في زمن الإنترنت ووسائط التواصل الاجتماعي، ومع توجه كثير من البشر في مختلف دول العالم لأخذ النصائح والمعلومات الطبية من هذه الوسائل، بزغ نوع جديد من النجوم، هم الأطباء والممرضون الذين يقدمون نصائحهم ومعلوماتهم عبر الإنترنت، ويتابعهم عشرات ومئات الآلاف عبر الشبكة.

قامت فانا باديلا -على سبيل المثال- وهي ممرضة حاصلة على ترخيص متخصصة في الأمراض الجلدية، ببناء شبكة متابعين لها عبر الإنترنت وصلت إلى أكثر من 92 ألف متابع من خلال تقديم نصائح للعناية بالبشرة على منصتي “تيك توك” (Tiktok) و”إنستغرام” (Instagram)، وذلك حسب ما ذكرت منصة “فوربس” (Forbes) في تقرير حديث لها.

قالت باديلا إنها بدأت في نشر محتوى عن العناية بالبشرة والجمال على وسائل التواصل الاجتماعي قبل 3 سنوات للوصول إلى مزيد من الأشخاص وتحقيق دخل إضافي لها، وأخذت بتقديم نصائح لمعالجة حب الشباب ومكافحة الشيخوخة، وتوصيات لشراء منتجات الصيدليات التي لا تستلزم وصفة طبية، إضافة إلى دروس في المكياج.

ومن خلال شراكات مع العلامات التجارية لملابس الرعاية الصحية والجمال، بدأت باديلا ببطء في تحقيق الدخل من محتواها، فقد جلب أحد مقاطع الفيديو على تيك توك الذي تروج فيه لمنتج من “كوباري بيوتي” (Kopari Beauty) ما يعادل أجر أسبوعين في وظيفتها اليومية.

ولكن يبدو أن باديلا قد تجاوزت الحد عندما شرعت في تقديم الاستشارات الافتراضية، وأعلنت عزمها إطلاق “دورة خبراء العناية بالبشرة” التي من شأنها أن تعلم مقدمي الرعاية الصحية الآخرين وعشاق العناية بالبشرة معلومات حول كيفية التخلص من حب الشباب، والإجراءات التي استخدمتها لعلاج المرضى من الأمراض الجلدية المختلفة.

طردت باديلا من عملها لخرقها شروط العقد الموقع مع الشركة إذ عدّتها الشركة منافسًا لها، وكذلك لتجاوزها حدود وأخلاقيات المهنة بنشاطها وتشجيعها غير المباشر لمتابعيها على عدم الرجوع إلى أطباء الأمراض الجلدية تمامًا، والاكتفاء بالنصائح والعلاجات التي تقدمها لهم.

المعلومات الصحية الخاطئة المتعلقة بالنظم الغذائية بلغت نسبتها 36% (شترستوك)

نجوم التيك توك

باديلا ليست وحدها، فهناك عدد كبير من الأطباء والممرضين الذين أصبحوا نجومًا على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وتحديدا في أثناء جائحة كورونا وبعدها، ومن هؤلاء الدكتور جيسون كامبل، وهو طبيب مقيم يبلغ من العمر 31 عامًا في مدينة بورتلاند بولاية أوريغون الأميركية، وكان يعمل ما يقرب من 24 ساعة يوميا في مستشفاه أثناء جائحة فيروس كورونا، ولم يكن يحصل إلا على فترات راحة قصيرة فقط.

اكتشف كامبل منصة تيك توك وبدأ بتصوير فيديوهات قصيرة ونشرها عبر المنصة، وخلال بضعة أسابيع فقط جمع بالفعل أكثر من 208 آلاف متابع، وأكثر من مليون إعجاب لمقاطع الفيديو الخاصة به، حسب ما ذكرت منصة “باز فيد نيوز” (Buzzfeed news).

يعد كامبل واحدًا من المهنيين الطبيين الذين استخدموا منصات التواصل الاجتماعي مثل تيك توك وإنستغرام وحققوا نجاحا كبيرا خلال الجائحة وبعدها، وكانت مقاطع الفيديو الخاصة بهم شائعة بشكل لا يصدق، حيث يحظى الأطباء والممرضات بالإشادة بهم في كل مكان والنظر إليهم على أنهم أبطال في مكافحة الفيروس.

وفي الحقيقة، فقد كان المهنيون الطبيون من أطباء وممرضين يعملون عبر وسائل التواصل الاجتماعي منذ سنوات، ولكنهم سطعوا خلال الجائحة وما بعدها، وبالذات في ظل التحول الشامل نحو كل ما هو رقمي بما في ذلك الرعاية الصحية الأولية والعيادات الرقمية عبر الإنترنت وغيرها كثير من التحولات في شتى القطاعات.

وحاليا هناك واحد من كل 5 أميركيين يطلبون المساعدة للمشاكل الصحية التي تحدث معهم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وبالذات منصة تيك توك الأكثر شهرة في هذا الميدان، حسب ما ذكرت “فوربس” في تقريرها المذكور آنفا.

ووجدت دراسة استقصائية حديثة أجرتها مؤسسة “شاريتي أر اكس” (CharityRx) وشملت 2000 بالغ في الولايات المتحدة أن واحدًا من كل 5 أميركيين يثقون بالمؤثرين الصحيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من ثقتهم بالأطباء في العالم الواقعي. كما وجدت الدراسة أن نحو 65% من الأميركيين يتجهون نحو “غوغل” أولا للبحث عن حلول لمشاكلهم الصحية قبل مراجعة أطبائهم.

ووصل الأمر إلى تشكيل جمعية خاصة غير ربحية لوسائل التواصل الاجتماعي المهتمة بالرعاية الصحية ( Association for Healthcare Social Media) عام 2019 لمساعدة المجتمع الطبي على استخدام هذه المنصات “بشكل مسؤول” كأدوات تثقيفية.

ويشجع موقع “يوتيوب” (YouTube) -وهو الموقع الأكثر ربحا لمنشئي المحتوى- الأطباء والممرضين ذوي التراخيص على مشاركة خبراتهم عبر الإنترنت، وأطلق حديثا برنامجًا لتصنيف مقاطع فيديو منشئي المحتوى الطبي وتعزيزها في البحث والاكتشاف.

وقال الدكتور غارث جراهام، طبيب القلب الممارس والمدير العالمي لإدارة الرعاية الصحية في شركة غوغل التي تملك يوتيوب، في تصريحات خاصة لمنصة فوربس، “سيتجه الأشخاص إلى الإنترنت ويبحثون عن المعلومات، وسيتصرفون بناء على المعلومات التي يجدونها، ونحن نحرص أن تكون هذه المعلومات دقيقة، وهذا أمر مهم إذ نتيح الفرصة للأشخاص للوصول إلى معلومات لم تكن لديهم من قبل أو لا يعرفونها”.

Family doctor online. Male doctor speaks with patients by family using laptop sitting behind straw in clinic office.
هناك كثير من المعلومات الطبية المضللة والخاطئة منتشرة عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة (شترستوك)

كثير من المعلومات الطبية الخاطئة

وجدت دراسة علمية نشرتها حديثا منصة “ناشيونال لايبري أوف ميديسن” (National library of mecicine) أن هناك كثيرا من المعلومات الطبية المضللة والخاطئة تنتشر عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وكان التضليل أكثر انتشارا في المعلومات المتعلقة بالتدخين حيث بلغت نحو 87% في بعض الحالات، كما كانت المعلومات الصحية الخاطئة عن اللقاحات شائعة جدا (43%)، ووصلت نسبة المعلومات الصحية الخاطئة المتعلقة بالنظم الغذائية إلى 36%، أما في مجال الأمراض غير السارية فقد بلغت المعلومات الخاطئة 40% لا سيما في حالة السرطان.

وقد غدت الرقمنة جزءا أساسيا من حياتنا وأصبحت شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي محركًا رئيسًا وفاعلًا مباشرًا في كل جزء من جزئيات عالمنا المعاصر، ومع ذلك فإن صحتنا هي الأهم، ولا ننصح القراء أبدا بالوثوق بكل ما يجدونه عبر هذه الوسائل حتى لو ادعى أصحابها أنهم أطباء وخبراء. قم بزيارة طبيبك وخذ النصيحة منه، فهو الشخص الوحيد الذي تستطيع أن تثق به، وأن تحاسبه أيضا إذا أخطأ، أما في وسائل التواصل الاجتماعي فمن الصعب جدا أن تحاسب المضللين والمخطئين وما أكثرهم في زمننا.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.