في عام 2016، قطعت شركة “تارغت” علاقاتها مع شركة تصنيع المنسوجات “ويلسبون إنديا” بعدما اكتشفت أن 750 ألف ملاءة كُتب عليها “قطن مصري” لم تكن مصرية 100% على الإطلاق، وفق ما ذكرته منصة “بلومبيرغ” (Bloomberg) حينها.

وتشتهر مصر منذ فترة طويلة بإنتاجها الممتاز من القطن طويل التيلة، وهو مجموعة متنوعة من المحاصيل ذات الخيوط الطويلة التي ينتج عنها نسيج أكثر نعومة ومتانة. لذا فإن المنتجات التي تحمل العلامة المصرية عادة تكون أعلى سعرا من غيرها.

والقطن المصري ليس الوحيد الذي يتعرّض للتزييف، إذ يمتد الأمر إلى القطن الهندي والحرير الصيني والمنسوجات العضوية، وغيرها من الملابس والأزياء التي تضع علامات غير صحيحة حول نقاء المنتج وجودته، من أجل جذب المستهلكين وكسب المزيد من المال.

التزييف يمتد إلى الملابس التي تضع علامات غير صحيحة لجذب المستهلكين وكسب المزيد من المال (بيكسابي)

وفي عام 2020، قال “معيار المنسوجات العضوية العالمية” (Global Organic Textile Standard Gots) إن 20 ألف طن من القطن الهندي تم تصنيفها “زورا” على أنها منتجات عضوية، وهذا الرقم يشكل نحو سدس الإنتاج الهندي من القطن.

وفي عام 2017، اعترفت علامة حرير فيتنامية شهيرة بأن نصف الحرير الذي تستخدمه فقط جاء من الصين، علما بأنها كانت تضع على منتجاتها علامة “حرير صيني 100%”.

وفي عام 2018، اضطر كثير من تجار التجزئة البريطانيين إلى سحب منتجات الفراء من متاجرهم بعد اتهامهم بالمتاجرة بمنسوجات مزيفة، ليتضح لاحقا أن هذه المنسوجات كانت أصلية فعلا وغير مزيفة، وفق تقرير نشرته منصة “بي بي سي” (BBC) قبل أيام.

وسط هذه الفوضى، كيف يمكننا معرفة إن كانت الملابس والعلامات العالمية الموجودة في خزائننا أصلية وغير مزورة؟

من اختيار قميص قطني عضوي إلى شراء أحذية رياضية مصنوعة من زجاجات بلاستيكية مُعاد تدويرها، يختار كثير منا دفع مزيد من المال على أمل أن تكون مشترياتنا ذات جودة عالية، أو تحافظ على البيئة، أو تساعد الناس. ومع ذلك، وكما أظهرت الأمثلة السابقة؛ فإننا لا نحصل دائما على ما نعتقد أننا دفعنا المال من أجله.

يحتوي القطن العضوي على بصمة كربونية أقل من القطن التقليدي، ويزرع من دون أسمدة اصطناعية ومبيدات حشرية قد تتسرّب إلى الأنهار القريبة، وتلوث البيئة المحلية، كما أن سعره أغلى من القطن العادي؛ مما يحقق أرباحا إضافية للمزارعين، فضلا عن حماية صحتهم من الآثار الجانبية للأسمدة والمبيدات الضارة. لكن كيف يمكن التأكد من نوع القطن المستخدم، خاصة مع تعقد سلاسل التوريد؟

القطن العضوي سعره أغلى من العادي مما يحقق أرباحا إضافية للمزارعين فضلا عن حماية صحتهم (شترستوك)

تعقد سلاسل التوريد

سلاسل التوريد المعقدة تجعل من الصعب التأكد من أصالة وجودة الملابس والمنسوجات التي نشتريها، إذ تحدث كل خطوة من هذه السلسلة في بلد مختلف.

مثلا؛ قد يتم شحن القطن المزروع في مصر إلى الهند ليتم غزله إلى خيوط بإحدى المنشآت الصناعية هناك، ثم يتم إرساله إلى البرتغال لقصه وخياطته، قبل أن يتم بيعه في متجر متعدد الأقسام في مدينة لندن البريطانية أو نيويورك الأميركية.

وتعد سلسلة التوريد هذه نموذجية وسهلة، لكن هناك سلاسل توريد أعقد من ذلك بكثير، وفق بي بي سي.

وبهدف السماح للشركات بالتحقق من أصالة منتجاتها، فإنها تتجه إلى التكنولوجيا التي تمكنها من تتبع الألياف من الحقل إلى أرضية المتجر.

وفي هذا السياق، طوّرت شركة يقع مقرها في “لونغ آيلاند” تسمى “أبلايد دي أن إيه ساينس” (APDN) طريقة لتحديد ما هو حقيقي وأصلي، وما هو مزيف عن طريق استخدام تقنية قادرة على تحديد أنواع القطن الأصلية بفحص الحامض النووي (DNA) الخاص بكل نوع منها.

وهذه التقنية قادرة على تتبع المنسوجات والمنتجات القطنية النهائية، وصولا إلى مصدرها في المزرعة التي زرعتها، وفق منصة “فوربس” (forbes).

 

egyptian-cotton-logo
القطن المصري ليس الوحيد الذي يتعرّض للتزييف إذ يمتد الأمر إلى القطن الهندي والحرير الصيني (مواقع التواصل)

كيف تعمل هذه التقنية؟

الألياف القطنية عبارة عن خلايا نباتية حية، وتحتوي على مجموعة كاملة من جينات القطن. وبحلول الوقت الذي تنضج فيه لوزة القطن تضعف الخلايا ويبدأ الحامض النووي التدهور، وهو أمر يستمر خلال مراحل الحصاد والغزل والنسج حتى تموت الخلايا في النهاية. ومع ذلك، تظل بقايا حامض نووي تحمل توقيعها الجيني المميز، وهي كافية كي تسمح بفحصها واختبارها والتأكد من مصدرها.

واستخدمت وحدة علم الوراثة في إدارة البحوث الزراعية بوزارة الزراعة الأميركية هذه التكنولوجيا للتحقق وراثيا من أنواع متعددة من أصناف القطن، والمساعدة في حماية جودة المنتجات الواردة للسوق الأميركي.

ويمتلك علماء وزارة الزراعة الأميركية حاليا مجموعة واسعة من الأصول الوراثية للقطن من أرجاء العالم، إذ يتكيف القطن مثله مثل كثير من المحاصيل الزراعية الأخرى مع البيئة المحيطة وظروف النمو في كل منطقة. وهذا يعني أن القطن المزروع في الهند أو الصين أو إسبانيا أو مصر أو أوزبكستان يمتلك خصائص فريدة يمكن اكتشافها في الحمض النووي الخاص بكل نوع.

وتُمكّن هذه التقنية شركات الملابس والعلامات العالمية من تقديم مطالبات حول جودة القطن وأصوله، بصرف النظر عن مدى تعقيد المسار من المزرعة إلى المتجر.

وسيؤدي ذلك أيضا إلى حماية حقوق المزارعين الذين يزرعون منتجا عالي الجودة. وهناك كثير من التطبيقات الأخرى لهذا النوع من التكنولوجيا، مثل التأكد من زيت الزيتون الأصلي البكر، أو صناعة المكمّلات الغذائية.

 

تقنية “تحليل النظائر” تصلح للتأكد من مصادر المواد الطبيعية مثل القطن والحرير والصوف (شترستوك)

تقنية النظائر المشعة

“تحليل النظائر” تقنية أخرى تُستخدم للتأكد من مدى أصالة المنسوجات، بحيث يحمل كل نوع من الألياف بصمة بيئية فريدة من نوعها، وتختلف كميات النظائر المستقرة الموجودة في البيئة باختلاف المناخ وظروف التربة.

عندما تنمو النباتات والحيوانات فإنها تمتص النظائر المستقرة في أجسامها بالنسب ذاتها التي توجد فيها تلك النظائر في البيئة، كما أنها تمتص العناصر الأخرى الموجودة في البيئة، مثل البوتاسيوم والزنك. ومن خلال قياس مستويات هذه النظائر المستقرة والعناصر الأخرى في المواد الخام من مزرعة معينة تنشئ مؤسسات البحث الجنائي بصمة فردية لتلك الألياف.

وفي وقت لاحق، يمكن تحليل عينات النسيج المأخوذة من سلسلة التوريد ومقارنتها بالبصمات المخزنة لديها، وهذه التقنية تصلح للتأكد من مصادر المواد الطبيعية، مثل القطن والحرير والصوف.

وفي نهاية المطاف، لا تتطلب الشفافية عبر صناعة النسيج حلولا تقنية وحسب، بل تحتاج إلى تشريعات قانونية وحلول أخلاقية، وتغيير طريقة العمل، فلا يمكننا معرفة الحقيقة ما لم تتغير الطريقة التي نؤدي بها أعمالنا.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.