تتوافق نتائج الدراسة مع فكرة أن امتلاك الجين الخاص بالفراء الأسود قد يوفر أيضا الحماية من الفيروس، كما تفسر سبب ميل الذئاب الرمادية للتزاوج مع الذئاب السوداء في يلوستون، حيث تحدث فاشيات سل الكلاب.

إذا سافرت من القطب الشمالي بكندا وتوجهت جنوبا إلى جبال روكي في الولايات المتحدة، ثم اتجهت نحو المكسيك، فسوف تجد أنه كلما ذهبت جنوبا زاد عدد الذئاب السوداء عن الذئاب الرمادية.

والذئب الرمادي يُعرف أيضا بأسماء متعددة مثل الذئب الأشهب، أو الذئب الأشيب. وفي معظم أنحاء العالم، تغيب الذئاب السوداء أو تندر، لكنها تشيع في أميركا الشمالية في بعض المناطق وتغيب عن مناطق أخرى، وطالما تساءل العلماء عن السبب.

الذئاب السوداء أكثر قدرة على التعافي بعد تفشي الفيروس المسبب لسُّل الكلاب (جامعة أكسفورد)

سر فيروس سلّ الكلاب

هذه الظاهرة حيرت العلماء لفترة طويلة، وقد يكون حل اللغز في دراسة جديدة قام بها فريق دولي من جامعة أكسفورد (University of Oxford) البريطانية، ومتنزه يلوستون الوطني (Yellowstone National Park) الأميركي، ونُشرت في دورية “ساينس” (Science) العريقة، يوم 20 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، لمعرفة أسباب تغيير الذئاب لألوانها عبر قارة أميركا الشمالية.

ويُغطي جسم الذئاب معطف ثخين، ويختلف لون فراء الذئاب الرمادية بشكل كبير، فهو يتراوح بين الرمادي والبني الضارب للرمادي، مرورا بجميع أطياف الألوان البارزة، ويتم تحديد لون الفراء الرمادي للذئب (Canis lupus) بواسطة جين “سي بي دي 103” (CPD103) لكن طفرة جينية نشأت في الكلاب الأليفة ثم عبرت إلى الذئاب شكلت لون الفراء الأسود.

وأظهرت دراسات الحمض النووي والانحراف الوراثي أن لون الفراء الأسود قد انتقل إلى الذئاب من الكلاب المستأنسة عبر التهجين. وكالعادة، يرث كل ذئب نسختين من الجين واحدة من الأب، وواحدة من الأم، لكن الذئاب تحتاج فقط إلى وراثة نسخة واحدة من الجين المسؤول عن لون الفراء الأسود لتكتسي بهذا اللون.

في مناطق تفشي السُّل تسعى أنثى الذئب الرمادية اختيار زوج أسود (بيكسابي)

الذئاب السوداء نجت من تفشي الفيروس

ويوضح البروفيسور تيم كولسون من قسم الأحياء في جامعة أكسفورد، الذي قاد العمل، في بيان صحفي لجامعة أكسفورد قائلا “افترض الباحثون أن هذا الجين يلعب أيضا دورا في الحماية من أمراض الجهاز التنفسي مثل فيروس سل الكلاب (CDV) وذلك لأن منطقة الحمض النووي التي تحتوي على الجين تشفر أيضا بروتينا يلعب دورا هاما في الدفاع ضد الالتهابات في رئات الثدييات. لقد توقعوا أن وجود جين الفراء الأسود سيرتبط بقدرة الذئاب على النجاة من الإصابة بالفيروسات.”

ولاختبار هذه الفكرة، قاموا بدراسة 12 ذئبا من أميركا الشمالية، ووجدوا أنه إذا كان الذئب لديه أجسام مضادة لفيروس سل الكلاب، فهذا يعني أنه قد أصيب بفيروس سل الكلاب في الماضي ونجا. ووجدوا أيضا أن الذئاب التي تحمل الأجسام المضادة لفيروس سل الكلاب كانت على الأرجح سوداء أكثر من أن تكون رمادية، وأن الذئاب السوداء كانت أكثر شيوعا في المناطق التي حدث فيها تفش لفيروس سل الكلاب.

وقام الباحثون بعد ذلك بتحليل بيانات مسجلة من فترة تزيد على 20 عاما، تشير إلى أعداد الذئاب في متنزه يلوستون الوطني. ووجدوا أن الذئاب السوداء لديها قدرة أكبر على البقاء على قيد الحياة بعد تفشي فيروس سل الكلاب، مقارنة بالذئاب الرمادية.

وقد استخدم في الدراسة نموذج رياضي بسيط لاختبار هذه الفكرة. وقد تطابقت تنبؤات نموذج الباحثين مع الملاحظات التي تشير إلى أن الذئاب السوداء والرمادية كان من المرجح أن تتزاوج بالمناطق التي يكون فيها تفشي فيروس سل الكلاب شائعا. ويتم فقدان هذه الميزة التنافسية بتلك التي لا يحدث فيها تفش لفيروس سل الكلاب.

تواتر تفشي فيروس سل الكلاب مسؤول عن انتشار الذئاب السوداء (بيكسابي)

المرض محرك تطوري رئيسي

وتتوافق هذه النتائج مع فكرة أن امتلاك الجين الخاص بالفراء الأسود قد يوفر أيضا الحماية من الفيروس، كما تفسر سبب ميل الذئاب الرمادية للتزاوج من الذئاب السوداء في يلوستون، حيث تحدث فاشيات سل الكلاب.

وقال بيتر هدسون أستاذ علم الأحياء في ويلامان، ولاية بنسلفانيا “ما أحبه في هذه الدراسة هو تمكننا من جمع خبراء من العديد من المجالات ومجموعة من الأساليب لإظهار كيف يمكن أن يكون للمرض تأثيرات ملحوظة على مورفولوجيا الذئب وسلوكه. نحن نتعلم أن المرض محرك تطوري رئيسي يؤثر على العديد من جوانب مجموعات الحيوانات”.

ويتوقع الباحثون أن الأنواع الأخرى قد تتبع نمطا مشابها للذئاب، وأن العديد من الحشرات والبرمائيات والطيور والثدييات غير البشرية لها ارتباطات بين اللون ومقاومة الأمراض. وقد يكون وجود المرض، أو مدى تكرار حدوث تفشي المرض، عاملا مهما يؤثر على اللون الذي يفضله الحيوان.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.