لم يحظ قانون للمالية -على ما يبدو- في تاريخ البلاد بإجماع من الأطراف الاجتماعية والسياسية وفاعلي المجتمع المدني على حتمية إخفاقه في تحقيق الأهداف المرسومة، مثلما حدث مع القانون الحالي للعام الجديد 2023، إذ قوبل برفض عام وشامل وبدعوات للتصدي لما تضمنه من إجراءات تعد -في نظر جملة الرافضين- موغلة في الإجحاف في حق الأفراد والمؤسسات وإثقال كاهلهم بالضرائب والأداءات والخطايا، في غياب تام للحلول الكفيلة بإنعاش الاقتصاد الوطني الذي يعاني أزمة مزدوجة تجمع بين الركود (أو النمو المحدود والهش) من جهة، والتضخم الزاحف من جهة أخرى، وهو ما يعبر عنه في الأدبيات الاقتصادية بـ”الركود التضخمي” (stagflation).

يمكن إجمال الأسباب المولّدة لهذا الجدل الدائر في جملة من النقاط، لعل من أبرزها: الاعتماد المفرط على الجباية والزيادة اللافتة في حجم الميزانية المقررة والتوسع في النفقات في ظل السياقات السلبية التي يتنزل فيها

لا يزال الجدل دائرا في أوساط النخب التونسية، من خبراء ومهنيين وسياسيين ومنظمات مجتمع مدني ووسائل إعلام وغيرها، حول مدى قابلية هذا القانون للتنفيذ وتنزيل إجراءاته في الواقع، في ظل انسداد الآفاق التمويلية، بعد تأجيل تناول صندوق النقد الدولي للطلب التونسي يوم 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي لأجل غير محدد.

فلماذا كل هذا الجدل حول القانون؟ وما المخاطر التي ينطوي عليها اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا؟ ومن ثمّ، ما مواطن الخلل التي جلبت له هذا الإجماع غير المسبوق على حتمية الإخفاق؟

دواعي الجدل

يمكن إجمال الأسباب المولّدة لهذا الجدل الدائر في جملة من النقاط لعل من أبرزها: الاعتماد المفرط على الجباية والزيادة اللافتة في حجم الميزانية المقررة والتوسع في النفقات في ظل السياقات السلبية التي يتنزل فيها إلي جانب التوقعات المتفائلة وغير الواقعية وحتى بعض الإجراءات الإيجابية التي تضمنها لا يوجد ضمان للقدرة على تنفيذها وتوفير التمويلات الضرورية لها.

اعتماد مفرط على الجباية

من الجوانب اللافتة في الميزانية المقررة هذا العام، ارتفاع نسبة الموارد الجبائية التي بلغت 87% من إجمالي الميزانية وهي نسبة عالية جدا وغير مسبوقة في تاريخ المالية العمومية بالبلاد. ويعود هذا الارتفاع إلى إقرار حزمة من الضرائب الجديدة على الأفراد والمؤسسات، من أهمها إحداث ضريبة على الثروة بنسبة 0,5% على العقارات التي يتجاوز صافي قيمتها 3 ملايين دينار، والترفيع في ضريبة القيمة المضافة من 13% إلى 19% لبعض المهن الحرّة مثل المحامين والمترجمين وغيرهم وتطبيق خطية مالية بنسبة 20% عند الخلاص نقدًا لمبالغ تساوي أو تفوق 5 آلاف دينار مع سقف أدنى بألفي دينار يطبق في كل الحالات.

بالإضافة إلى الترفيع في الخطايا على التصاريح الجبائية المستوجبة أو المتأخرة من نصف نقطة إلى 5 نقاط كاملة، وكذلك الترفيع في معالم التسجيل والطابع الجبائي على أذون طلبات التزود وشهادات الامتيازات الجبائية وغيرها. اللافت في هذه الإجراءات الجبائية، إعفاء القطاع البنكي منها وهو ما يوحي بمقايضة ما بين الحكومة والبنوك -التي سجلت نسبة أرباح عالية قياسا بما تشهده قطاعات أخرى- مقابل الترفيع في سعر الفائدة المديرية الذي تعتبر تلك البنوك المستفيد الأول والوحيد منه.

هذه الإجراءات الجبائية الجديدة أثارت غضبا عارما وولدت استياء واسعا في مختلف الأوساط، مما جعل بعض المتابعين والخبراء يصف القانون بأنه قانون جباية وليس قانون مالية، واستعادوا المقولة الشهيرة للعلامة ابن خلدون “إذا كثرت الجباية أوشكت الدولة على النهاية”.

توسع غير مبرر في النفقات

من المفارقات الصارخة التي تنطوي عليها الميزانية الجديدة التوسع الملحوظ وغير المبرر في النفقات بشكل لم تعهده الميزانيات السابقة، رغم كونها تشكو -بدورها- من خِلال هيكلية مزمنة. فقد سجلت الميزانية الجديدة ارتفاعا قدره 14.5% مقارنة بالميزانية التكميلية للعام الماضي 2022، وهو ما يعد ارتفاعا قياسيا مقارنة بالحالات السابقة، لكن المقارنة الصحيحة هي تلك التي تكون بين ميزانية أصلية حالية وميزانية أصلية سابقة لها، لأن تاريخ الميزانيات في تونس خصوصا بعد 2011 لم يسلم كله من تقديم ميزانية تكميلية كل عام، نظرا للفرضيات الهشة وغير الواقعية التي يتم اعتمادها وإعداد الميزانية على أساسها في كل مرة والتي تستدعي التدارك وتصحيح الأرقام.

لذلك، إذا اعتمدنا هذه المقاربة العلمية والمنهجية، فإن النتيجة صادمة للجميع وهي سبب كاف لهذا الرفض الشامل للميزانية الجديدة، إذ إن نسبة الترفيع تتجاوز 32% في ظرف اقتصادي ومالي واجتماعي وسياسي حاد يحتاج إلى سير معكوس نحو المزيد من التقشف والتحكم في النفقات، لا سيما أن أبواب التمويل مؤصدة، حتى لو فُتح بعضها فإن شروطه ستكون مجحفة جدا، بسبب ما تعانيه البلاد من أزمة مركبة وعميقة وحصولها على أدنى درجات التصنيف الائتماني لدى معظم وكالات الترقيم السيادي للدول.

ومن الدواعي المثيرة لهذا الجدل حول القانون -والميزان الاقتصادي الذي يوجهه أيضا- استناده إلى توقعات ينقصها كثير من الواقعية، وتقديمه أرقاما مؤمّلة يصعب كثيرا التوصّل إليها في الظروف العادية، فضلا عن الظرف الاستثنائي الصعب الذي تمر به البلاد

سياقات عامة سلبية

ليس هناك إذا ما يدعو إلى انتهاج سياسة توسعية في ظل تراجع النمو واتجاهه نحو الانكماش، حيث تشير الأرقام المتداولة في الميزان الاقتصادي إلى تخفيض التوقعات من 3.2% إلى 1.8% فقط هذا العام، فضلا عن أن صندوق النقد الدولي لا يتوقع أكثر من 1.6% في أحسن الأحوال وفي صورة اتجاه اقتصاد البلاد نحو التعافي. إلى جانب ذلك، فإن التضخم في الميزانية يصاحبه تضخم جامح في الأسعار الذي تبلغ معدلاته اليوم نسبا غير معهودة 9.8% ديسمبر/كانون الأول الماضي (و39.8% للمواد الغذائية)، ومتوقع أن يصل 10.5% هذا العام.

كما أن الترفيعات المتواصلة لنسب الفائدة من قبل البنك المركزي أثبتت فشلها المتكرر في احتواء التضخم، حيث شهدت زيادة ملحوظة بـ175 نقطة خلال عام 2022 لتصل إلى مستوى غير مسبوق أيضا بـ8%، وهو ما ينعكس بالضرورة سلبا على العديد من المجمّعات الاقتصادية الأخرى، كالاستثمار وبالتالي الإنتاج وكلفة المديونية، إذ سجلت زيادة في خدمة الدين العمومي بنسبة 44.4% مقارنة بعام 2021، وارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية.

وفي السياق نفسه، سجل قانون المالية الجديد ارتفاعا في معدل الضغط الجبائي ليصل إلى 25.1% وهو الأعلى عربيا وأفريقيا إلى جانب تقلص نفقات الدعم بنسبة 25% للمحروقات و30% للمواد الأساسية من دون رؤية شاملة للمعالجة. كما تقلص الاحتياطي من العملة الصعبة ليصل إلى مستوى 96 يوما فقط.

توقعات غير واقعية

ومن الدواعي المثيرة لهذا الجدل حول القانون -والميزان الاقتصادي الذي يوجهه أيضا- استناده إلى توقعات ينقصها كثير من الواقعية، وتقديمه أرقاما مؤمّلة يصعب كثيرا التوصّل إليها في الظروف العادية، فضلا عن الظرف الاستثنائي الصعب الذي تمر به البلاد، مثل توقع انخفاض عجز الميزانية إلى 5.2% من الناتج المحلي الإجمالي بفضل زيادة الإيرادات عبر إجراءات من أبرزها فرض ضريبة على الثروة العقارية، وتوقعات بارتفاع  إنتاج الفوسفات بنحو 400 ألف طن، في حين  ينص الميزان الاقتصادي على تواصل استمرار الإشكالات الهيكلية للقطاع، وتوقعات بقدرة الدولة على التحكم التدريجي في التوازنات المالية عبر الرفع في نسق النمو وتعزيز الاستثمار، في حين يشهد معدل الادخار الوطني -الذي يمثل مؤشرا لتطور الاستثمار- تراجعا متواصلا غير مسبوق (4% فقط وهو الأدنى عربيا وأفريقيا).

إجراءات إيجابية من دون ضمان القدرة على تنفيذها وتوفير التمويلات الضرورية لها

تضمن قانون المالية الجديد بعض الإجراءات الإيجابية، لكن مصداقية التنفيذ تظل رهينة بتوفير التمويلات المطلوبة، مثل إسناد قروض من دون فائدة لا تتجاوز 5 آلاف دينار للقرض الواحد لتمويل أنشطة في المجالات الاقتصادية كافة، وذلك دعمًا لتمويل المشاريع للفئات الضعيفة والمحدودة الدخل، والترفيع في المبلغ الأقصى للقروض المسندة من قبل البنك التونسي للتضامن لحاملي الشهائد العليا من 150 ألف دينار إلى حدود 200 ألف دينار للقرض الواحد، وتشجيع الاستثمار عبر إعفاء كلّي أو جزئي للعربات المورّدة من قبل التونسيين المقيمين بالخارج، في إطار إنجاز مشاريع أو المساهمة فيها، وإحداث خط لتمويل الشركات الأهلية، يخصص لإسناد قروض بشروط تفاضلية مع اعتماد قدره 20 مليون دينار من موارد الصندوق الوطني للتشغيل.

هي إجراءات ذات صبغة اجتماعية في الأساس، ولكنها إذا قُدر لها أن ترى النور، فستكون لها تأثيرات -بلا شك- على الاستثمار الخاص. لكن السؤال: أنى لها النجاح في ظل الصعوبات الشاملة التي يواجهها الاقتصاد الوطني برمته، وعلى رأسها حلّ معضلة التمويل وعدم الاقتصار على المسالك التقليدية، التي تقتضي المرور عبر بوابة صندوق النقد الدولي بشروطه المجحفة.

مواطن الخلل

أمام هذه الصورة القاتمة التي عليها المشهد الاقتصادي للبلاد والتي تضاعفت منها المؤشرات الإقليمية والدولية التي تشهد أيضا تقلبات خطيرة، يجدر التأمل في مواطن الخلل التي يكتنفها قانون المالية من جانب، ومضمون الميزان الاقتصادي الموجّه له من جانب آخر، من أجل استكشاف سبل الإنقاذ ومسالك الإصلاح. ويمكن اختصار أهم هذه المواطن في ما يلي:

تقديرات لا تملك مستندات واقعية

إن المتأمل في الأهداف المرسومة في الميزان الاقتصادي وما يقابلها من إجراءات في قانون المالية يدرك حجم الهوة بين الضفتين، ضفة التطلعات والتقديرات من جهة، وضفة المقدور عليه من الإنجاز والتحقيق من جهة أخرى. فالميزان الاقتصادي يرسم الأهداف التالية: “الحد من تفاقم مستوى عجز الميزانية وتحقيق استدامة الدين العمومي من خلال تدعيم الموارد الذاتية للدولة عبر التقدم في مسار الإصلاح الجبائي وإعادة هيكلة المؤسسات العمومية، قصد التحكم في توازناتها وتحسين أدائها وتعزيز دورها في خلق الثروة ودعم الاقتصاد من جهة، وحسن إدارة القطاع العام عبر ترشيد الإنفاق العمومي والتقليص قدر الإمكان من نفقات التأجير والدعم، قصد توفير هامش مالي للاستثمار العمومي من جهة أخرى”.

إنها أهداف تقليدية وردت في كل الصيغ السالفة، وهي تفتقد إلى رؤية إستراتيجية شاملة ومعايير علمية للأداء كي يسهل تقييم المنجز والمقارنة بينه وبين غير المنجز للوقوف عند أسباب عدم الإنجاز والعمل على تلافيها في الخطوات اللاحقة. فعندما تنص الإجراءات التي تجسّم تلك الأهداف على أنه “مطلوب تعبئة موارد اقتراض بقيمة 24.5 مليار دينار متأتية بنسبة 66.2% من الاقتراض الخارجي” من دون تقديم أي توضيحات عن مصدر هذه القروض، خاصة في ظل تأخر نظر صندوق النقد في ملف قرض تونس، أو القول بتطور الموارد الذاتية للدولة بنسبة 12.9% مقارنة بقانون المالية التعديلي لسنة 2022 لتبلغ 46 مليارا و424 مليون دينار، في علاقة بالزيادة الهامة المتوقعة للمداخيل الجبائية والمداخيل غير الجبائية والهبات بنسبة 12.5% و15.7% تباعا من دون تحديد الآليات العملية التي من شأنها أن تحدث هذا التطور المنشود، تصبح التقديرات أقرب للأماني من الحقائق الموضوعية القابلة للإنجاز قياسا بمعايير أداء سابقة تم التوصل إليها.

كما أن التقدير بأن نسبة الضغط الجبائي لسنة 2023 ستستقر في حدود 25% من الناتج مقابل 24.9% محينة في 2022، حسبما ورد في وثيقة الميزان الاقتصادي الجديد، في حين ارتفعت نسبة الاعتماد على الجباية إلى 87% من الميزانية من دون اعتبار التأثيرات المباشرة لهذا الترفيع على معدل الضغط الجبائي، يصبح التقدير بلا معنى. وتأتي في السياق نفسه التقديرات المتعلقة بتراجع كلفة التأجير المتوقعة التي قدرت بـ14% في حين أنها اليوم 15.1% ومرشحة للزيادة إذا لم يتم التوصل إلى عقد اجتماعي جديد.

بالإضافة إلى غياب تقدير انعكاس تراجع قيمة الدينار على كلفة خدمة الدين الخارجي وارتفاع نسبة الفائدة على الدين الداخلي، كل ذلك يعد من مواطن الخلل الرئيسية التي يشكو منها كل من قانون المالية والميزان الاقتصادي المصاحب له، ويصبح الحديث عن الهوة الفاصلة بين الأهداف والإمكانيات وامتلاك شروط الإنجاز حقيقة موضوعية يصعب تفنيدها.

فرضيات هشة تضاعف من احتمال عدم القدرة على الإنجاز

إلى جانب التقديرات الخاطئة، ينطوي الميزان الاقتصادي على جملة من الفرضيات الهشة التي لم يثبت صمودها في الواقع في الميزانيات السابقة. ولذلك، فإن الإصرار عليها يعد من قبيل التخطيط البيروقراطي الذي لا يعكس إرادة عملية للإنجاز. وفي هذا المضمار، تأتي فرضية توقع معدل نمو بـ1.8%، وهو معدل أعلى مما يتوقعه الصندوق (1.6%) إلى جانب بناء كل التقديرات على فرضية التوصل إلى إبرام اتفاق مع الصندوق للحصول على قرض بـ1.9 مليار دولار من دون الوضع في الحسبان عدم النجاح في ذلك أو التأخر في الوصول إلى ذلك، كما هي الحال اليوم من دون وضع خيارات بديلة وسيناريوهات محتملة متعددة المآلات.

كما أن بناء الميزانية على فرضية متوسط سعر نفط يبلغ 89 دولارا للبرميل يدل على غياب الواقعية، لأن جل التقديرات الموضوعية -ومنها تلك التي تصدر من المنظمات والهيئات المختصة في القطاع- تشير إلى أن هذا السعر تجاوز سقف الـ100 دولار ويتوقع أن يتجاوز 125 دولارا عام 2023. وتجدر الإشارة إلى غياب فرضيتين لا تقلان أهمية عن الفرضيات السابقة، من حيث تأثيرهما على مجمل المجمّعات الاقتصادية الكلية، وهما فرضية سعر صرف الدينار الذي يشهد انزلاقات متتالية طيلة العام الماضي قدرت بـ11.3% مقارنة بالدولار، وفرضية سعر الطن للحبوب الذي يشهد بدوره صعودا صاروخيا تجاوز سقف الـ500 دولار، في حين كان متوسطه خلال العام المنقضي في حدود 320 دولارا.

غياب الرؤية الاقتصادية والتصور التنموي للخروج من المأزق

الخلل الثالث يكمن في غياب الرؤية الاقتصادية الثاقبة والمنوال التنموي الجديد الذي طالما بشرت به كل الحكومات السابقة منها واللاحقة من دون استثناء، من دون التقدم خطوة عملية نحو بلورته والتوصل إلى توافق وطني حول مضمونه وعناوينه وهويته.

فلا يمكن التفكير البتة في الخروج من الأزمة، بعيدا عن التفكير في تغيير المنوال وصياغة المنوال الجديد ضمن رؤية إستراتيجية جديدة في أفق لا يقل عن 20 عاما. لكن واضعي الميزان الاقتصادي يخلطون بين الرؤية الإستراتيجية والمنوال التنموي والخطة المرحلية، فتجدهم يعنونون البرنامج السنوي بـ”منوال 2023″ ويتحدثون عن رؤية 2035 من غير تحديد معالمها أو تقديم مضمونها أو مرجعيتها.

من أجل ذلك ستظل المصاعب تلاحق الاقتصاد ما لم تحدث نقلة حقيقية في الأفكار والتصورات، وما لم تندرج خياراتنا الاقتصادية والإجراءات المالية والجبائية المتفرعة عنها في صلب الرؤية الإستراتيجية واسعة الأفق، ينبثق عنها منوال تنموي يفضي إليه حوار اقتصادي عميق يجمع كفاءات وخبرات الوطن مهما كانت آراؤهم وتوجهاتهم الفكرية والسياسية دون إقصاء أو استثناء.

ما العمل؟

لكن الحوار الاقتصادي المطلوب لبلورة المنوال التنموي الجديد لا يجدي نفعا إذا استمرت البلاد في متاهات الأزمة السياسية الراهنة، التي توشك أن تأتي على مكاسب البلاد طيلة العقود الستة الماضية.

إن عدم الاستقرار السياسي الذي عاشته تونس طيلة العشرية الأخيرة، الذي ازداد حدة انطلاقا من 25 يوليو/تموز 2021، وكذلك الفشل في القيام بإصلاحات اقتصادية حقيقية وإرساء حوكمة رشيدة وناجعة، ينذر بانهيار الاقتصاد ومؤسسات الدولة الوطنية.

إن الخروج من الأزمة العميقة التي تعيشها تونس اليوم لا يحصل إلا عبر حل الأزمة السياسية الحادة التي تشهدها البلاد من خلال حوار سياسي وطني جاد ومسؤول بين الفاعلين كافة، لعودة البلاد إلى مسار الانتقال الديمقراطي والتعددية السياسية والاحتكام إلى صندوق الاقتراع. عندها وبالتوازي مع الحوار السياسي الهادف لحل الأزمة السياسية يمكن الحديث عن حوار اقتصادي يقوم على تشريك فعلي للخبراء ومكونات المجتمع المدني للنظر في سبل الإنقاذ العاجلة والآجلة والانطلاق الفعلي في عملية الإصلاح بمقاربة مختلفة وبخيارات وطنية صرفة.

ما عدا ذلك، فالطريق مفسوح والباب مفتوح على مصراعيه أمام نادي باريس، هذا إن لم تكن المشاورات الأولية قد بدأت بالفعل منذ مدة، ولا يبدو أن هناك خيارا ثالثا غير ذلك. فهل يقدر التونسيون على تجنب مطبات هذا الطريق؟

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.