موسكو- شكلت تغطية يوميات الحرب في أوكرانيا معضلة حقيقية بالنسبة لوسائل الإعلام الروسية المصنفة في خانة المعارضة أو ذات التوجه الليبرالي.

ولعلها المرة الأولى التي تصطدم فيها ما تصفه هذه الوسائل بحرية التعبير والنشر مع القوانين المشددة التي وضعتها الدولة، في سياق ما تراه الأخيرة حماية للوحدة الوطنية، وعدم المساس بالروح المعنوية للجنود الروس الذين يقاتلون في أوكرانيا.

حالة طوارئ

وبعد أكثر من أسبوع من إعلان العملية الخاصة في أوكرانيا، أقرت روسيا عقوبات جنائية على نشر معلومات كاذبة عن القوات المسلحة الروسية. وأوضحت السلطات الرسمية ذلك أن حرب المعلومات بين روسيا وخصومها تخاض بقوة كبيرة، مذكرة بتجربة فيروس كورونا، عندما تم نشر معلومات صنفتها بالضارة وبالكاذبة.

ولكن من ناحية أخرى، ومع اعتماد التعديلات الجديدة، يرى حقوقيون أنه أصبح من الصعب للغاية الفصل بين حق التعبير عن الرأي الذي يحميه الدستور وبين الجريمة. كما أن الصياغة الغامضة للقوانين -برأيهم-  قد تعطيه تفسيرات مطاطة.

وتتشابه إلى حد التطابق تقريبًا السياسة التحريرية لأغلب وسائل الإعلام الروسية في مقاربة الأزمة مع الغرب والعمليات العسكرية للجيش الروسي في أوكرانيا، ولعبت دورًا كبيرًا في توضيح المواقف الرسمية والترويج لها.

بموازاة ذلك، دخلت هيئات الرقابة في صراع حاد مع وسائل الإعلام الغربية ومنصات التواصل الاجتماعي، متهمة إياها بانتهاك المعايير الأساسية للصحافة، مثل الدقة والتوازن والموضوعية والمهنية.

أدوات حرب

فعلى سبيل المثال، اعتبرت الوكالة الفدرالية للرقابة في مجال الاتصالات وتقنيات المعلومات والاتصالات الجماعية (روسكومنادزور) أن موقع يوتيوب أصبح أداة في حرب المعلومات ضد روسيا، مشيرة إلى أنه في الآونة الأخيرة فرض رقابة متكررة على قنوات وسائل الإعلام الروسية المسجلة قانونًا، والشخصيات العامة، والفرق الرياضية، فضلاً عن المشاريع التنويرية التي تستهدف الجمهور العام، وتسلط الضوء على اللحظات الحاسمة في التاريخ الروسي.

روسيا أقرت عقوبات جنائية على نشر معلومات كاذبة عن القوات الروسية (رويترز)

انتهاكات

كما أفادت بأنها سجلت 54 حالة قام فيها الموقع المذكور بتقييد قنوات روسية، من بينها قنوات صحفيين مستقلين روس، وقنوات التلفزة الروسية واسعة الانتشار والراديو الروسي وجميع القنوات الروسية الرسمية وشبه الرسمية كالقناة الأولى وروسيا 1، وزفيزدا وسبوتنيك وروسيا اليوم وغيرها.

وفي نهاية مارس/آذار الماضي، نشرت روسكومنادزور على صفحتها على الإنترنت رسالة تحذيرية قالت فيها إن عددا من وسائل الإعلام الروسية، بما في ذلك وسائل إعلام أجنبية تؤدي وظائف وكيل (عميل) أجنبي، أجرت مقابلة مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. وحذرت وسائلَ الإعلام الروسية من نشر هذه المقابلة، وأشارت إلى أنها تدرس الإجراءات وحجم العقوبة التي ستتخذها ضد وسائل الإعلام التي أجرت اللقاء.

رقابة عسكرية

في الوقت نفسه، تعرضت وسائل إعلامية محلية معروفة إلى الحجب من قبل الرقابة، بسبب ما قالت السلطات إنه مخالفة لمعايير التغطية الإعلامية، كموقع ميدوزا واسع الانتشار، إضافة لقناة “دوجد” التلفزيونية وراديو “صدى موسكو”، وصحيفة نوفايا غازيتا، التي علق عملها بعد تلقيها تحذيرات متكررة من الوكالة.

وبحسب روسكومنادزور، فإن وسائل الإعلام هذه، و”تحت ستار التقارير المرصودة، قدمت معلومات مزيفة عن قصف المدن الأوكرانية ومقتل سكان مدنيين نتيجة لأعمال الجيش الروسي، فضلًا عن وصفها لعملية حماية دونباس بالهجوم أو الغزو أو الحرب”.

قائمة سوداء

علاوة على ذلك، وكرد فعل معاكس، حجبت السلطات الروسية مواقع لوسائل إعلام عالمية معروفة أو قيدت الوصول إليها. وشملت “القائمة السوداء”، من بين وسائل إعلامية أخرى، بي بي سي BBC، وصوت أميركا، ودويتشه فيله، وسي بي سي CBC الكندية وشبكات التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر، وذلك تحت سقف التشريعات الجديدة بخصوص عمل وسائل الإعلام، المحلية والأجنبية، التي تعاقب على ما تعتبره تشويهًا لصورة البلاد وسياساتها الخارجية والدوافع الحقيقية وراء العملية العسكرية التي بدأتها في أوكرانيا.

تكميم أفواه

ولم تكن المنظمة الأممية ببعيدة عن هذه التطورات على خط الحرب الإعلامية، إذ قال خبراء الأمم المتحدة المعنيون بحقوق الإنسان إن قانون “الأخبار الكاذبة” الذي أقر في روسيا في مارس/آذار الماضي هو محاولة من قبل السلطات الروسية “لتكميم أفواه السكان”.

لكن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف برر إصدار هذا القانون بسبب الحرب الإعلامية غير المسبوقة على روسيا، واصفاً الأوضاع الحالية بالاستثنائية التي تتطلب تدابير استثنائية.

An exterior view shows the RBC media group office building in Moscow, Russia, April 15, 2016. REUTERS/Maxim Zmeyev
مبنى مكتب مجموعة آر بي سي ميديا في موسكو (رويترز)

حساسية مفرطة

ويرى مراقبون روس أن موسكو تشعر بحساسية مفرطة تجاه ما تعتبره حملة إعلامية شرسة تمارس ضدها، وتتزايد هذه الحساسية مع لجوء بعض وسائل الإعلام الروسية لنشر مواد تعتبرها الدولة ضمن سياق الحملة نفسها.

ووفقا لرئيس المركز الدولي للتحليل والتنبؤ السياسي، دينيس كوركودينوف، فإن إصرار الحكومة الروسية على إصدار القانون الجديد، يأتي لعدم استخدام الفضاء الإعلامي لإضفاء الشرعية على ما تعتبره معلومات مضللة، يمكن أن تتسبب في حالة فوضى “قيمية”، حتى لو لم يكن القصد كذلك، من خلال -على سبيل المثال- إعادة نشر المعلومات الواردة من وسائل الإعلام الأوكرانية أو الغربية.

ورأى أن ذلك لا يعني تبني وجهة النظر الرسمية تجاه الأحداث، إنما منعا لتغلغل ما ترى فيه السلطات تأثيرًا سلبياً لوسائل الإعلام “المضادة” على الرأي العام الروسي، ودفعه إلى التشكيك بشرعية العملية العسكرية في أوكرانيا ومجرياتها.

الخصم والحكم

وساق على سبيل المثال، ما وصفها بمزاعم ارتكاب القوات الروسية لمجزرة في بوتشا القريبة من كييف، ومسارعة وسائل الإعلام الغربية إلى توجيه الاتهامات إلى روسيا قبل تشكيل لجان التحقيق ودون انتظار لنتائجها، في حين تجاهلت إصرار موسكو نفسها على عقد جلسة لمجلس الأمن لتقديم معطياتها حول الحادثة، وكذلك رفض المندوبة البريطانية للطلب الروسي.

تأييد ومتابعة

ووفقا لمسح أجراه مركز ليفادا لدراسات الرأي العام، فإن غالبية المستجيبين يؤيدون تحركات القوات المسلحة الروسية في أوكرانيا. ومن بين دوافع الدعم “حماية السكان الناطقين بالروسية” و”أمن الحدود”. أما أولئك الذين يعارضون، فيفسرون موقفهم بأن العنف وقتل الناس أمر غير مقبول.

وحسب الاستطلاع، يتابع 64% من الروس باهتمام تطورات الأحداث في أوكرانيا، 29% منهم يتابعون التطورات باهتمام شديد، و35% باهتمام يفوق العادة، بينما لا يتابع الثلث (35%) التطورات عملياً، في حين أن 27% يتابعون دون اهتمام كبير، و8% لا يتابعون على الإطلاق.

كما أن 76% ممن يتابعون الأحداث عن كثب تبلغ أعمارهم 55 عامًا أو أكثر. أما الفئة العمرية بين 25 و39 فيهتم 51% منها بتطورات الحرب (حوالي النصف)، و41% ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و25.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.