القدس المحتلة- منذ 20 عاما لم يطمئن قلب الوالدين حسن ودينيس الحموري على نجلهما المحامي صلاح الذي لم تكتفِ سلطات الاحتلال باعتقاله على مدار سنوات، بل لجأت قبل عامين لسحب حقه في الإقامة بمدينة القدس، وتحاول الآن ترحيله قسريا من سجن “هداريم” الإسرائيلي إلى فرنسا التي يحمل جنسيتها.

وُلد صلاح الحموري بالقدس في 25 أبريل/نيسان عام 1985 لأب مقدسي وأم فرنسية منحته جنسية بلادها، لكنه نشأ وترعرع وتلقى تعليمه المدرسي والجامعي بالعاصمة المحتلة التي يقول والداه إنه لا ينتمي سوى إليها.

عمل صلاح الحموري محاميا لمؤسسة “الضمير” قبل أن يقرر الاحتلال منعه من دخول محاكمه، وقد اعتقله منذ شهور (الفرنسي)

عقدان من الاعتقالات والملاحقة

ومنذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000 وحتى الآن تعددت أشكال الانتهاكات التي تعرض لها هذا الشاب المقدسي وأبرز محطاتها:

  • عام 2000: استهداف بالرصاص الحي في منطقة الفخذ أثناء وجوده في بلدة الرام شمال القدس، ولا تزال الرصاصة مستقرة في جسده، وكان صلاح يبلغ من العمر حينها 15 عاما.
  • عام 2001: اعتقال لمدة 5 أشهر في السجون الإسرائيلية بتهمة خط الشعارات على الجدران وممارسة أنشطة طلابية.
  • عام 2004: اعتقال إداري استمر 5 أشهر مما أعاق دراسته بتخصص علم الاجتماع في جامعة بيت لحم.
  • عام 2005: خضع للاعتقال الأطول ووُجهت له تهمة الانتماء للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والتخطيط لقتل الحاخام عوفاديا يوسف الزعيم الروحي لحركة شاس. وحكم الحموري بالسجن الفعلي لمدة 7 أعوام بعد رفضه عرضا إسرائيليا بالإبعاد إلى فرنسا لمدة 15 عاما كونه يحمل جنسيتها.
  • عام 2011: بعد تحرره في صفقة “وفاء الأحرار” (صفقة تبادل الأسرى مقابل الجندي جلعاد شاليط)، فرضت المخابرات الإسرائيلية على الحموري عقوبتي منع السفر ودخول مناطق الضفة الغربية.
  • عام 2016: مُنعت زوجته من دخول فلسطين خلال عودتها من زيارة ذويها في فرنسا، واحتجزت 3 أيام متواصلة في مطار اللد قبل أن تُرحّل إلى فرنسا وتُمنع من دخول البلاد لمدة 10 أعوام بادعاء وجود “ملف سري” ضدها (لائحة اتهام سرية).
  • عام 2017: اعتُقل صلاح الحموري إداريا لمدة 13 شهرا (الاعتقال الإداري يكون وفق ملف سري).
  • عام 2020: اعتُقل لمدة أسبوع وبعد نحو شهرين من إطلاق سراحه فوجئ بعدم سماح الاحتلال له بدخول المحاكم العسكرية في عوفر؛ حيث عمل محاميا لمؤسسة الضمير لحقوق الإنسان، وتسلّم بعدها قرارا موقّعا من وزير الداخلية الإسرائيلي بسحب حقه في الإقامة بالقدس.
  • عام 2022: اعتقله الاحتلال مجددا وفق قانون “الاعتقال الإداري” الذي يقبع به منذ 9 أشهر وانتهت مدته قبل أيام، لكن اعتقاله تم تمديده حتى مطلع عام 2023 لحين البت في قرار ترحيله إلى فرنسا.

“جذوره في القدس”

والده المسن المقدسي حسن الحموري تحدث عن قسوة ما تشعر به العائلة الممتدة في القدس وأسرته المكونة من زوجته وطفليه في فرنسا، واصفا ما يمرون به بـ “الموت البطيء”.

وقال الأب للجزيرة نت إن العائلة لم تتفاجأ بقرار الترحيل في ظل سلسلة من الانتهاكات الصارخة التي يتعرض لها نجلها منذ عقدين كاملين، مشيرا إلى أن الاحتلال لم يكتفِ بسحب حق صلاح في الإقامة بالقدس وتعداها لحرمانه من حقه في التأمين الصحي قبل أن يسلب حريته مجددا ويحوله للاعتقال الإداري الأخير.

ولم تكن والدته دينيس الحموري أقل قلقا على مصير نجلها، وقالت إن كل ما يريده صلاح أن يعيش حياة طبيعية في القدس مع زوجته وطفليه، “ورغم أن هذا المطلب يبدو روتينيا وسهلا لكنه مستحيل في ظل دولة الاحتلال”.

وتابعت الأم “جذور صلاح ممتدة عميقا في القدس ولا يتصور أن يُقتلع منها، وخلال زيارتنا له في السجن الأسبوع الماضي كانت معنوياته عالية لكنه قلق من المستقبل بشكل كبير”.

صلاح الحموري مع والدته بعد تحرره في صفقة وفاء الأحرار عام 2011 (رويترز)

الإبعاد كعقاب لعدم الولاء للاحتلال

ويعد المحامي المقدسي صلاح الحموري واحدا من بين 14 مقدسيا سُحب منهم حق الإقامة في القدس كـ”عقاب” بادعاء “خرق الولاء لدولة إسرائيل”.

وصادق الكنيست الإسرائيلي عام 2018 على قانون يخوّل وزير الداخلية سحب الإقامة من المقدسيين تحت هذا الادعاء، بخلاف نص القانون الإنساني الدولي على عدم توقّع الولاء من السكان القابعين تحت الاحتلال للدولة المحتلة.

ويصف مدير مركز العمل المجتمعي التابع لجامعة القدس، منير نسيبة، إجراء إلغاء الإقامة بناء على معيار “خرق الولاء” بأنه “اضطهاد”، كما أنه يشكل مخالفة جسيمة للمادة (49) من اتفاقية جنيف الرابعة التي منعت بشكل مطلق نقل المدنيين وطردهم من بلادهم في الأرض المحتلة.

ويشكل هذا الإجراء وفقا لنسيبة، أيضا انتهاكا لميثاق روما المنشِئ للمحكمة الجنائية الدولية الذي عرّف الطرد بأنه جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية إذا كان يمارس بشكل ممنهج أو واسع النطاق.

وأضاف نسيبة “ما ندعيه كمؤسسات حقوقية أن طرد صلاح الحموري من القدس يشكل جريمة حرب على الأقل وأنا أضيف وأقول إنه جريمة ضد الإنسانية”.

منير نسيبة: قرار إسرائيل طرد المحامي الحموري جريمة حرب (الجزيرة نت)

رسائل لعدم التعاون

وهذا ما دفع بالعائلة والمؤسسات الحقوقية لإطلاق رسائل واضحة تدعو لعدم التعاون مع إسرائيل على تنفيذ قرارها بترحيل الحموري من فلسطين إلى فرنسا.

وفصّل نسيبة ذلك بالقول “لا يمكن لإسرائيل تنفيذ قرارها وحدها فهي ستحتاج لطائرة تنقل صلاح ولموافقة فرنسا على استقباله في أراضيها.. ونحن نوجه الآن رسائل لشركات الطيران ولفرنسا لأن عليهم عدم التعاطي مع هذا القرار الجائر، وفي حال تعاونهم فإن هذا يعتبر مشاركة في جريمة حرب”.

يُذكر أن معطيات مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة (بيتسيلم) تحدث عن سلب 14 ألفا و643 فلسطينيا حق الإقامة في القدس بين عامي 1967 و2020 بناء على معايير مختلفة.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.