القاهرة- في ما يبدو أنه مؤشر جديد على الإشكاليات المتواصلة التي يواجهها الحوار الوطني في مصر، أعلنت “الحركة المدنية الديمقراطية” (تضم عدة أحزاب وشخصيات عامة) -في بيان لها مساء أمس الأربعاء- اعتراضها على تباطؤ إجراءات إخلاء سبيل المحبوسين على ذمة قضايا الرأي، واعتماد سياسة التقتير في أعداد من يتم إخلاء سبيلهم.

وأكدت الحركة رفضها القاطع “لاستمرار عمليات اعتقال المواطنين بسبب التعبير عن آرائهم، والتضييق على المجال العام ووسائل الإعلام، بما يخالف الادعاءات الرسمية عن التوجه نحو إصلاح سياسي حقيقي”.

كما وجهت الحركة -في بيانها- عددا من الانتقادات إلى الحوار الوطني المزمع إجراؤه في مصر، الأمر الذي أثار انتقادات واسعة وتسبب في هجوم شديد على الحركة، في حين قال القيادي بالحركة حمدين صباحي إن “البلاد في اختيار بين الحوار أو الانفجار”.

وفي نهاية رمضان الماضي، دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى حوار وطني لا يستثني أحدا لمناقشة أولويات البلاد والخروج بنتائج يتوافق عليها الجميع، كما أعلن إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي، وهو ما أسفر عن إطلاح سراح عدد من النشطاء وسجناء الرأي.

ولاحقا أكد السيسي أن الاستثناء الوحيد هو مشاركة جماعة الإخوان المسلمين، كما أعلن منسق الحوار ضياء رشوان أن الحوار لن يناقش تعديل الدستور.

ويعدد البعض المخرجات الإيجابية غير المباشرة، التي تتمثل في التحسن الملموس -رغم محدوديته- في تحريك الحياة السياسية والحزبية بعد سنوات من الإغلاق، وإطلاق سراح بعض معتقلي الرأي.

وفي المقابل، يرى منتقدون أن الحوار لم يتقدم للإمام بسبب الإجراءات التنظيمية المتعددة التي أخذت وقتا طويلا نسبيا لا تتحمله الظروف والتحديات الراهنة، وفق مراقبين.

بيان الحركة

وفي بيانها، قالت الحركة المدنية إنها ناقشت في اجتماعها آخر تطورات الدعوة إلى الحوار الوطني، وما ارتبط بها من إجراءات تمهيدية تتعلق بتشكيل محاوره ولجانه المختلفة والضمانات التي طالبت بها الحركة في بيان الثامن من مايو/أيار الماضي كضرورة لانطلاق الحوار، وأن المجتمعين اتفقوا على عدد من النقاط:

  • تأكيد ضرورة الالتزام بإخلاء سبيل سجناء الرأي، والتعبير عن القلق البالغ من تباطؤ إجراءات إخلاء السبيل واعتماد سياسة التقتير في أعداد من يتم إخلاء سبيلهم وعلى فترات متباعدة.
  • الرفض القاطع لاستمرار عمليات القبض على المواطنين بسبب التعبير عن آرائهم، والتضييق على المجال العام ووسائل الإعلام، بما يخالف الادعاءات الرسمية عن التوجه نحو إصلاح سياسي حقيقي، يتماشى مع مبادئ الدستور الخاصة بحرية الفكر والرأي والتعبير.
  • رفض اندفاع السلطات في اتخاذ إجراءات اقتصادية وسياسية ذات طابع إستراتيجي تمس معيشة المواطنين وتزيد حجم الأعباء الملقاة على عاتقهم قبل انطلاق الحوار، وأن إقرار تلك الإجراءات يعد تناقضا صارخا مع الإعلان عن أن كافة القضايا التي تهم المواطنين ستكون موضع نقاش في جلسات الحوار.
  • تأكيد أن المشاركة في الإجراءات التمهيدية للحوار الوطني لا تعني بأي حال إقرار الحركة للسياسات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة في الملفات الاقتصادية والاجتماعية، التي تمس الحياة اليومية للمواطنين وتزيد حجم عبء الدين الخارجي والتضخم.
  • ترى الحركة أن تشكيل لجان المحور السياسي للحوار الوطني لم تحقق التوازن المطلوب والمتفق عليه مع الجهة الداعية للحوار، والقاضي بأن الحوار هو بين السلطة والمعارضة بمنطق التمثيل المتكافئ.
  •  تشارك الحركة في نقاشات جادة مع كل الأطراف المعنية من أجل إعادة التوازن لتشكيل هذه اللجان، وتقترح أن يتم تقسيم لجنة مباشرة الحقوق السياسية والأحزاب والتمثيل النيابي إلى 3 لجان، حتى لا تصبح هذه اللجنة المهمة مثقلة بملفات أكبر من طاقتها، وحتى يتم توزيع هذه الملفات على عدد أكبر من المشاركين.

الحوار أو الانفجار

بدوره، قال القيادي في الحركة المدنية والمرشح الرئاسي الأسبق حمدين صباحي إن الحركة تقدم بيانها للشعب المصري ليعلم “أننا نريد الحوار ولكن إذا ضُيق علينا هذا الطريق فنحن أبرياء والسلطة هي المسؤولة”، موضحا أن “الحركة المدنية طالما وجدت إلى الحوار سبيلا فسوف تناضل من أجل ذلك، فالخيار بين الحوار وبين الانفجار”، بحسب وصفه.

وفي المؤتمر الصحفي الذي أعلنت خلاله الحركة بيانها، قال صباحي “نحن لم نكن شركاء في صنع الأزمة لكننا مستعدين أن نكون شركاء في صياغة الحل إذا سُمح لنا بتوفير ضمانات حقيقية”، مشددا على أن موقف الحركة هو أن الحوار بين سلطة ومعارضة وليس بين سلطة ومولاة لها، لكن “اليوم نشعر بأن هناك التفافا على هذا المعنى، ونية لأن تكون الحركة المدنية جزءا في حوار يتجاوز هذا المعني”.

وأكد أن قضية سجناء الرأي هي المقدمة التي لا مفر منها لتوفير ضمانات جدية الحوار، هي ليست قضية حقوقية فقط بل هي قضية سياسية بامتياز فضلا عن كونها قضية إنسانية، مضيفا “نريد لكل سجين رأي أن يعود لبيته، لكل أسرة تعاني من وجع فقدان عزيز ورميه وراء السجون أن تفرح، للبيوت الحزينة أن تشعر بقدر من الرضا”.

هجوم مضاد

وأثار بيان الحركة غضبا واسعا بين مؤيدي السلطة المصرية، ولم تمض ساعات قليلة من صدور البيان حتى شن سياسيون ورؤساء أحزاب مصرية هجوما شديدا على الحركة.

ونقلت صحيفتا الأهرام وأخبار اليوم الحكوميتان انتقادات رؤساء عدد من الأحزاب لبيان الحركة، التي تضمنت اتهامات لها بالسعي لشق الصف الوطني عبر ادعاءات كاذبة وإملاءات مرفوضة، حسب وصفهم.

ونقلت الأهرام رفض تحالف الأحزاب المصرية (يضم نحو 42 حزبا سياسيا) موقف الحركة المدنية من الحوار الوطني، وتأكيدهم أن الحوار الوطني يتسم بحالة من الشفافية غير المسبوقة.

وقال رئيس حزب إرادة جيل ووكيل لجنة الصناعة بمجلس الشيوخ تيسير مطر إن “الحركة المدنية رغم إعلان استمرارها في الحوار الوطني تصدر في الوقت ذاته بيانات مفخخة تتسبب في إثارة البلبلة، فضلا عن أنها لا تعترف بالحالة الديمقراطية التي صنعها الحوار”.

كما قال رئيس حزب المصريين حسين أبو العطا إن “بيان الحركة الوطنية هدفه الشو الإعلامي ليس إلا”؛ مطالبًا القائمين على الحركة بالعمل من أجل الوطن لا العمل عن طريق الشعارات والمزايدة للحصول على مكسب شخصي، كما قال رئيس حزب الحركة الوطنية المصرية رؤوف السيد علي إن ما جاء في بيان الحركة سيذهب أدراج الرياح أمام حالة الإجماع الوطني والالتفاف غير المسبوق من الجبهة الداخلية خلف القيادة السياسية.

هجوم إعلامي

وشارك المذيع أحمد موسى هو الآخر في الهجوم على الحركة المدنية عبر برنامجه “على مسؤوليتي” المذاع على قناة “صدى البلد” مساء أمس الأربعاء، حيث زعم أن الحركة المدنية تهدد الدولة، وترغب في احتكار الحوار الوطني، في حين أنها عبارة عن “غرفتين وصالة”، في إشارة إلى وزنها السياسي القليل.

وزعم موسى أن الحركة تضم أحزابا لا توجد إلا على الورق وأحزابا عائلية (أغلب أعضائها من أسر قيادات الحزب)، متسائلا عن الداعي لشروط وطلبات وأوامر الحركة في ظل عدم وجود أي قوة لها بالشارع المصري، وعن سبب رغبتها في إفشال الحوار الوطني.

وطالب المذيع -المقرب من السلطات المصرية- أعضاء الحركة بضرورة التغاضي والتنازل وتجنيب المصالح الشخصية لحساب مصلحة مصر، زاعما أن المواطن المصري أصبح يكره الحركة المدنية.

عكس التيار

اللافت أن رد المنسق العام للحوار الوطني ضياء رشوان على بيان الحركة جاء عكس تيار الهجوم، ورأى أن الاقتراح الذي ورد في بيان الحركة بخصوص تنظيم لجان الحوار الوطني يستحق النظر والمناقشة في مجلس أمناء الحوار الوطني، حسب ما نقلته صحيفة أخبار اليوم (حكومية).

وأوضح رشوان أنه سيقوم خلال الاجتماع المقرر السبت القادم لمجلس أمناء الحوار بعرض اقتراح الحركة المدنية إعادة تقسيم لجنة مباشرة الحقوق السياسية والأحزاب والتمثيل النيابي إلى 3 لجان مستقلة، لأخذ رأي المجلس فيه وتقرير ما يجب عمله في حالة الموافقة عليه.

وفي بيان مشترك الأسبوع الماضي، حددت 5 منظمات حقوقية مستقلة 8 مطالب قالت إنه يتعين تنفيذها قبل إجراء الحوار الوطني، والتي من شأنها المساهمة في تهيئة المناخ السياسي لحوار جدي يمهد لبناء ثقة المواطن المفقودة في سلطات ومؤسسات الدولة ودستورها ومبدأ حكم القانون.

وجاء الإفراج الفوري عن جميع سجناء الرأي على رأس المطالب، مع الوقف الفوري لجميع أشكال التعذيب والمعاملة القاسية وإحالة مرتكبيها للمحاكمة، والرفع الفوري للقيود الأمنية على نشاط الأحزاب السياسية والنقابات المهنية والجمعيات الأهلية والمنظمات الحقوقية المستقلة، ووقف كل أشكال الرقابة الأمنية على وسائل الإعلام.

والمنظمات الموقعة على البيان هي: مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، والمفوضية المصرية للحقوق والحريات، ومركز النديم، ومسار-مجتمع التقنية والقانون، والجبهة المصرية لحقوق الإنسان.

المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي


المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.