معالجة ظاهرة العواصف الترابية في المنطقة أضحت بحاجة ملحة إلى تكاتف إقليمي ومساعدة المنظمات الدولية

الحديث عن العواصف الترابية في إيران ذو شجون، فمنذ أكثر من عقدين من وصول الضيف الأحمر إلى جنوبي البلاد واصل زحفه في سماء المحافظات الإيرانية، وتمكن خلال العام الأخير من اجتياح العاصمة طهران التي تعتبر من أكثر المدن تلوثا على مستوى العالم.

وتسببت العواصف الترابية بإغلاق المدارس والجامعات والإدارات الحكومية في عشرات المدن الإيرانية، منها العاصمة طهران التي اختنقت مؤخرا جراء سحب الجسيمات الدخانية والترابية التي تخيم على سمائها.

ودأبت وزارة الصحة الإيرانية على الإعلان عن دخول مئات المواطنين المستشفيات بسبب مشاكل في الجهاز التنفسي جراء العواصف الترابية التي وصلت في يونيو/حزيران الماضي إلى سماء أكثر من 20 محافظة موزعة على ربوع البلاد.

دول عدة في الشرق الأوسط شهدت بشكل شبه أسبوعي عواصف ترابية عنيفة (الفرنسية)

وعلى وقع ازدياد وتيرة العواصف الترابية التي تؤرق الإيرانيين عزت هيئة مراقبة جودة الهواء في طهران السبب إلى البؤر الرملية والترابية في الدول المجاورة، بيد أن ناشطي البيئة يطالبون السلطات الإيرانية بالعمل على احتواء مصادرها في الداخل قبل الخارج، مما دفع منظمة البيئة الإيرانية إلى تحديد جميع البؤر الترابية على المستويين الداخلي والإقليمي.

أسباب داخلية

وفي السياق، يعزو الناشط البيئي بشير فرحاني السبب وراء تضاعف العواصف الترابية التي تغطي سماء إيران بشكل شبه أسبوعي إلى عوامل داخلية، منها تجفيف الأهوار، والإفراط في إنشاء السدود، وقلة الأحزمة الخضراء المحيطة بالمدن، وعدم الاهتمام الكافي بمكافحة التصحر.

وكشف فرحاني للجزيرة نت عن تجفيف مساحات شاسعة من الأهوار، ولا سيما هور العظيم جنوب غربي البلاد لتسهيل عمليات التنقيب عن النفط واستخراجه، منتقدا سياسة نقل مياه الأنهار إلی المناطق المركزية، مما أدى إلى تحويل السهول الخضراء إلى صحارى قاحلة جنوبي البلاد.

فرحاني أشار إلى تجفيف مساحات شاسعة من الأهوار لتسهيل عمليات التنقيب عن النفط (الجزيرة نت)

ولدى إشارته إلى ارتفاع معدل التصحر وزيادة الجفاف في بلاده طالب فرحاني بنقل مياه البحر لإحياء البحيرات المعرضة للجفاف مثل أورومية وقم وهامون، مؤكدا أن شح المياه الناتج عن إنشاء السدود على أكبر أنهار البلاد -مثل نهر كارون- أدى إلى تقلص المساحات الزراعية وفقدان الغطاء النباتي فيها.

وختم الناشط البيئي بأنه لا يمكن الفصل بين الأزمات البيئية المتشابكة على امتداد الإقليم، داعيا دول المنطقة إلى وضع الخلافات السياسية جانبا والتعاون من أجل إنقاذ البيئة والإنسان المهدديْن بفعل تغير المناخ وقلة الأمطار والتصحر والعواصف الترابية والرملية.

أسباب خارجية

إقليميا، شهدت العديد من دول الشرق الأوسط بشكل شبه أسبوعي عواصف ترابية عنيفة جدا أدت إلى تعطيل الملاحة الجوية في بعض الدول -منها العراق والكويت- وإغلاق المدارس والمرافق الحكومية، فضلا عن تأثيرها السلبي على البيئة والصحة والاقتصاد.

من ناحيته، أعلن رئيس منظمة البيئة الإيرانية علي سلاجقة في اجتماع بحضور سفراء دول الجوار في طهران أنه وفق الخرائط التي أعدتها بلاده فإن 270 مليون هكتار من أراضي دول الجوار لها دور فاعل في العواصف الترابية المتزايدة، موضحا أن ثلث هذه المساحة -بحدود 90 مليون هكتار- تقع داخل السعودية، و24 مليون هكتار آخر في العراق، و4 ملايين هكتار في سوريا.

واعتبر سلاجقة أن بلاده كانت الأكثر تأثرا بالعواصف الترابية خلال الفترة الماضية، وعبر عن أمله في التوصل إلى حل للظاهرة عبر التعاون الإقليمي ومناقشتها في مؤتمر طهران الإقليمي لوضع خطط عملية من أجل تخفيف تداعياتها على الدول المعنية.

مؤتمر إقليمي

وتستضيف طهران اليوم الثلاثاء اجتماعا إقليميا تحت عنوان “التعاون البيئي لمستقبل أفضل” بحضور وزراء البيئة في دول الجوار وممثلي المنظمات الدولية المعنية، لمواجهة التحديات البيئية على مستوى المنطقة.

نور الدين مرادي: الاجتماع الوزاري في طهران يهدف إلى حل المشاكل البيئية العابرة للحدود (منظمة البيئة الإيرانية)

ويأتي الاجتماع بعد نحو شهر من أوامر أصدرها الرئيس إبراهيم رئيسي للخارجية الإيرانية ومنظمة حماية البيئية من أجل إيجاد حلول للعواصف الترابية.

في غضون ذلك، أعلن المتحدث الرسمي باسم منظمة حماية البيئة نور الله مرادي أن الاجتماع الوزاري في طهران يهدف إلى تعزيز التعاون الإقليمي من أجل تحسين الظروف البيئية وحل المشاكل والتحديات العابرة للحدود، وحث السياسيين وصناع القرار على الاهتمام بالقضايا البيئية في التخطيط الوطني والتفاعل البناء مع الدول الأخرى.

وعقب التوقيع على مذكرات تفاهم ثنائية للتعاون في مجال مكافحة العواصف الترابية بين إيران وكل من سوريا والكويت خلال الأيام الماضية كشف مرادي عن عزم العراق والإمارات على توقيع مذكرات تفاهم مماثلة مع طهران لمكافحة الضيف الأصفر في سماء المنطقة.

رضا شريبي: معالجة ظاهرة العواصف الترابية أضحت بحاجة ملحة إلى تكاتف إقليمي (الجزيرة نت)

معاهدة إقليمية

من جانبه، أوضح الباحث في شؤون البيئة رضا شريبي أن بلاده تسعى إلى حل قضية العواصف الترابية عبر معاهدة إقليمية مثل معاهدة باريس للمناخ، وتشكيل صندوق مالي بمشاركة كل الدول المتأثرة بالظاهرة.

وأشار شريبي في حديثه للجزيرة نت إلى أن طهران أعدت حتى الآن خطتين لاحتواء العواصف الترابية الآتية من دول الجوار، سواء الواقعة شرق وشمال شرق إيران أو تلك التي تقع جنوب وجنوب شرقها، مؤكدا أن بلاده تسعى في الوقت الراهن إلى تطبيق خطة رباعية مع العراق وسوريا وقطر لتنظم إليها دول أخرى مستقبلا.

وخلص الباحث الإيراني إلى أن معالجة ظاهرة العواصف الترابية في المنطقة تمر عبر تكاتف إقليمي ومساعدة المنظمات الدولية.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.