كشف تقرير لصحيفة “ذي أثليتك” (The Athletic) البريطانية عن جوانب خفية من الأزمة التي عصفت بمنتخب بلجيكا، وتسببت في الظهور الباهت للفريق في كأس العالم 2022 في قطر، مما عجل برحيله مبكرا عن المنافسات.

وخرج “الشياطين الحمر” من الدور الأول لكأس العالم بعد فوز على كندا، وهزيمة أمام المغرب وتعادل مع كرواتيا، في أداء خالف توقعات جماهير البلاد التي كانت تتطلع لإنجاز أفضل من المركز الثالث الذي حققته بلجيكا في مونديال روسيا 2018.

وذكرت الصحيفة أن أسباب الخروج تجاوزت ما هو كروي ورياضي، وترجع أساسا إلى خلافات عميقة ظهرت ملامحها منذ اليوم الأول من وصول نجوم المنتخب إلى مقر إقامتهم في قطر، وأخرى كانت قد ظهرت إرهاصاتها الأولى منذ عدة أشهر، لكنها انفجرت في وجه الجميع خلال المنافسات وبعد الإقصاء المفاجئ.

أزمة اللغة

كان كثيرون يرون أن حاجز اللغة كان يشكل مشكلة مستمرة في كرة القدم البلجيكية، مما خلق فجوة بين أولئك الذين يتحدثون اللغة الفلمنكية شمالي البلاد، مثل توبي ألدرويرلد ويان فيرتونغن وكيفين دي بروين، وأولئك الذين لغتهم الأم هي الفرنسية، مثل أكسال فيتسل وإدين هازارد.

وقرر مدرب المنتخب البلجيكي، روبيرتو مارتينيز، أن تكون لغة الفريق المشتركة هي الإنجليزية بعد أن رأى أن بعض اللاعبين -مثل تيبو كورتوا وفينسنت كومباني وروميلو لوكاكو- يراوحون في استخدام اللغات، وغالبا ما يلجؤون إلى اللغة الإنجليزية عندما يتحدثون داخل مجموعة.

مدرب المنتخب البلجيكي روبيرتو مارتينيز (غيتي)

كان هذا القرار مناسبًا للمدرب بالتأكيد، نظرًا لأنه إسباني من كتالونيا يتحدث الإنجليزية بطلاقة، ولكن ليس الفرنسية أو الفلمنكية، كما أن اللاعبين رحبوا به، وخلق هذا القرار إحساسا بالمساواة والوحدة في المنتخب الوطني الذي كان يعاني الانقسامات منذ عقود.

لفترة طويلة في عهد مارتينيز، ترسخ الشعور بالوحدة، ورغم توتر العلاقات بين أعضاء الفريق، فإن الروح الجماعية في كأس العالم 2018 أوصلت بلجيكا إلى نصف النهائي للمرة الثانية فقط في تاريخها. لكن تدريجيًا، وجد بعض اللاعبين أنفسهم يعودون إلى استخدام لغتهم الأم داخل معسكرات التدريب.

استعدادات غير موفقة

لم يكن تلاشي اللغة المشتركة سبب تراجع بلجيكا في نهائيات كأس العالم هذه السنة، وإنما أحد مظاهره، فمن جهة أخرى، في ما يتعلق باختيار معسكرهم التدريبي في قطر، فضّل مارتينيز وموظفوه أن يكونوا أكثر بعدا، واختاروا مقر إقامة وتدريب على بعد 150 كيلومترا في سلوى على الساحل الجنوبي الغربي لقطر، في حين أن الغالبية العظمى من المنتخبات الـ32 المتنافسة استقرت على بعد نحو 25 كيلومترًا من الدوحة.

وأوضح التقرير أنه رغم أنهم أقاموا في فندق فخم منعزل بجوار الشاطئ، فإن بعض اللاعبين الكبار شعروا بالاستياء، إذ أحسوا بالعزلة والانفصال عن مشجعيهم وعائلاتهم الذين جاؤوا لدعمهم.

قبل البطولة، كان من المقرر عقد “يوم عائلي” بعد يوم من مواجهة المغرب ودعوة العائلات للخروج من الدوحة إلى شاطئ سلوى لحضور حفل شواء، وهو ترتيب استمتع به اللاعبون ورحبوا به في كأس العالم السابقة في روسيا قبل 4 سنوات.

غير أن أفراد الأسر وجدوا أجواء غير مريحة، وكانت هناك خلافات وتراشق للاتهامات في غرفة الملابس، حسب كات كيرخوفز، زوجة المهاجم دريس ميرتنز، “فعلى الرغم من أن الجميع كان يعتقد أن العلاقة بين اللاعبين كانت لطيفة للغاية، فإن حفل الشواء كان مربكا للغاية”.

تشير مصادر الصحيفة إلى أن “الارتباك” كان موجودا منذ لحظة وصول لاعبي المنتخب البلجيكي إلى قطر. فكان هناك شعور بالإحباط تجاه الاتحاد البلجيكي بشأن الترتيبات وتجاه المدرب مارتينيز بشأن كيفية إدارة الفترة التي لا يجرون فيها مباريات. وكان مارتينيز قد اتبع في البداية نهجا أكثر تساهلا من سلفه مارك فيلموتس، لكن الترتيبات التي اتخذها أصبحت أكثر صرامة مع مرور الوقت.

ولفت التقرير إلى أن بعض اللاعبين يعتقدون أنه نظرا لحجم الفندق على شاطئ سلوى، كان من الممكن بسهولة السماح لعائلاتهم بالبقاء على الجانب الآخر من المنتجع، حتى لو كانت هناك قواعد حول متى يمكنهم أو لا يمكنهم رؤيتهم. لكن مارتينيز أراد وضع خطوط فاصلة واضحة، وحتى التفاعل بين اللاعبين وموظفي الاتحاد البلجيكي بدا مثيرا للاستياء.

هازارد مشكلة أخرى

ونقلت الصحيفة -عن مصادر مقربة من غرفة الملابس- أن مارتينيز تلقى انتقادات لاذعة لإظهاره الكثير من الولاء لهازارد، الذي لم يفشل فقط في تسجيل هدف أو تمريرة حاسمة في كأس العالم هذا العام بل كانت البيانات الأساسية لأدائه متدنية بشكل كبير أيضا؛ إذ لم يقم هازارد إلا بـ5 مراوغات ناجحة فقط خلال مبارياته الثلاث في قطر.

التراجع في أداء هازارد معروف جيدا، بعد تعرضه لسلسلة من الإصابات منذ انضمامه إلى ريال مدريد عام 2019. ورغم مهارة اللاعب السابقة، فإنه الآن لا يفعل ما يكفي، وفقا لبعض اللاعبين الذين يرون أن لياندرو تروسارد أو جيريمي دوكو كان يجب أن يبدآ بدلا منه أمام المغرب.

أما لوكاكو، فقد كان هناك تعاطف أكبر معه لأنه غاب شهرين من الموسم مع إنتر ميلان بسبب إصابة في أوتار الركبة، وكان هناك احتمال غيابه عن كأس العالم، بعد تكرار تلك المشكلة أوائل نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

كلام صريح من دي بروين

تطرق التقرير أيضا لوضع اللاعب كيفن دي بروين، ففي وقت كتابة التقرير، لم يتحدث دي بروين علنًا أو ينشر كلمة على وسائل التواصل الاجتماعي منذ مشاركة بعض الصور مع زوجته وأطفاله عندما أمضوا لحظة وجيزة معا في المدرجات بعد الانتصار على كندا؛ إذ قال لاعب خط وسط مانشستر سيتي: “لا شيء أكثر أهمية”.

FIFA World Cup Qatar 2022 - Group F - Croatia v Belgium
حسرة دي بروين بعد الخروج من المونديال (رويترز)

وأوضح التقرير أنه في أثناء التحضير للمباراة ضد المغرب، نشرت صحيفة “غارديان” (Guardian) مقابلة مع دي بروين قبل مغادرته كأس العالم كانت مقابلة جميلة وموجهة نحو الحديث عن الأسرة بطلب من اللاعب، لكنه عندما سُئِلَ عن فرص بلجيكا في قطر اعترف بعدم وجود فرصة، ورأى أن فرصتهم الكبيرة جاءت وذهبت قبل 4 سنوات بقوله “لدينا فريق جيد، لكنه يتقدم في السن، لقد خسرنا بعض اللاعبين الرئيسيين، ولدينا بعض اللاعبين الجدد الجيدين القادمين، ولكنهم ليسوا بنفس مستوى لاعبين آخرين كانوا في 2018”.

في بضع كلمات فقط، بدا أن دي بروين قد استخف ببعض زملائه الأكبر سنا -أمثال فيرتونغن (35 عاما) وألديرويرلد ويتسل (33 عاما)- ورأى أن اللاعبين الأصغر سنًّا “الجيدين” -من أمثال أمادو أونانا ويوري تيليمانز ولياندرو تروسارد وتشارلز دي كيتيلاري ودوكو وأوبيندا- لم يكونوا جيدين بما يكفي لسد الفجوة، وهو ما يتفق معه كثيرون من خارج الفريق. ولكن كان من السيئ أن يقول عن زملائه إنهم لاعبون كبار في السن.

تراشق الاتهامات

ونقل التقرير معلومات عن استياء دي بروين من الطريقة التي تمت بها تفسير تعليقاته، وأوضح أنه يرى أنها أخرجت من سياقها، ومن المؤكد أنها لم تساعد على تحسين العلاقات داخل المعسكر الذي كان بالفعل معسكرا غير جيد.

من جهته، أشار فيرتونغن -بشكل غير مباشر ولكن قوي- إلى مقابلة دي بروين بعد مباراة المغرب، حين قال إن بلجيكا ربما خسرت لأن “هجومها كان عجوزا جدًّا”.

والثلاثاء الماضي، نشرت صحيفة “ليكيب” الفرنسية تفاصيل خلاف كبير بين دي بروين وفيرتونغن، وهو الأمر الذي تطلب من لوكاكو التدخل لإنهائه.

ومع أن عدة مصادر قالت للصحيفة البريطانية إن الخلاف كان أقل مما تم تصويره، لكن من المؤكد أنه كان هناك على الأقل تراشق لفظي صريح للغاية بين اللاعبين، وأن لوكاكو كان عليه بالفعل التدخل، كما كان هناك أيضًا نقاش مقتضب بين فيرتونغن وهازارد، على الرغم من أنه قيل إن هازارد تمكن من استرضاء المدافع.

وتبع ذلك اجتماع أزمة بين اللاعبين -حتى لو اعترض تيموثي كاستاني على هذا الوصف- حيث قال ظهير نادي ليستر سيتي “أعتقد أنه كان من المهم جدًّا بالنسبة لنا عقد هذا الاجتماع، لكنه لم يكن “اجتماع أزمة” كما سمعت من بعض الجهات. كان من المهم التعبير عن مكنونات صدورنا ومشاركة وجهات نظرنا، لكن ذلك لم يخرج عن السيطرة”.

انشقاقات وتسريب معلومات

من جانبه، أبدى الحارس تيبو كورتوا -في مؤتمر صحفي- غضبه من أن شخصا ما داخل الفريق قد سرب “معلومات كاذبة ” إلى وسائل الإعلام وهي مشكلة متكررة مع بلجيكا على مر السنين.

في تصريح سابق، قال لاعب خط وسط روما السابق رادجا ناينغولان، الذي كان أحد أكثر الشخصيات صراحة في الفريق، إن بلجيكا تعاني وجود عدد كبير جدا من الشخصيات الفردية، وكان ذلك قبل أن يخرجه مارتينيز من الفريق قبل كأس العالم 2018.

وصرح ناينغولان -لصحيفة “تايمز” (Times) عام 2018- بأن “الجميع يريد أن يكون مهمًّا؛ يريد هازارد أن يكون مهمًّا، وكذلك دي بروين ولوكاكو، لذلك من الصعب وضع كل ذلك معا، لأن كل لاعب يريد إظهار مهاراته، وهذا يجعل التعلم أصعب شيء”.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.