في دراساته المتناثرة عن الإسلام، وصف عالم الاجتماع الألماني الشهير “ماكس فيبر” الدين الإسلامي بـ”الجمود الذاتي” بسبب المؤسسات الوراثية التي أنتجها وتسببت في إعاقته عن التطور والنمو على حد قوله. وقد لعبت المؤسسات الصوفية الإسلامية الداعية إلى الزهد الدور الأكبر في التأخُّر كما رأى فيبر، على النقيض من المسيحية البروتستانتية التي حاربت الزهد، و”السطوة الإلهية” المهيمنة على البشر، واحتكار الحقيقة المقدسة، ومن ثمَّ لعبت دورا في تطوُّر الأخلاقيات الدنيوية. لقد قاد البروتستانت والكالفينيون المِهنيون مشعل الرأسمالية والنجاح العلمي والحضاري في القرنين الماضيين، كما رأينا في جُلّ الدول المؤثرة في أوروبا الغربية، وهي في معظمها من الدول التي تدين بالبروتستانتية، وهو ما أتاح لبعض المستشرقين أن يتمسَّكوا برؤيتهم عن جمود الإسلام والأديان الشرقية.

والحقيقة أن فيبر ألقى تُهمة الجمود على الإسلام والأديان الشرقية دون تمحيص، مثله مثل مستشرقين كُثُر في زمانه، رغم أن الدراسات التاريخية فيما بَعد أثبتت وجود صنوف من الرأسمالية والطبقات الشبيهة بالبرجوازية على مدار تاريخ المجتمعات الشرقية والإسلامية. ونبع ذلك التحيُّز عند فيبر من رؤيته بأن سرَّ نجاح المجتمعات الرأسمالية في الغرب يتمثل في أخلاقيات الكدِّ والسعي بوصفها جزءا من الرسالة البروتستانتية (الفريدة من نوعها على حد زعمه)، بخلاف الكاثوليكية والإسلام والأديان الشرقية التي تشجع الإنسان على الإدبار عن الدنيا والإقبال على الله[1].

عالم الاجتماع الألماني “ماكس فيبر” (مواقع التواصل)

قوبل طرح فيبر عن الإسلام ولا يزال بالنقد التاريخي والفكري، وكان على رأس الناقدين عالم الاجتماع البريطاني “براين تِرنر” في كتابه “علم الاجتماع والإسلام: دراسة نقدية لفِكر ماكس فيبر”. فقد جاء مُفنِّدا لكل مغالطات فيبر عن الإسلام خاصَّة، التي ادَّعى فيها أنه “دين إلهي جامد” يشبه الكاثوليكية والأديان الشرقية التي تدعو إلى النكوص على العقب وعدم السعي. وقد كشف تيرنر أن فيبر “لم يكن في ذلك على حق بالقياس إلى المفاهيم العلمية الحقيقية”، وساق الأدلة التاريخية على أن “الأخلاق الرأسمالية والعلمانية قد وافقت الشرق الأوسط، ليس لوجود علاقة داخلية بين المجتمع الصناعي والأخلاق العلمانية، ولكن لأن المثقفين المسلمين كانوا قد استعاروا هذه المجموعة من وجهات النظر العالمية”[2]. والعلمانية التي يقصدها تيرنر هنا اهتمام المسلمين بالشأن الدنيوي من صناعة وتجارة ورأسمالية وشؤون سياسية وغيرها، التي تقدموا فيها وسادوا لقرون.

للأسف لم يهتم مستشرقون كُثُر بقراءة تيرنر وأمثاله من ناقدي تلك النظرة الأوروبية القديمة السائدة تجاه الإسلام في القرن التاسع عشر، بل على العكس، جاءت الكثير الأعمال التي تناولت الفكر السياسي للإسلام في القرن العشرين متكئة على الافتراضات نفسها التي اعتمد عليها فيبر ومَن وافقه الرأي. فقد قال هؤلاء إن الشأن السياسي في الإسلام يعتمد حصرا على الإلهي، وادَّعت هذه الأطروحات أن الإسلام وقف عائقا أمام مطمح البشر في تنظيم فضائهم المدني والاجتماعي والسياسي، ولم يترك لهم أي فرصة للتأثير في واقعهم.

جاء كتاب “علم الاجتماع والإسلام: دراسة نقدية لفِكر ماكس فيبر” مُفنِّدا لكل مغالطات فيبر عن الإسلام خاصَّة، التي ادَّعى فيها أنه “دين إلهي جامد” يشبه الكاثوليكية. (مواقع التواصل)

وقاد هذا الطرح نفر من المتخصصين في الدراسات الإسلامية من المستشرقين في الغرب أمثال آن لامبتون، ولويس غارديه، وباتريشيا كرونه وأستاذها برنارد لويس، وغوستاف فون غرونباوم، وبرتران بادي، وغيرهم. فعلى سبيل المثال، في دراستها بعنوان “الفكر السياسي الإسلامي في العصور الوسطى”، تبنَّت المستشرقة الدنماركية الأميركية باتريشيا كرونه تحليلات المستشرقين القدامى للإسلام بوصفه “كنيسة غير مرئية”، فقالت: “إن المجتمع المسلم (في العصور الوسيطة) كان نوعا من الكنيسة، وجماعة تقوية من المؤمنين محمية من قِبَل الدولة، بعد أن فشلت في أن تكون جماعة تقوية حقيقية.. إن المجتمع المسلم ظلَّ مجتمعا مُكرَّسا للصلاة”[3].

الأقسام الثلاثة للفكر السياسي الإسلامي

إن مثل هذه الأطروحات التي كتبها مستشرقون كبار كما نرى تؤكد لنا أنهم لم يفهموا على وجه الحقيقة الأصول التي قام عليها بناء الإسلام من القرآن والسُّنة. ففي القرآن نجدُ آيات كثيرة تُحرِّض على التوسط بين الدنيا والآخرة، والاهتمام بكلتيهما، مثل قوله تعالى في سورة لُقمان: “وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا”، ومثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: “أنتم أعلم بأمور دنياكم”، بل وتتجاهل هذه الأطروحات الحقائق الحضارية والتراثية للفكر والتاريخ السياسي وإسهامات المسلمين في هذين المضمارين.

ولعل هذه الإشكالية المعرفية هي التي دفعت “مكرم عباس”، الباحث والأستاذ في جامعة “ليون” الفرنسية، كي يرُد على هذه المغالطات الاستشراقية التي وصفت الحضارة الإسلامية بالجمود، وذلك في كتابه المهم “الإسلام والسياسة في العصر الوسيط”، إذ يُجيب عباس بأن المسلمين أسهموا إسهاما معرفيا “دُنيويا” لافتا في المجال السياسي من خلال ثلاثة مسارات معرفية كبرى. أولها مؤلفات “الآداب السُّلطانية” المعروفة في الغرب بمرايا الأمراء، التي بدأت مع ابن المُقفَّع وخلفاء الدولة العباسية وظلت حتى عصر الدولة العثمانية. وثانيها مؤلفات “السياسة الشرعية” المستقلة بذاتها أو المتداولة في كتب الفقه والأصول التي انكبَّ عليها الفقهاء، مثل الماوردي والجويني وأبي يعلى الفراء وابن تيمية وابن جماعة وغيرهم. وثالثها المؤلفات السياسية التي كتبها الفلاسفة، مثل الفارابي وابن باجة وابن رشد وغيرهم.

في كتابه “الإسلام والسياسة في العصر الوسيط”، يرُد عباس على المغالطات الاستشراقية التي وصفت الحضارة الإسلامية بالجمود. (مواقع التواصل)

ففي مصنفات الآداب السلطانية نرى أن حشدا من الأدباء والمثقفين المسلمين قد صنَّفوها خصوصا لكي يطلع عليها الخلفاء والسلاطين والملوك، ونجد فيها استدعاءً للثقافة التاريخية، فهي تتصل دائما بقصص العظماء ومُدبِّري الممالك، مثل حكايات الإسكندر الأكبر وكسرى أنوشِرْوان، والخلفاء المُسلمين العادلين مثل الخلفاء الراشدين الأربعة وعمر بن عبد العزيز، والخلفاء العباسيين الأقوياء والناجحين مثل المنصور وهارون الرشيد والمأمون. وتتميَّز هذه “الآداب السلطانية” عن تقاليد مرايا الأمراء الغربية بأنها تناولت النواحي العملية لصناعة الحرب والدبلوماسية الناجحة والتجسُّس، والقيم الأخلاقية التي أتت في صورة قصص وحكايات للملوك والعظماء العادلين، مثل الصبر والعدل والشورى والنظر في عواقب الأمور. وتستحضر مثل هذه المؤلفات بالطبع التراث الديني والأدبي لتأكيد هذه المعاني.

أهمية الآداب السلطانية في الواقع الإسلامي

وتكمُن الأهمية الرئيسية للآداب السلطانية في أنها لم تصب اهتمامها على شرعية السلطة الحاكمة والمستولية على الأمر الواقع بالفِعل، رغم أن المسلمين عرفوا الحكم الوراثي الملكي منذ عصر معاوية بن أبي سفيان وحتى زمن الدولة العثمانية على مدار ألف وثلاثمئة عام تقريبا، لكنها ركزت على فكرة أن السلطة “تعبير عن الأهواء والميول الموجودة في الطبيعة البشرية من جهة، وعلى أنها استجابة إلى ضرورة حاسمة للنوع البشري من جهة أخرى”[4]. ويمكننا أن نرى هذه الحقيقة في العديد من مؤلفات الآداب السلطانية مثل كتاب الحسن بن محمد العباسي “آثار الأول في ترتيب الدول” الذي خصصه لأحد السلاطين المماليك فيما يبدو في القرن السابع الهجري، لا سيما في الفصل الأول وعنوانه “في فضل المُلك وشرفه والحاجة الداعية إليه”. وقال العباسي: “ولولا ردع الملوك لتغالبت الناسُ وتهارجت، وطمع بعضهم في بعض، واستولى الأقوياء على الضعفاء، وتمكَّن الأشرار من الأخيار، فيضطرون إلى التشرُّد والتفرُّد، وفي ذلك خراب البلاد، وفناء العباد”[5].

الفكرة الأساسية هنا أن مؤلفات الآداب السلطانية تناقش السلطة الكائنة بالفعل، وترى أن هذا الأمر الواقع لم يختره الناسُ طوعا لأنهم لن يتمكَّنوا من اختياره أصلا إن تُركت لهم السُّلطة فارغة، حيث سيتنازعها الجميع وتنشأ الفتنة، وهي فكرة طالما اهتمت بها مؤلفات “السياسة الشرعية” و”الآداب السلطانية”. ويبدو أن السبب في ذلك يعود إلى أن الدولة في التاريخ الإسلامي قبل الحداثة كانت أضعف من نواحي السيطرة الكاملة على المؤسسات والمجتمع مقارنة بالدولة الحديثة. وقد نشبت الفتنة بين الصحابة الكرام على سبيل المثال بسبب الثورة القادمة من أسفل طبقات المجتمع، وليس بسبب تسلط السلطة بحد ذاتها من أعلى.

لئن ركزت مصنفات الآداب السلطانية على ضرورة طاعة السلطة وأهميتها، فإنها لم تمجِّد الطغيان والاستبداد. فقد ركزت على ما يجب أن يتحلى به ولي الأمر من أخلاق سياسية. (مواقع التواصل)

وخشية من تكرر هذه “الفتنة”، ومع إدراك علماء السياسة الشرعية والآداب السلطانية من الفقهاء والأدباء لهذه الحقيقة، فقد تناولوا سلطة الأمر الواقع قانونيا وأخلاقيا باعتبارها الأقل ضررا. وسنرى الفكرة التي ناقشها العباسي في “ترتيب الدول” عند الفقيه وعالم السياسة الأندلسي أبي الوليد الطرطوشي من قبله في كتابه “سراج الملوك”، الذي يرى أن مثَلَ الناس “بلا سُلطان كمثَل الحوت في البحر يزدردُ الكبيرُ الصغيرَ، فمتى لم يكن لهم سُلطان قاهر لم ينتظم لهم أمرٌ، ولم يستقر لهم معاش، ولم يتهنوا بالحياة”[6].

ولئن ركزت مصنفات الآداب السلطانية على ضرورة طاعة السلطة، وأهميتها في حفظ الأمن ومنع الاضطرابات والفتن، انطلاقا من السيرورة التاريخية التي وقعت فيها الفتن والثورات، وانقسمت عبرها الأمة إلى فِرَق وجماعات سياسية وفكرية متناحرة، فإنها لم تمجِّد الطغيان والاستبداد. فقد ركزت على ما يجب أن يتحلى به ولي الأمر من أخلاق سياسية، مثل العدل والشورى والرحمة بالرعية والفطنة والدبلوماسية السياسية والجاهزية العسكرية والمؤسسات التي يجب أن تُعينه على أداء مهامه، وهذا متواتر في جُلّ مصنفات الآداب السلطانية التي كُتبت خصوصا لخزائن السلاطين والخلفاء والملوك والأمراء، العرب والفرس والأتراك والهنود والمغاربة والأندلسيين وغيرهم.

ولهذا السبب ردَّ مكرم عباس على اتهام محمد عابد الجابري في كتابه “العقل الأخلاقي العربي” وكمال عبد اللطيف في “تشريح أصول الاستبداد”، إذ قال كلاهما إن مؤلفات “الآداب السلطانية” أصل الخيبات السياسية العربية المعاصرة. ويرى عباس أن هذه المؤلفات لم تُشرعِن للاستبداد والهيمنة والسيطرة على الشعوب، وإنما عُنيَت “بإظهار أن وظيفة السياسي الأولى هي مكافحة الفوضى”[7]، خاصة أن هذه المؤلفات كُتبت في ظل سلطة سياسية “تتسم بضعف المأسسة والدولنة” على حد وصفه، ويقصد مكرم بذلك ضعف حكومة الدولة الإسلامية في عصرها الوسيط السابق على المؤسسات الحديثة التي نعرفها اليوم.

كما تناولت مؤلفات الآداب السلطانية مسألة “الحُكم الإلهي”، واتكاء الخليفة على النصوص الشرعية الواضحة التي تجعله خليفة لله في أرضه لتطبيق مراد الله، ولتحقيق مصالح العباد، وهي المسألة المعروفة باسم “الأصل الإلهي للسلطة”، التي اعتبرها بعض المتخصصين الغربيين في الدراسات الإسلامية سلطة ثيوقراطية على السياسة والمجتمع أو “كنيسة غير مرئية”، وأنها مارست الهيمنة والاستبداد باسم الدين لأنها “مُمثِّلة الله في الأرض”، وقد فنَّد مكرم عباس تلك التصوُّرات في كتابه أيضا.

الخلافة لم تكُن ثيوقراطية

نجد في “الآداب السلطانية” أن السياسة في التاريخ الإسلامي خالفت كل المخالفة النمط المسيحي الثيوقراطي الذي أعطى للأمير الحقوق الإلهية والعِصمة المطلقة في حكم الرعية (مواقع التواصل)

إن الإسلام من حيث المبدأ دين مُعادٍ لتأليه الإنسان مهما بلغت منزلته ومكانته، على عكس الثيوقراطية أو الحكم الديني للمسيحية الشمولية في عصورها الوسطى التي كانت تُنزل التأليه والقداسة المطلقة على الحاكم وعلى البابا. وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم نفسه من المغالاة في هذه المسألة، وأوصى ألا يتخذ الناسُ قبره ليُعبد من دون الله، كما قضى علي بن أبي طالب على طائفة غلت فيه وعبدته، وكذا فعل الخليفة العباسي الثاني أبو جعفر المنصور حين سجدت له طائفة من الناس لُقِّبوا بالراوندية، “فأنكر عليهم واستتابهم، فلم يتوبوا ولم ينوبوا فأمر بقتلهم”[8].

أما اعتبار السلطان أو الخليفة ممثل الله على الأرض فلم تكن بالصورة ذاتها التي رأيناها في المسيحية. وصحيح أن النصوص الداعية إلى طاعة السلطان والخليفة تؤيد هذا “الحق الإلهي”، اعتمادا على حديث نبوي مرفوع يؤكد أن “السلطان ظلُّ الله في أرضه”، ولكن توجد عِدة روايات تستكمل هذا الحديث، ومنها “فمَن أطاعه فقد أطاعني”[9]. فقد قالت تلك الرواية بوضوح إن السلطان مُطاع ما دام محترما للأسس الدستورية التي جاء بها الإسلام لصالح الجميع مثل العدل وأداء الحقوق ونشر الأخلاق والفضيلة.

ويؤيد هذا الطرح ما نراه عند الخلفاء الراشدين، فقد أكَّد أبو بكر الصديق رضي الله عنه في خطبة التولية بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في اجتماع السقيفة سنة 11هـ هذه الحقائق الدستورية حين قال: “إني قد وُليتُ عليكم ولستُ بخيركم، فإن أحسنتُ فأعينوني، وإن أسأتُ فقوِّموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله.. أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم”[10].

تهتم الآداب السلطانية أيضا بما يجب أن يتحلى به ولي الأمر من أدوات السياسة والتدبير، فلئن كانت اعترفت بسلطة الأمر الواقع، والهيمنة التي يملكونها، والطاعة التي يجب على الرعية تجاههم، فإنها تُنبِّههم بأن تلك الهيمنة “سرعان ما ستمحوها هيمنات أخرى، ولكي تستمر وتحافظ على نفسها ينبغي لها ممارسة فن السياسة”[11]. والسياسة كما تصورها “الآداب السلطانية” أنواع، منها سياسة الأمير لنفسه كالأخلاق التي يجب أن يتحلى بها، ومنها المهارات الذاتية وقدرته على إدارة السلطة، وهذه تتعلق بالحاشية والمدبرين والعلماء والفقهاء والمؤدبين الذين يختارهم الأمير بطانة له، فهم “مرآته” التي يرى فيها أفعاله الخيرة والسيئة. وكذلك سياسة الأمير لرعيته من خلال “عمارة البلدان، وحراسة الرعية، وتدبير الجُند، وتقدير الأموال”[12] كما جمعها الفقيه والسياسي الماوردي. وفي كل قسم من هذه الأقسام الأربعة هناك تشريح وتوضيح لما يجب على الخليفة فعله، فهو دليل للحكم، يتغيَّا العدل والاستقرار والوحدة.

مما مرَّ بنا، نجد في “الآداب السلطانية” أن السياسة في التاريخ الإسلامي تنظيرا وتطبيقا خالفت كل المخالفة النمط المسيحي الثيوقراطي الذي أعطى للأمير الحقوق الإلهية والعِصمة المطلقة في حكم الرعية، وفنَّدت الزعم بأن الثيوقراطية المسيحية الغربية كانت هي نفسها السائدة في عالم الإسلام. بقي لدينا قسمان آخران تناولهما مكرم عباس في كتابه “الإسلام والسياسة في العصر الوسيط”؛ قسم “السياسة الشرعية”، وهي الضوابط والقوانين التي حرص الفقهاء على وجوب توفرها في ولي الأمر، والتكييف الفقهي لمسألة ولاية المتغلب وغيرها من مسائل الإمامة وولاية الأمر وأهل الحل والعقد، وقسم “السياسة” الذي تناوله الفلاسفة الذين حرصوا على المثالية وتحقق الخير مُطلقا، وسنتناول هذين القسمين في مقالات لاحقة.

______________________________________________

المصادر

  • [1] ماكس فيبر: الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية ص142 وما بعدها.
  • [2] براين تيرنر: علم الاجتماع والإسلام ص13-16.
  • [3] P.Crone, Medieval İslamic Political Thought, p396.
  • [4] مكرم عباس: الإسلام والسياسة في العصر الوسيط ص27.
  • [5] العباسي: آثار الدول ص57، 58.
  • [6] الطرطوشي: سراج الملوك 1/198.
  • [7] مكرم عباس: السابق ص30.
  • [8] الثعالبي: آداب الملوك ص38.
  • [9] مكرم عباس: السابق ص35.
  • [10] ابن كثير: البداية والنهاية 5/218.
  • [11] مكرم عباس: السابق ص40.
  • [12] الماوردي: تسهيل النظر وتعجيل الظفر في أخلاق الملك، ص158 وما بعدها.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.