أي مساحة يراها بمثابة دعوة للتقدم واستباحة خصومه، كما لو أنه يلعب فيفا على مستوى المبتدئين. في الواقع، لو أن الأمر بتلك البساطة لما وصلنا للدرجة التي يقضي فيها المدربون والأجهزة التقنية أياما للتخطيط لنقل الكرة من النقطة “أ” للنقطة “ب” وهندسة الهجمات بما يعزز احتمالات الوصول لمرمى الخصم.

ولأن كل ثورة كانت نتيجة بشكل أو بآخر لحلقات من التمرد، فتح دي يونغ بتمرده احتمالات جديدة للطريقة التي يمكن أن تُلعب بها اللعبة من الآن فصاعدا، إذ كان دائما مُحبطا لمدربيه في الفئات السنية، لأن التميمة الهولندية حتى وقت قريب كانت دائما في حث اللاعبين على “اللعب ببساطة”، من خلال لمسة أو لمستين على الأكثر، بدون تجويد؛ ما رآه المتمرد الصغير بلا أي معنى(3).

“تكمن جودتي في حدسي، لا يمكنني تجاهله، وإلا فسأكون مثل آلاف اللاعبين الآخرين، أومئ للمدرب برأسي كما لو أنني فهمت ما يطلبه مني، ثم أقوم بما أقوم به دائما”

(فرينكي دي يونغ)

الغرض النهائي من لعب كرة القدم هو تحقيق الفوز، ولكي يفوز الفريق يجب أن يضع الكرة في الشباك أكثر من خصمه، ولذلك وجب على الفرق التقدم للوصول إلى المرمى، ومع تطور التنظيمات الدفاعية، تُركز الفرق الهجومية بشكل رئيسي على امتلاك اللاعبين الذين يمكنهم “كسر خطوط الخصم” باستمرار.

تساعدنا إحصائية التقدم العميق (Deep Progressions) على قياس ذلك، حيث ترصد التمريرات والمراوغات والاختراقات نحو الثلث الأخير، وهنا تحديدا كانت ثورة دي يونغ مع أياكس في موسم 2018/2019، حيث احتل المركز الثالث بين لاعبي الوسط الذين لعبوا 900 دقيقة على الأقل في دوري الأبطال بمعدل 6.8 محاولة تقدم وفقا لـ”ستاتس بومب”(4).

اللافت أن غالبية تلك المحاولات لم تكن بالطريقة التقليدية من خلال التمرير، بل بطريقة فرينكي، حيث يستغل خصائصه الفذة في عمليتي الاختراق والمراوغة، وذلك، بحد ذاته، كان هو ما قلب الطاولة التكتيكية كما اتضح فيما بعد، لأنه بمثابة إجابة ثورية على المتطلبات الإستراتيجية الحالية للعبة. إجابة أكثر بدائية، لكنها أقل تطلبا وأشد فتكا.

مهندس التحولات المفتعلة

تنقسم الفرق الهجومية في المستوى العالي حاليا إلى فئتين؛ الفئة الأولى هي تلك التي تحاول الفوز من خلال محاولة تحقيق كامل السيطرة على الخصم، وضمان الاستقرار على أرض الملعب من خلال الاستحواذ الآمن والحد من احتمالات فقد الكرة لمنع التحولات الدفاعية ابتداء، مثل مانشستر سيتي وبرشلونة مؤخرا.

بينما تلعب الفئة الثانية بمبدأ المخاطرة والعائد (High Risk-High Reward)؛ حيث تلعب كرة قدم مندفعة هجوما ودفاعا، قائمة على أخذ المخاطرات، إيمانا بأن ذلك ما يحقق أكبر العوائد، الفكرة المحورية هنا في الاستعداد لتحمل التكلفة إذا لم تُجدِ تلك المخاطرات، وهذا ما تُجيده تماما فرق مثل ليفربول وبايرن ميونخ، حيث تلعب كرة قدم عمودية، مباشرة قائمة على المخاطرة ومحاولة الوصول إلى المرمى بأقصر الطرق ليحصلوا على احتمالين؛ إما نجاح الأمر، وإما خسارة الكرة واستقبال التحولات الهجومية.

وبسبب قوتهم في الضغط، يُعد فقدانهم للكرة فرصة ذهبية للفتك بالخصم، إذ لا يستعيدونها لوقف تحول الخصم، ولكن للتحول المضاد ضد هيكل مُفكك في تلك اللحظة، ومن ثم ما يُعتبر خطأ في المعادلة، هو فرصة أكثر إغراء، ولأن تلك الفئة من الفرق تستطيع الاستفادة من المواقف الفوضوية أكثر من غيرها، فهم يصنعونها عمدا بالمخاطرة. نهج جذاب، أليس كذلك؟ لكنه ليس مثاليا؛ لأنه محفوف بالمخاطر، خاصة إذا لم يمتلك الفريق المتطلبات البدنية والتكتيكية لتنفيذه بفاعلية؛ لأن التخلي عن الكرة عمدا مع العجز عن استعادتها هو تدمير ذاتي(5).

يرى عالم البيانات الهولندي “كيس فان هيمين” أن أياكس في موسم 2018/2019 استطاع خلق نفس وضعيات التحول الهجومي، حيث هيكل مُفكك للخصم، معظم لاعبيه في المناطق الأمامية، والبقية يحاولون التراجع وإعادة تنظيم أنفسهم، ولكن بدون المخاطرة بفقدان الكرة، وتم ذلك بطريقة مغايرة تكفل بها كليا فرينكي دي يونغ(6).

انتزع فرينكي الآهات من الجماهير أكثر من غيره في ذلك الموسم؛ بسبب قدرته الاستثنائية على تخطي خصومه ثم التمرير لمناطق أفضل، لم يكن صياح الجمهور وقتها لأن الكرة تحركت 10 أمتار للأمام، ولكن لأنه تسبب في تفكك هيكل الخصم بعد تخطي لاعبيه؛ لأن ما لا يُدركه الجميع أن المراوغة في جوهرها، وخاصة من العمق، لا تتعلق بكسب الأمتار، ولكن بتغيير مرحلة اللعب تماما، كما نرى في الصور الآتية.

بالنظر إلى الصورة أعلاه، وفقا لتلك الوضعيات، برأيك ما حالة اللعب في كل وضعية؟ تبدو جميعها تحولات هجومية لأياكس؟
إليك بداية كل لعبة، الآن لاحظ كيف كان الوضع في البداية عندما تلقى دي يونغ الكرة.

بنهاية كل مشهد، دعنا نتأكد من بضعة أمور: هل هيكل الخصم منظم؟ الجواب هو: لا. هل يملك الخصم لاعبين بالأمام أكثر من الخلف؟ الجواب هو: نعم، بعدما تم تجاوزهم. هل الفريق في حالة اضطراب ويحاول المدافعون التراجع لتقليل الأضرار؟ نعم أيضا. تلك بالضبط هي بيئة التحولات التي تسعى العديد من الفرق للحصول عليها.

لقد حوّل دي يونغ الاستحواذ المستقر والهجوم المنظم في النهاية إلى تحول هجومي، وذلك كان بمثابة إجابة ثورية مبتكرة على التساؤلات التكتيكية الحالية، والأهم أنها أقل تطلبا وأكثر أمنا، ولكن لماذا؟

أولا، لأن ذلك تم دون أن يضطر أياكس لفقد الكرة ابتداء والتعرض للخطر ولو لثوان ثم الاجتهاد في محاولة استعادتها والقيام بتحول هجومي مضاد، لقد افتعل الهولندي التحولات بطريقة آمنة، إذ وصلت نسبة نجاح اختراقاته إلى 96% وفقا لستاتس بومب. وثانيا، لأنه قام بمفرده بما يُفترض أن يقوم به فريق، أو مجموعة من اللاعبين، سواء دفاعا في عملية الضغط والافتكاك أو هجوما في عملية التمرير بعد استعادة الكرة، التي تحتاج إلى ممرر ومُستلم في وضعية مناسبة، وذلك فرق جوهري آخر مقارنة بالمراوغة التي يستطيع حامل الكرة القيام بها بمفرده دون الحاجة إلى أي عوامل خارجية.

حرية

بدأت الأنظار في برشلونة تتجه نحو الهولندي، وبمرور الوقت فُتن به الجميع؛ لاعب وسط متأخر، يلعب في أياكس، ولديه الكثير من الخصائص التقنية الفذة التي كانت علامة مُسجلة للاعبي وسط برشلونة، مثل تفضيل اللعب للأمام وكسر خطوط الخصم والقدرة على مقاومة الضغط والحفاظ على الكرة. بدا دي يونغ وكأنه بوسكيتس الجديد بعد مطابقة المواصفات، وبناء عليه تم التعاقد معه.

 

بدأ فرينكي أول مباريات الموسم بوصفه ارتكازا دفاعيا ضد بلباو تحت قيادة إرنيستو فالفيردي، انتهت المباراة بخسارة البارسا وظهوره بشكل باهت، إذ بدا برشلونة تائها بالكرة ومُستباحا بدونها، وفي النهاية لم يستطع النجاة بعدما أحرز أدوريث هدف فوز بلباو في آخر ثواني المباراة. بعدها واجه برشلونة ريال بيتيس على أرضه، ولم يُفكر فالفيردي مرتين في إعادة بوسكيتس لخانة الارتكاز وإشراك فرينكي أمامه بوصفه لاعب وسط هجوميا، ومن وقتها، نادرا ما لعب دي يونغ في مركزه بالرغم من تقدم سن بوسكيتس.

مع قدوم رونالد كومان، كان هناك تفاؤل باستعادة النسخة الأفضل من دي يونغ. لعب كومان من البداية بنظام 4-2-3-1 الذي لعب فيه دي يونغ مع أياكس والمنتخب الهولندي مع كومان نفسه. لسوء الحظ لم ينجح الأمر، ولم يتحسن بارسا مع كومان إلا بالعودة للعب بـ4-3-3 ومن ثم 3-5-2، وفي كلا النظامين لعب بارتكاز دفاعي وحيد يُدعى سيرخيو بوسكيتس، ليبقى الوضع على ما هو عليه حتى وصول تشافي الذي صرح من البداية أن بوسكيتس لا يُمس.

ما الحكاية إذن؟ الحقيقة أن دي يونغ يبدو -للوهلة الأولى- مثاليا لخلافة بوسكيتس، الأمر الذي تؤكده لغة الأرقام، لكن بالقليل من الفحص والتدقيق، تكتشف أن هناك اختلافا منهجيا يتسق أكثر مع خصائص بوسكيتس، إذ يلعب بارسا دائما بأسلوب تمركزي؛ من الأفضل ألا تركض كثيرا، ابق في مكانك، حافظ على تمركز سليم وسوف تصلك الكرة في الوقت المناسب، كان ذلك وصف تييري هنري عندما كان يشرح أهمية التمركز لأسلوب بارسا(7).

لم يلعب هنري كرة القدم من قبل بهذا الشكل، لكنه أبصر في بارسا طريقة أخرى للعب، كانت تلك مبادئ بيب غوارديولا للأجنحة، المركز المرتبط دائما بالحركية، فما بالك بلاعب الارتكاز؟ يُمكننا الجزم بأن بوسكيتس لم يكن ليحصل على فرصة المشاركة في بارسا مع 9 من 10 مدربين، فقط بيب غوارديولا مَن كان ليفعل ذلك حينها بدون تفكير، إذ يعرف كيف يجب أن يكون لاعب الارتكاز.

“تحسن مستوى رودري؟ رفقة خوانما ليو، حاولنا مساعدته على فهم طريقة لعبنا، وخاصة ما يجب على لاعب خط الوسط القيام به. في الموسم الماضي تحرك أكثر من اللازم، بينما يجب أن يكون دائما في موقعه. يحتاج لاعب الارتكاز في بعض الأحيان إلى 5 لمسات، وأحيانا لمسة واحدة أو لمستين، والآن هو يلعب بالإيقاع الذي يساعدنا على أرض الملعب، لقد تحسن في قراءة مواقف اللعب، وأصبح لديه حضور أكبر دفاعيا”

(بيب غوارديولا، تعليقا على تألق رودري مؤخرا(8))

لا يتمتع بوسكيتس بالكثير من المزايا البدنية، لكن وعيه الخططي وإدراكه الفذ يسمحان له دائما بالتمركز السليم الذي يجعله دائما في الموقع المناسب لمساعدة الفريق ككل على الأداء في مختلف مراحل اللعب، وبذلك يتفادى نواقصه البدنية؛ لأنه لا يحتاج إليها من الأساس بالشكل الذي يتخيله البعض إذا كان كذلك طوال الوقت.

بالكرة لا يحتاج الرُّبان إلا للمسة أو اثنتين لمساعدة الفريق على التقدم بسبب إتقانه للوضعيات الجسدية السليمة التي تفتح له زوايا التمرير المطلوبة، مرورا بقدرته الكبيرة على إيصال الكرة أينما أراد، أما بدون الكرة فهو ما زال أحد أفضل لاعبي الارتكاز في دفاع المساحة، لأنه يقرأ اللعب أفضل من غيره، وذلك ما يجعله في المكان المناسب أثناء الدفاع المنظم أو التحولات، التي يعترضها في مهدها لتميزه في الدفاع الوقائي وقربه الدائم من موقع الكرة.

على النقيض تماما، يحرث دي يونغ الملعب طولا وعرضا غير مقيد بمواقع محددة، يلعب بكامل الحرية، ارتكاز دفاعي نعم، لكنه غير ثابت ومفعم بكل الحركية، مستغلا إمكانياته البدنية وقدرته على الاختراق، وذلك ما فهمه واستغله المدربون في هولندا أفضل استغلال سواء في النادي أو المنتخب، فكان نواة النظام التي يتمحور حولها كل شيء، ولكي يمنحوا دي يونغ تلك الحرية، كان لزاما عليهم اللعب بارتكاز مجاور.

“أُفضّل اللعب في ثنائية الارتكاز، كمحور دفاعي وحيد، لديك قدر أقل من الحرية لتقدم أو طلب الكرة. عليك أن تلتزم بتمركزك، لكن ذلك يتغير بوجود زميل في الفريق بجوارك؛ لأنك تشعر أن لديك المزيد من الحرية”

(فرينكي دي يونغ)

تكمن كلمة السر في الحرية؛ يُفسح الارتكاز المساند الطريق لفرينكي للنزول للمساعدة في بناء اللعب والتقدم، ويحاول تغطيته في حالة الصعود، ويعملان معا على حماية العُمق الذي لا يستطيع الهولندي حمايته وحيدا لأن المرجعية الدفاعية السائدة في هولندا هي مرجعية الخصم، من ثم لا يُجيد فرينكي دفاع المساحة وحيدا، ودائما ما ينشغل بخصومه، وبذلك يخرج كثيرا من موقعه، الأمر الذي لا يُعد إشكالية في أياكس أو هولندا بسبب قوة منظومة الضغط ووجود ارتكاز مجاور لتعويضه، لكنه يتعارض مع المنهج المتبع في كتالونيا.

أولا لأن البارسا يدافع بمرجعية المساحة، وثانيا لأن من سوء حظ دي يونغ أنه زامل تشكيلة متهالكة بمعدل أعمار مرتفع جدا، غير قادرة على الضغط أو لعب كرة قدم مبادرة، كما لا يتميز أي من لاعبي خط الدفاع بخصائص الاستباق والمواجهة، من ثم خروج دي يونغ من موقعه لمطاردة لاعبي الخصم هو خيار باهظ التكلفة داخل الملعب بالنسبة للبارسا، من ثم كان بوسكيتس دائما الخيار الأكثر ملاءمة لخانة الارتكاز وفقا لكل المعطيات السابقة.

الذهاب للمستقبل

حينما نتحدث عن كتالونيا، فإننا نتحدث عن إقليم يعيش على قيم النضال والفخر والهوية، لذلك لا عجب في أن أكبر نتاج رياضي لذلك كان نادي برشلونة الذي خرجت منه عدة ثورات كروية، شقت طريقها إلى النور بالعناد والإيمان حتى اجتاحت العالم فيما بعد. نعم، برشلونة ناد عنيد، وفيّ لتقاليده، إلى درجة أنه في كثير من الأحيان لا يجاري التغيير حتى لو كان مفيدا، فقط ليحافظ على الموروثات(9).

فرينكي دي يونغ

أحد أشكال ذلك على سبيل المثال، هو الالتزام التام بنظام 4-3-3، حتى لو لم يملك الفريق الأدوات المناسبة له، وإذا تعمقنا قليلا، فسنجد قدرا لا بأس به من الجمود في التخطيط الرياضي أيضا، وتحديدا في مستقبل خانة الارتكاز، إذ أصبح بوسكيتس على مشارف الاعتزال بدون بديل حقيقي، والغريب أن أكبر استثمار قام به النادي لتعويضه، في طريقه للرحيل، والأغرب أنه يرحل مع كامل التسليم بجودته، وكامل التسليم ضمنيا بأن المشكلة في الظروف وليست في اللاعب.

برشلونة لم يستطع الاستفادة من دي يونغ؛ لأن النادي اختار التضحية بالمستقبل، وعصر بوسكيتس حتى الرمق الأخير. لدى النادي خياران في تلك المسألة؛ الأول هو التعاقد مع لاعب بنفس خصائص بوسكيتس، لكن هل تعتقد أن تلك مهمة سهلة؟ في يناير/كانون الثاني 2022، قام المحلل “دوماغوي كوشتانجساك” بتحليل بيانات 362 لاعبا في الدوريات الخمسة الكبرى في محاولة البحث عن بديل لبوسكيتس، انتهى بقائمة مكونة من 6 لاعبين فقط: جوشوا كيميتش، وبرونو جيماريش، وهويبيرغ، وإسماعيل بن ناصر، وأبو بكر كمارا، وتشاوميني(10).

الفكرة أن معظم هذه الأسماء تلعب بأسلوب حركي أكثر منه تمركزيا، لذلك يلعبون جميعا في ثنائية الارتكاز، كما أن 3 منهم بالفعل انتقلوا إلى أندية أخرى فأصبحوا غير متاحين؛ ما يعني ببساطة أنه من الصعب جدا العثور على نموذج سيرخيو بوسكيتس حاليا من حيث الخصائص، والأكثر صعوبة هو العثور على لاعب يؤدي الدور بنفس المستوى في برشلونة تحديدا.

لم يستطع برشلونة الاستفادة من دي يونغ؛ لأن النادي اختار التضحية بالمستقبل، وعصر بوسكيتس حتى الرمق الأخير.

الخيار الثاني يكمن في التغيير واللعب بثنائي في خانة الارتكاز، كما تلعب معظم الفرق حاليا. لا يُمكن تجاهل ذلك؛ لأن نُدرة النوع الأول أجبرت معظم الفرق على استخدام ثنائي الارتكاز، كما أن خصائص اللاعبين الذين يملكهم بارسا قد تناسب ذلك التغيير “الطفيف” في النظام، والأهم أن البارسا أخيرا يملك فرصة حقيقية لإعطاء فرينكي دي يونغ رخصة قيادته للمستقبل.

قد يتساءل البعض قائلا إن كومان قد اختبر ذلك بالفعل ولم ينجح، وهذا صحيح، ولكن ذلك الاختبار كان يتضمن بوسكيتس ودي يونغ معا، لاعبين لديهما نفس التفضيلات في الاستلام من الخط الأول وتوزيع اللعب ومساعدة الفريق على التقدم، من ثم عندما كُلف أحدهما بالمهمة، كان ذلك على حساب الآخر، فأصبح مطموسا، واضطر للقيام بأمور لا يجيدها بنفس الكفاءة، وكان ذلك هو فرينكي دي يونغ، لكونه اللاعب الأكثر مرونة.

لا يُمكن لبوسكيتس اللعب في ذلك النظام مع فرينكي، إما بوسكيتس وإما فرينكي، وإذا أراد برشلونة تغيير تقاليده، فمن البديهي أن يراهن على فرينكي إذا توقفت عملية بيعه، لكون ذلك التغيير يناسبه ويوفر له كامل الأريحية والحرية التي افتقدها منذ أن وطئت قدماه ملعب كامب نو، لكن على أصحاب القرار أن يتأقلموا مع التغيير، وألا يروا ذلك انحرافا في الهوية؛ لأن الهوية ما زالت نفسها، واللعب التمركزي لا يتوقف على وجود لاعب واحد في خانة الارتكاز أو لاعبين، في إنجلترا لعب بيب بـ”رودري” و”غوندوغان” معا حينما لم يكن رودري قادرا على أداء الدور بمفرده، وإذا كان بيب مُستعدا للتأقلم وتغيير مقدساته، فإن بارسا ليس عليه إلا أن يتبع(11).

__________________________________________________

المصادر:

  1. اللعب لبرشلونة كان حلمي
  2. بكاء بيب سيغورا لحظة توقيع دي يونغ لبرشلونة
  3. إحباط المدربين في هولندا من عادات فرينكي
  4. أرقام فرينكي دي يونغ في دوري الأبطال موسم 2018/19
  5. دفاعا عن التحولات الدفاعية
  6. التحولات الاصطناعية لدي يونغ مع أياكس
  7. فرينكي الذي مازال منتظرا
  8. تصريح بيب عن تطور مستوى رودري
  9. كتالونيا وبرشلونة، حركة الاستقلال
  10. البحث عن بديل لبوسكيتس
  11. الانتصار الحزين للثنائية الارتكاز


المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.