رام الله – عندما كان والده يمازحه أنه سيصبح لاعبا عندما يكبر، كان الطفل ريان يرد مؤكدا أنه سيكون “ممرضا”، ولكنه لن يترك لعب الكرة التي أحبها. كان هذا مشهدا من أحلام الطفل ريان ياسر سليمان (7 أعوام) التي تبددت قبل أن يكبر، عندما توقف قلبه من الخوف بعد ملاحقة جنود الاحتلال له يوم 29 سبتمبر/أيلول الماضي.

وبعد شهرين، لا يزال الوالد لا يصدق تلك اللحظة التي رأى فيها ابنه ملقى على الأرض شهيدا، فقد أخبره جيرانه أن جنود الاحتلال الذين اقتحموا قرية خربة الدير قرب بيت لحم يلاحقون ابنه ريان، وأن الطفل الذي احتمى منهم راكضا إلى منزل قريب، توقف قلبه حيث وصل إليه جنود الاحتلال وهو ملقى على الأرض وقد فارق الحياة.

 

 

وريان هو الطفل الثالث في عائلته، التي اعتادت على اقتحامات جنود الاحتلال وتفتيش منزلهم، وهو ما أدخل الوالد في حيرة كبيرة وأسئلة حول ما الذي عاشه طفله في آخر دقائق له جعلته يموت رعبا.

يقول الوالد للجزيرة نت “قبل أيام من استشهاده اقتحم الجنود منزل أحد أقاربنا القريب عند الساعة الثالثة فجرا، واستيقظ ريان ولم أشعر أنه خائف، على العكس بقي يتابع حركة الجنود من النافذة”.

تساؤلات عائلة ريان حول ما جرى معه عندما كان الجندي المدجج بالسلاح يلاحقه لا تغادر رأس الوالد، الذي ينتظر تقريرا طبيا نهائيا لملاحقة جيش الاحتلال قضائيا ومحاولة كشف الحقيقة.

وإن كان الطفل ريان استشهد من “الخوف”، فقد استشهد آخرون جراء إطلاق الرصاص المباشر عليهم بحجج إسرائيلية مختلفة، بعضهم احتجزت جثثهم، وعشرات غيرهم اعتقلوا ومئات خضعوا للحبس المنزلي بمدينة القدس المحتلة.

أطفال بلا حقوق

وفي يوم الطفل العالمي الذي يصادف 20 نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام، ترسم هذه المعطيات صورة قاتمة عن واقع الأطفال في فلسطين.

وبحسب إحصائية الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال، فإن 49 طفلا استشهدوا منذ بداية العام الحالي 2022، منهم 32 طفلا في الضفة الغربية و17 في قطاع غزة، ليصل العدد الكلي للأطفال الشهداء منذ أيلول/سبتمبر 2000 وحتى الآن إلى 2240 طفلا.

ويحتجز الاحتلال جثامين 12 طفلا منهم، بحسب الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء المحتجزة والكشف عن مصير المفقودين، أقدمهم الشهيد محمد الطرايرة الذي استشهد في العام 2016.

أطفال شهداء بلا جثامين

أصغر الشهداء الأطفال المحتجزة جثامينهم هو يوسف صبح (15 عاما) من بلدة برقين قرب جنين شمال الضفة الغربية، والذي استشهد يوم 26 سبتمبر/أيلول 2021 خلال اقتحام الاحتلال قريته.

تقول والدته رجاء حثناوي للجزيرة نت “استشهد يوسف وقام جنود الاحتلال باحتجاز جثمانه مباشرة، كل ما وصلنا هو الاتصال الذي تلقيناه من الارتباط العسكري الفلسطيني يبلغنا باستشهاده، ومنذ ذلك الحين لا نعلم شيئا عن مصيره”.

 

 

الوالدة التي تشارك في كل الفعاليات التي تنظم للمطالبة باسترداد جثمان ابنها الوحيد، تقول إن جل ما تريده أن تدفنه، أو أن يسمح لها برؤية جثمانه حيث يحتجز، وتضيف “أعلم أن الروح عند الله ولكن من حقي أن أدفن ابني كما يستحق، وأن لا يبقى بثلاجات الاحتلال ولا نعلم مصيره”.

ومع “قلة الحيلة” التي تعيشها والدة يوسف، باتت مطالبها تنحصر في الحصول تصريح لزيارته وحمل “بطانية” لتخفف عنه برد الثلاجات، وتقول “لا أعلم ما الذي يخيف إسرائيل لتقوم باحتجاز جثمان طفل، وكيف يصمت كل العالم على هذه الجريمة؟”.

انتهاكات ممنهجة

وتقوم منظمات محلية ودولية عديدة بتوثيق جرائم الاحتلال بحق أطفال فلسطين، ومن بين هذه المنظمات الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال- فرع فلسطين.

يقول المحامي خالد قزمار، الذي انتخب مؤخرا رئيسا للحركة في العالم، إنه على الرغم من توقيع إسرائيل وكل دول العالم على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي تضمن كل حقوق الصغار، فإن هذه الحقوق تنتهك بالكامل من قبل الاحتلال الإسرائيلي وبصورة ممنهجة لاستهداف الأطفال الفلسطينيين.

ويتابع قزمار للجزيرة نت أن الطفل الفلسطيني تسلب منه كل حقوقه بفعل الاحتلال الإسرائيلي، وحتى الحقوق البسيطة في التعليم -مثلا- نرى كيف تنتهك إسرائيل هذا الحق في المناطق المهمشة والمناطق المصنفة “ج” وتهدم المدارس وتعرقل وصول الطلاب إلى مدارسهم.

ولم يكن الحق في الصحة أفضل حالا، وخاصة في قطاع غزة، فكثير من الأطفال فقدوا حياتهم لعدم تمكنهم من الحصول على العلاج بفعل الإجراءات الإسرائيلية والحصار.

160 طفلا معتقلا

وحسب إحصائية نادي الأسير الفلسطيني، فإن الاحتلال اعتقل عام 2022 ما يزيد عن 750 طفلا، بعضهم تعرضوا لإطلاق النار خلال الاعتقال، ولا يزال 160 طفلا -بينهم 3 طفلات- في سجون الاحتلال.

الطفل حسين زيدات (14 عاما) واحد من هؤلاء الأطفال، حيث اعتقلته قوات الاحتلال يوم الجمعة الماضية (18 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري)، ومن المقرر أن يعرض اليوم السبت (20 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي) على المحكمة الإسرائيلية بتهمة التخطيط لتنفيذ عملية طعن.

يقول عثمان زيدات عم الطفل للجزيرة نت إن الاحتلال اعتقل حسين قرب مستوطنة “كريات أربع” المقامة على أراضي الفلسطينيين جنوب الضفة الغربية، وبعدها بساعات تلقى والده اتصالا من ضابط المخابرات الإسرائيلي من مركز التحقيق داخل المستوطنة أبلغه أن ابنه محتجز لديهم، وأن عليه الحضور للتحقيق معه أيضا.

حتى حينها لم تكن العائلة تعلم شيئا عما حصل مع حسين إلا ما شاهدته من فيديوهات اعتقاله التي انتشرت في المواقع الرقمية، حيث ظهر مجردا من ملابسه ويحيط به الجنود من كل اتجاه. وتضاعف قلق العائلة بعد أن شاهد الأب ابنه في معسكر التحقيق وآثار الضرب بادية على وجهه.

وتابع العم الذي تلقى اتصالا هاتفيا في وقت لاحق من حسين أبلغه بانتهاء التحقيق معه ونقله إلى سجن عوفر بالقرب من رام الله، و”لم يسمح لوالده بالحديث معه أو حضور جلسات التحقيق مع ابنه القاصر، كما لم يتمكن المحامي من رؤيته أيضا”.

القدس.. معاناة أخرى

الحال لم يكن أفضل في مدينة القدس -الشق الشرقي المحتل عام 1967- حيث وثقت لجنة أهالي الأسرى والمعتقلين المقدسيين 2719 اعتقالا بين صفوف المقدسيين منذ بداية العام الحالي، بينهم 586 طفلا قاصرا، معظمهم لم تتجاوز أعمارهم 12 عاما.

وبحسب رئيس اللجنة أمجد أبو عصب فقد صعّدت قوات الاحتلال من عمليات اعتقال الأطفال والتنكيل بهم خلال الاعتقال والتحقيق.

 

 

وتابع “بحسب القانون الدولي والإسرائيلي أيضا، يجب أن يتم التحقيق مع الطفل القاصر بوجود محاميه أو أحد أفراد عائلته، ولكن هذا لا يحدث مع غالبية الحالات بقصد إدخال الخوف في قلوب الأطفال”.

وبحسب أبو عصب، فإن الإجراءات الإسرائيلية بحق الأطفال المقدسيين خلال الاعتقال والتحقيق معهم قاسية جدا، حيث تفرض عليهم عقوبات وأحكام عالية ومبالغ فيها، بالإضافة إلى طريقة اعتقالهم سواء بخطفهم من الشوارع من قبل قوات من المستعربين، أو اعتقالهم في أوقات متأخرة من الليل من منازلهم.

يضاف إلى كل ذلك الاعتقال المنزلي الذي يفرض على كثير من الأطفال المقدسيين المعتقلين، وبعضهم لأكثر من مرة، والذي يتحول الأهل خلاله إلى سجانين لحراسة أبنائهم.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.