باريس- وكأن التاريخ يعيد نفسه، نهاية حملة غير نمطية يهيمن عليها الوضع الدولي إلى حد كبير، يواجه الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون زعيمة التجمع الوطني مارين لوبان بالجولة الثانية المقررة يوم الأحد 24 أبريل/نيسان الجاري.

وخلال 5 سنوات، منذ آخر مبارزة بينهما في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية عام 2017، تغير المشهد السياسي بشكل كبير، ويمكن لـ لوبان الاعتماد على جمهور ناخب موسع يوفر لها قاعدة قوية لجعلها أول امرأة تتولى رئاسة الجمهورية.

ويسعى ماكرون إلى لعب بطاقة الاستمرارية وإبراز إنجازاته في سياق الحرب بأوكرانيا وإدارة الأزمة الصحية ـالتي لا تزال قيد التدقيق- بالرغم من الحملة المتأخرة التي أطلقها أوائل مارس/آذار الماضي.

ترصد الجزيرة نت تاليا عددا من أهم الملفات التي تعتبر المواقف فيها من أهم ما يتنافس عليه هذان المرشحان:

معاشات التقاعد

من المحتمل أن يكون إصلاح نظام التقاعد أحد الموضوعات الرئيسية للنقاش بالجولة الحاسمة في 24 أبريل/نيسان الجاري، خاصة وأن المرشحين يدافعان عن برنامجين متعارضين تماما في هذا الشأن.

فمن جهة، يريد ماكرون تنفيذ تمديد تدريجي لسن التقاعد يصل إلى 65 عاما بدلا من 62، مؤكدا أن هذا الإصلاح سيأخذ في الاعتبار فترة وظروف كل مهنة، كما يقترح زيادة الحد الأدنى للمعاشات إلى 1100 يورو شهريا.

من جهة أخرى، ترفض زعيمة حزب التجمع الوطني رفع سن التقاعد وتقترح السماح لأولئك الذين بدؤوا العمل قبل العشرين بالتقاعد في سن الستين اعتمادا على فكرة “تشجيع الشباب على دخول الحياة العملية في وقت مبكر”.

كما وعدت لوبان بعدم إلغاء المعاشات التقاعدية لتمرير “معاشات صغيرة” وإعادة تقييم الحد الأدنى الذي لا يتعدى الألف يورو شهريا.

ملف الهجرة

وصلت الوريثة الطموحة ذات المزاج العاصف، وأصغر بنات جان ماري لوبان مؤسس الجبهة الوطنية، إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، مثل والدها قبل 15 عاما، ولا تزال تتشبث بمبادئ اليمين المتطرف حول ملف الهجرة والمهاجرين.

وفي حال انتخابها رئيسة للجمهورية، تريد لوبان إنهاء لم شمل الأسرة وتشديد الحصول على الجنسية ومعالجة طلبات اللجوء في الخارج فقط.

كما ستمنح المواطنين الفرنسيين الأولوية في الحصول على السكن الاجتماعي والعمل تحت شعار “الأفضلية الوطنية في الدستور” وستلغي تصريح الإقامة للأجانب الذين توقفوا عن العمل في غضون 12 شهرا.

أما ماكرون فيعتزم مراجعة شروط الحصول على تصاريح الإقامة لأكثر من 4 سنوات، والتي سيشترطها في “امتحان للغة الفرنسية وتحقيق الاندماج المهني”. كما سيضمن أن رفض اللجوء سيؤدي بشكل مباشر إلى الالتزام بمغادرة الأراضي الفرنسية.

ويتشارك ماكرون ولوبان الرأي حول مسألة “الطرد المنهجي” للمهاجرين غير النظاميين والمجرمين الأجانب “الذين يخلون بالنظام العام”.

الإسلام والحجاب

سعت مرشحة التجمع الوطني (RN) إلى التخفيف من حدة خطابها حول الإسلام أو المسلمين بحملتها الانتخابية، التي تدعي من خلالها أنها لا تهاجم الإسلام بل “أيديولوجية استبدادية تسمى الإسلاموية”. وهو تمييز بلاغي لا يكاد يصمد أمام تحليل مفصل لبرنامجها ويصطدم بالتناقضات، خاصة فيما يتعلق بارتداء الحجاب.

وفي مقابلة على قناة “فرانس إنفو” الجمعة الماضية، أوضحت لوبان أن الحجاب “زي إسلامي” مؤكدة أنها ستحظر ارتداءه بالأماكن العامة وستفرض غرامة مالية لمعاقبة المحجبات في الشارع، معتبرة أن الشرطة “بارعة جدا في تطبيق ذلك”.

وقالت لوبان إن أكثر من 85% من الفرنسيين لا يرغبون في وجود المحجبات بالأماكن العامة أو “الزي الرسمي الذي يعبر عن الأصولية الإسلامية” في العشرين عاما الماضية، خلال مقابلة على قناة “آر تي إل” الخميس الماضي.

بدوره، استنكر ماكرون اقتراح لوبان ورأى أن هذا الإجراء “من شأنه تقسيم البلاد” متمنيا أن تخلع النساء الحجاب بأنفسهن.

وقال في مقابلة مع منصة “بروت” السبت الماضي “الدولة لا تحارب الدين” مضيفا “إذا حظرت المرشحة اليمينية المتطرفة الحجاب، بموجب دستورنا، فسيتعين عليها حظر الصليب وكل الرموز الدينية الأخرى”.

ويواصل ماكرون المؤهل للجولة الثانية دعوة المسلمين واليهود إلى التجمع خلفه ضد اليمين المتطرف في برنامجه الانتخابي “أريد فرنسا أن تحارب بحزم ضد النزعة الانفصالية الإسلامية ولكنها، من خلال العلمانية، تسمح للجميع بممارسة شعائرهم الدينية”.

القوة الشرائية والضرائب

أمام المرشحين أسبوعان لمحاولة إقناع الفرنسيين بأهمية برنامجهما الانتخابي، وهي فرصة لمراجعة مقترحاتهما الاقتصادية الرئيسية، خاصة تلك التي تتعلق بالهم الأول الذي يثقل كاهل الناخبين، أي القوة الشرائية.

في حالة إعادة انتخابه، يتوقع ماكرون تخفيضات ضريبية بقيمة 15 مليار يورو، منها 8 مليارات للأسر و7 مليارات للشركات، تخص الأولى إلغاء رسوم الترخيص السمعي البصري (138 يورو سنويا) وتخفيض ضريبة الميراث.

ويوفر برنامج ماكرون أيضا مضاعفة “مكافأة القوة الشرائية الاستثنائية” التي يدفعها أرباب العمل لموظفيهم إلى 3 مرات، ويمكن أن تتراوح بين 3 آلاف و6 آلاف يورو بدون ضرائب أو مساهمات، فضلا عن التزام الشركات بتوزيع الأرباح وتقاسمها مع الموظفين من خلال دفع “مكافأة ماكرون” الشهيرة.

من جهتها، وعدت لوبان بإعادة 150 إلى 200 يورو شهريا من القوة الشرائية للفرنسيين من خلال خفض ضريبة القيمة المضافة من 20 إلى 5.5% على منتجات الطاقة (الوقود والغاز والكهرباء) وهو إجراء سيكلف الخزينة حوالي 12 مليار يورو.

وفي مواجهة التضخم، تريد المرشحة اليمينية إلغاء الزيادات في ضريبة الوقود التي تم تحديدها بين عامي 2015 و2018، وفرض ضريبة القيمة المضافة.
ومن بين مقترحاتها إلغاء ضريبة الدخل للشباب تحت سن الثلاثين، وتحفيز الشركات على زيادة الأجور بنسبة 10%.

أوكرانيا وموازنة الدفاع

يتفق المرشحان “تقريبا” على مراجعة ميزانية الدفاع، وقدم كل منهما برامج دفاعية طموحة، يأتي على رأسها زيادة الميزانية بقيمة 50 مليار يورو عام 2025 (ماكرون) و55 مليارا عام 2027 (لوبان).

غير أن مواقفهما متباينة فيما يخص الحرب في أوكرانيا والموقف الفرنسي الأوروبي بشكل عام، إذ تدعم زعيمة الجبهة الوطنية انسحاب باريس من القيادة العسكرية المتكاملة لحلف شمال الأطلسي، لاعتبارها أن “هوس الناتو المعادي لروسيا لا يخدم مصالح فرنسا ذات السيادة”.

بدوره، يؤكد ماكرون أن “فرنسا مخلصة لتحالفاتها ويمكن للدول الأعضاء الاعتماد عليها” في مواجهة التهديدات الإرهابية والتهديد السيبراني. وبالتالي، فلا يوجد أدنى شك أن فرنسا لن تغادر الناتو في حال انتخابه لولاية ثانية.

عن مستقبل كورسيكا

في مواجهة اندلاع أعمال العنف في كورسيكا منتصف الحملة الانتخابية، قرر ماكرون كسر “المحرمات” والحديث عنها من خلال تمهيد الطريق لمطالبة تاريخية باستقلالها.

وهو ما أشار إليه وزير الداخلية جيرالد دارمانين الذي قال إنه في حال أعيد انتخاب ماكرون، ستتم “مناقشة غير مسبوقة” قد تفضي إلى تقديم الحكم الذاتي للجزيرة.

أما لوبان، فلا تزال ترفض بشكل قاطع تقديم أي تنازلات، وتقول “كورسيكا يجب أن تبقى فرنسية”.

البيئة والطاقة

توسع طاقة الرياح الخلافات بين المرشحين، إذ يريد ماكرون بناء قطاع لإنتاج الطاقة المتجددة وإنشاء 50 مزرعة رياح بحرية بحلول عام 2050. وتريد لوبان وقف المبالغ المخصصة لتمويل مشاريع طاقة الرياح والطاقة الشمسية لاعتبارها “عديمة الفائدة” فضلا عن تفكيك توربينات الرياح الموجودة حاليا، سواء بالبحر أو على اليابسة.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.