ترى دوائر كثيرة في واشنطن أن الانسحاب الأميركي من أفغانستان منح “أعداء” الولايات المتحدة الثقة بعدم تدخلها المستقبلي في نزاعات المنطقة، ويتهم ممثلو تيار المحافظين الجدد الرئيس بايدن بأنه منح إيران ضوءا أخضر كي تنفرد بالعراق.

واشنطن- رسميا، تقف الولايات المتحدة على الحياد من أطراف الأزمة السياسية التي تعصف حاليا بالعراق. وعكست البيانات والتصريحات المتتالية من وزارة الخارجية والبيت الأبيض رغبة واشنطن القوية في تشجيع جميع الأطراف العراقية على حل خلافاتها من خلال الحوار والمشاركة.

وصرح نائب المتحدث باسم الخارجية فيدانت باتيل، معلقا على التطورات الأخيرة في بغداد، أن هذه قضية عراقية بالأساس، وليست قضية أميركية، مؤكدا التزام إدارة بايدن المستمر “بعراق قوي ومستقر ومزدهر”.

وجاء الموقف الرسمي الأميركي مخالفا لرؤية قطاعات عديدة، ينتمي أغلبها للحزب الجمهوري، تعتقد أن سياسات الرئيس جو بايدن تجاهلت دعم القوة العراقية القومية المنافسة للمليشيات والجماعات المدعومة من جانب طهران، وأن موقفه “السلبي” والمنبثق من رغبته في التوصل أولا وقبل كل شيء لإحياء الاتفاق النووي مع إيران ترك فراغا كبيرا في النفوذ الأميركي داخل العراق تعمل إيران على استغلاله بلا توقف.

ويرى هذا الفريق أن تطورات العراق تقلق الجميع باستثناء بايدن، ويبدو أن الرئيس الأميركي غير مدرك للوضع الخطير في بغداد التي غرقت في مناخ من العنف وانعدام الاستقرار له علاقة كبيرة بإيران ودورها هناك، طبقا لهذه التيار.

جنود أميركيون قبيل انسحابهم من قاعدة التاجي العراقية قبل عامين (رويترز)

ساحة تنافس أميركي إيراني

عقب فشل واشنطن في بناء دولة حديثة جديدة، ومن ثم انسحابها شبه الكامل من العراق بعدما خسرت ما يقرب من 6 آلاف أميركي، أصبح العراق شريكا مهما فيما تسميه الولايات المتحدة “مكافحة الإرهاب”، إثر القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية بها.

ويتمتع العراق بموقع جيوستراتيجي حيوي، ويمتلك خامس أكبر احتياطي نفطي في العالم، ويمثل هذا البلد مصلحة خاصة لواشنطن كونه يقع على الخطوط الأمامية للتصدي لإيران؛ أكبر أعداء الولايات المتحدة في المنطقة، في الوقت الذي تحاول فيه واشنطن لجم جهود إيران الرامية إلى توسيع نفوذها في أنحاء الشرق الأوسط.

ووسّعت الجماعات العراقية المدعومة من إيران هجماتها على أهداف أميركية منذ 2018. وفي عام 2020، قتلت طائرة مسيرة أميركية خارج مطار بغداد قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، وزعيم قوات الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس.

وردّت إيران بهجمات على قواعد عسكرية تستضيف قوات أميركية، ولم تتوقف هذه الهجمات ضد أهداف أميركية دخل العراق منذ ذلك الوقت.

ورأى مراقبون أن الانتخابات التي شهدها العراق العام الماضي أسهمت في إضعاف قبضة إيران عليها، لكن الابتعاد الأميركي عن تفاصيل العملية السياسية داخل العراق خلال تشكيل الحكومة ترك فراغا لم تتأخر طهران في سدّه.

من هنا، لم تكن مفاجأة أن يهاجم ديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية السابق لشؤون الشرق الأوسط والخبير حاليا بمركز واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، موقف الرئيس جو بايدن من تطورات الأحداث في العراق.

سنوية أفغانستان الأولى

في الوقت ذاته، تزامنت أعمال العنف التي شهدها العراق، ونتج عنها عشرات القتلى ومئات المصابين، مع الذكرى السنوية الأولى لاستكمال الانسحاب الأميركي من أفغانستان. وترى دوائر كثيرة في واشنطن أن الانسحاب من كابل، الذي تخللته فوضى كبيرة وسقوط كثير من الضحايا، منح “أعداء” الولايات المتحدة مزيدا من الثقة بعدم تدخلها المستقبلي في نزاعات المنطقة.

ويتهم ممثلو تيار المحافظين الجدد الرئيس بايدن بأنه منح إيران ضوءا أخضر كي تنفرد بالنفوذ داخل العراق.

وغرد ريتشارد غولدبرغ، خبير الشؤون الإيرانية بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات والمسؤول السابق عن إيران في مجلس الأمن القومي بعهد الرئيس السابق دونالد ترامب، يقول إنه “نادرا ما تكون هناك مصادفات في الشرق الأوسط، علينا مراقبة بغداد من كثب”.

وخلصت تعليقات كثيرين إلى أن نهاية أطول 3 حروب في تاريخ الولايات المتحدة، فيتنام وأفغانستان والعراق، كانت فشلا عسكريا، وسمح ذلك لعدم احترام العديد من الدول للقوة العسكرية الأميركية، وعلى رأس هذه الدول إيران.

“تساهل مع إيران وحلفائها”

وغرّد جيسون برودسكي، خبير الشؤون الإيرانية ومدير السياسات بمؤسسة “الاتحاد ضد إيران النووية”، محذرا من جهود إيران المستمرة لتعظيم مكاسبها “بكل السبل الشرعية وغير الشرعية”، وقال إن محاولة استيلاء زوارق تابعة للحرس الثوري الإيراني على سفينة غير مأهولة تابعة للأسطول الخامس في مياه الخليج الثلاثاء؛ تظهر ذلك بوضوح.

وقال برودسكي إن “هذه الحادثة تظهر أن إيران لا تزال تتطلع إلى الاستيلاء على طائرات أميركية من دون طيار لإجراء هندسة عكسية لتعزيز أسطولها الخاص، وقد تم إفشال ذلك باستخدام قطع تابعة للفرقة 59 من البحرية الأميركية ومقرها البحرين”.

من جانبه، ذكر شينكر أن ادعاء بايدن، في مقال له نشرته صحيفة “واشنطن بوست” (Washington Post) قبل زيارته للمنطقة في يوليو/تموز الماضي، أن الشرق الأوسط أصبح أكثر استقرارًا وأمانًا مما كان عليه عندما تسلّم السلطة من سلفه دونالد ترامب؛ غير صحيح، إذ إن “العراق أقل استقرارا اليوم مما كان عليه في يناير/كانون الثاني 2021، كما أن التهديدات المحدقة بالمصالح الأميركية فيه قد تفاقمت”.

واتهم شينكر بايدن بأنه ترك ساحة العراق خالية، وأصبح لحلفاء إيران السياسيين في العراق اليد العليا. وفي الوقت الذي انتهجت فيه واشنطن مقاربة عدم التدخل في الشأن العراقي، لم تستخدم إدارة بايدن نفوذها الدبلوماسي والاقتصادي لحماية عملية سياسية تحاربها طهران. وقال شينكر إن “إدارة بايدن قررت ترك العراقيين ليحلّوا مشاكلهم بأنفسهم”، لكنه رأى أن واشنطن تركتهم فريسة سهلة للإيرانيين.

وامتدح مساعد وزير الخارجية السابق دور مقتدى الصدر الذي عدّه متبنّيا للقومية العراقية، ومحاربة الفساد، كذلك أشاد بنقده للهجمات العسكرية التي تنفذها قوات الحشد الشعبي ضد الدبلوماسيين والعسكريين الأميركيين.

وفي الوقت الحالي، تؤمن الدوائر الجمهورية والمحافظة داخل واشنطن أنه، بصرف النظر عن كيفية الخروج من مأزق العنف والفوضى في العراق، فمن المرجح أن يزداد نفوذ إيران فيها، وهو ما يثبط عزيمة الناخبين العراقيين الذين صوّتوا بأغلبية ساحقة لمصلحة التغيير في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ويدفع باتجاه سيناريو استمرار حالة عدم الاستقرار في العراق لفترة طويلة.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.