بيروت- تكبد أهالي مخيم “عين الحلوة” للاجئين الفلسطينيين في لبنان، ثمنا باهظا بعدما تحول عدد من أحيائه إلى أشبه بساحة حرب مشتعلة بين مقاتلين من حركة “فتح” ومجموعات أخرى من القوى الإسلامية، حيث تواصلت الاشتباكات العنيفة 4 أيام، تخللها استخدام للقذائف الصاروخية والأسلحة الرشاشة المتوسطة، في حين يترقب السكان اختبار مفعول تثبيت وقف إطلاق النار.

وبعد مبادرتين واتصالات لبنانية وفلسطينية، يشكل اليوم الأربعاء اختبارا دقيقا لما أعلنته أمس هيئة العمل الفلسطيني المشترك من مقر سفارة فلسطين ببيروت، عن اتفاق على وقف إطلاق النار، عبر سحب المسلحين، مقابل تكليف لجنة تحقيق لكشف المتورطين في مقتل قائد الأمن الوطني الفلسطيني في صيدا أبو أشرف العرموشي و4 من مرافقيه الأحد الماضي.

ويعبّر نازحو المخيم عن مخاوف من العودة إلى منازلهم، بسبب الدمار الكبير الذي تسببت به الاشتباكات، إضافة إلى قلقهم من تجددها بأي لحظة، بفعل الخروقات المستمرة. ولسان حالهم: كيف سنرمم ونعيد ما دمرته القذائف والرشاشات والقنابل؟

وأعلنت “هيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين” -وهي هيئة إعلامية مستقلة تعنى بأخبار اللاجئين الفلسطينيين- أن الاشتباكات المسلحة تسببت بنزوح 4 آلاف شخص معظمهم من الأطفال والنساء وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، فضلا عن تدمير بنى تحتية من ماء وكهرباء وصرف صحي وطرقات، واحتراق وتدمير نحو 700 منزل، ودمار كبير بالمحلات التجارية والمركبات وخزانات المياه.

بيد أن الحصيلة النهائية للقتلى والجرحى لم تصدر رسميا، بينما أعلنت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” أول أمس الاثنين تقديرا تقريبيا عن مقتل 11 شخصا، وإصابة 40 بجروح، بينهم موظف للأونروا.

مآسٍ إنسانية

بصوت يتهدج بالبكاء، تقول أم محمود التي نزحت مع زوجها وأطفالها الثلاثة إلى منطقة “سيروب”، إنها عادت لتتفقد منزلها قرب سوق الخضار بالمخيم أمس الثلاثاء، لكن مع عودة رشقات الرصاص، اختبأت ثم هربت إلى خارجه.

وفي حديثها للجزيرة نت، تشكو أم محمود مما تصفه بعدم إنسانية المسلحين، “حيث يطلقون الرصاص والقذائف بين المنازل وبالأحياء الضيقة، بينما لن نجد من يعوض خسائرنا”. وتؤكد أنها لن تخاطر بعودة أطفالها إلى المخيم حاليا، قبل أن تمر أيام بلا إطلاق للرصاص، مضيفة “نجلس بمنزل أقاربنا الضيق، وهم مثلنا فقراء، ونحتاج من يساندنا”.

وتشاطرها المأساة الحاجة مريم، التي نزحت من المخيم مع زوجها المريض وابنتها المصابة بإعاقة جسدية إلى منزل أقاربها في منطقة التعمير التي طالتها آلة الاشتباك أيضا.

وتقول بأسى للجزيرة نت “أخبرني الجيران أن منزلي احترق، لا أتوقف عن البكاء لأنني لا أصدق ذلك، وهو أساسا متهالك، ولن يعوض أحد خسارتنا رغم معاناتنا بتوفير قوتنا وأدويتنا”.

وميدانيا، يقول الناشط الفلسطيني بمخيم “عين الحلوة” عبد الحليم شهابي إن المشكلة الأساسية التي عانى منها أبناء المخيم طوال الاشتباك المسلح هي كيفية الانتقال من حي لآخر أكثر أمانا، أو الوصول إلى أبواب المخيم للخروج منه، ما دفع مئات الأسر للاستغاثة وطلب المساعدة عبر منصات التواصل الاجتماعي.

وفي حديثه للجزيرة نت، يتحدث شهابي عن مصاعب واجهتها فرق الدفاع المدني بنقل الجرحى ومساندة المستغيثين، مؤكدا أن الآلاف من أبناء “عين الحلوة” تركوا منازلهم، وتحديدا بأحياء الطوارئ وحطين والبركسات والصفصاف، ويواجهون مصاعب بتوفير حليب وحفاضات أطفال والطعام والفرش والدواء والمياه، خاصة أن مساعدات الجمعيات لا توازي الحاجة الكبيرة.

أوضاع مأساوية

وفي منطقة “سيروب” الواقعة شرق عين الحلوة، وحيث تسكنها مئات الأسر الفلسطينية، يقول الفلسطيني إبراهيم الحاج، وهو عضو تجمع شباب “سيروب”، إن المئات من أسر المخيم نزحت نحوهم، ومن بينها عائلة زوجته التي هربت من القذائف.

وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف إبراهيم الحاج بأنهم رصدوا ميدانيا خلال إغاثة النازحين، أوضاعا مأساوية، داعيا الأونروا لمضاعفة جهودها تجاههم.

وإغاثيا، أشار مدير جمعية الشفاء للخدمات الطبية الفلسطيني مجدي كريم، إلى مصاعب خلال إخلاء الجرحى، كما يتابعون حالات صعبة للنازحين في 3 مدارس فتحتها لهم الأونروا، إضافة إلى المساجد.

وفي حديثه للجزيرة نت، قال كريم “نحن نعمل حاليا بالإسعافات والإيواء، خصوصا أن الوضع الصحي لشريحة واسعة من أبناء المخيم، غير مستقرة أساسا، وهناك عدد كبير من المصابين بالأمراض المزمنة ومن ذوي الاحتياجات الخاصة”. ويطالب بضرورة تثبيت وقف إطلاق النار اليوم حتى يتمكن الأهالي من العودة، “لأن ما حدث عبثي للغاية”.

قلق وترقب

وشلّت المأساة الحركة داخل المخيم، حيث طبع الدمار مناطق الاشتباك، وتسببت بخسائر مادية فادحة، كما أغلقت معظم محلات السوق الشعبي.

ولعل ما يعمق المأساة، أن معظم أبناء المخيم يعملون بالمحلات التجارية الصغيرة داخل المخيم، فخسروا مدخولهم خلال المعركة، وهم قلقون من الرجوع والكشف عن خسائرهم.

وسبق أن طال القصف محيط حواجز الجيش اللبناني عند المداخل الإلزامية للمخيم، وتمدد شلل الحركة لمدينة صيدا التي أقفلت عددا كبيرا من مؤسساتها وإداراتها.

وطوال الاشتباك، تحدث شهود عيان عن انتشار لمئات المسلحين في “عين الحلوة”، وتمركز عدد كبير منهم بحي الطوارئ شرق المخيم ومحيطه، حيث تسيطر عليه المجموعات الإسلامية، وحاولت حركة فتح التقدم فيه، ما تسبب بمعارك ضارية.

وثمة ترقب حذر لترجمة تثبيت وقف إطلاق النار وسحب المسلحين، الذي أجمعت عليه مختلف الفصائل والقوى، كما ضاعف الجيش اللبناني إجراءاته بمحيط المخيم.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.